القفطان هو شكلٌ قديم قِدم تقاليد النسيج في المغرب، لكنه اليوم أصبح أيضًا رمزًا للدبلوماسية الثقافية، إذ يسعى المغرب إلى إدراجه ضمن قائمة التراث الثقافي غير المادي لدى اليونسكو.

على مرّ الأجيال، لم يرتدِ المغاربة القفطان لمجرد اللباس، بل كعلامة على الطقوس الحياتية والانتماء الاجتماعي والتعبير الإبداعي. والآن، تبذل السلطات المغربية جهودًا رسمية لتوثيق معناه في ملف شامل والدفاع عنه بوصفه إرثًا وطنيًا.

 

من بلاطات القرون الوسطى إلى الموضة الحديثة

تعود جذور القفطان في المغرب إلى العصور الوسطى، حين امتزجت الثقافات العربية والأندلسية والأمازيغية. ومع مرور القرون، تطوّر هذا اللباس في أسلوبه وقَصّاته وزخارفه في مختلف مناطق المملكة، من فاس إلى مراكش، ومن تطوان إلى وجدة.

يحمل القفطان المغربي قاموسه التصميمي الخاص: زخارف تطريز الطرز، والحواف المضفّرة يدويًا المعروفة باسم “السفيفة”، والأزرار المعقودة المميزة المسماة “العقاد”. وقد ارتدت نساء البلاط في العهود السعدية والعلوية قفاطين من الديباج أو المخمل، تُربط بأحزمة مرصّعة بالجواهر (المضمّة) وتُزيَّن بخيوط الذهب.

ومع مرور الزمن، أصبح القفطان ونسخته الثنائية “التكشيطة” لباسًا طقوسيًا للمناسبات الكبرى: الأعراس، والأعياد الدينية، واحتفالات البلوغ — فكل مرحلة من مراحل الحياة وجدت تعبيرها في القماش. ما بدأ كزيٍّ أرستقراطي تحوّل إلى لغة للذاكرة الجماعية.

 

ممارسة ثقافية حيّة

في المدن العتيقة والمجتمعات المغربية اليوم، لا يزال القفطان حيًا ومتجددًا. صناعته عملٌ جماعي يجمع بين الحرفيين والمبدعين: المصمم يرسم، والنسّاج يحضّر القماش، والمطرّز يضيف الزخارف، وصانع الحواشي يجهّز السفيفة، والخياط يصوغ الشكل النهائي. وقد يستغرق إنجاز قفطان واحد أسابيع أو حتى شهورًا تبعًا لتعقيده.

في كثير من العائلات، يُعدّ القفطان إرثًا عائليًا يُحفظ بعناية ويُورّث من جيل إلى آخر. فثوب المخمل الذي ارتدته الجدة قد يُعاد تفصيله ليلائم عروسًا جديدة، فيربط بين الأجيال بخيوط النسيج والذاكرة. ورغم تغيّر الموضة، يظل القفطان لوحة تُطرَّز عليها الذكريات.

وفي الوقت نفسه، استطاع المصممون المغاربة أن يدفعوا بالقفطان إلى الساحة العالمية. من عروض الدار البيضاء إلى أسابيع الموضة في باريس، أُعيد تفسير القفطان بتصاميم معاصرة وأقمشة حديثة دون أن يفقد جذوره التقليدية. هذا التوازن بين العراقة والحداثة منح القفطان مرونة استثنائية.

 

الترشيح لليونسكو

لم يُدرج القفطان بعد في قائمة اليونسكو للتراث الثقافي غير المادي، غير أن المغرب قدّم رسميًا في مارس 2025 ملف ترشيحه تحت عنوان: «فن وتقاليد ومعارف صناعة القفطان المغربي».

ويتضمّن الملف، وفقًا للمسؤولين المغاربة، حصرًا لأنواع الألبسة الإقليمية مثل التكشيطة والمنصورية والقميص والكسوة الكبيرة، إضافةً إلى أنماط التطريز كطرز الغرزة وطرز الحساب. كما يصف أدوار الحرفيين من النسّاجين إلى المعلمين المطرّزين.

ومن المتوقع أن تنظر اليونسكو في الملف خلال دورتها العشرين في ديسمبر 2025 في نيودلهي، وحتى ذلك الحين يبقى القفطان في مرحلة الترشيح.

 

خلافات التراث والدبلوماسية الثقافية

لم يخلُ الطريق نحو اليونسكو من التوتر. ففي ديسمبر 2024، اعترض المغرب على تضمين الجزائر في ملف تراثها صورة لـ«قفطان فاسي». وقد قررت اللجنة إزالة الصورة، مؤكدة أحقية المغرب بهذا الإرث الثقافي.

وتعكس مثل هذه النزاعات كيف يمكن للملابس أن تصبح علامات جيوسياسية. كما أوضح أحد خبراء السياسات التراثية: «التراث الثقافي لا يتعلق فقط بالحفاظ، بل أيضًا بالاعتراف والشرعية والقوة الناعمة».

لقد خدم القفطان طويلًا كـ«سفير ثقافي». فحين ترتديه الأميرات أو الشخصيات المغربية في الخارج، يُجسّد مزيجًا من الاستمرارية والقدرة على التجدّد — تذكيرًا بأن هوية المغرب منسوجة من خيوط التقاليد والإبداع.

 

ما الذي قد يجلبه الاعتراف

إذا ما وافقت اليونسكو على إدراج القفطان، فسينضم إلى قائمة التراث غير المادي المغربي التي تشمل الكسكس (أُدرج عام 2020) وموسيقى كناوة وموسم طانطان.

ويؤكد المسؤولون أن هذا الاعتراف قد يسهم في:

  • حماية شبكات الحرفيين من الاندثار؛
  • تعزيز تمويل التعاونيات والمدارس المهنية؛
  • تشجيع الأجيال الشابة على تعلم الحرفة؛
  • دعم الدبلوماسية الثقافية المغربية بإبراز القفطان كرمز للتراث والموضة في آنٍ واحد.

ويرى مؤيدو المبادرة أيضًا أنها وسيلة لحماية القفطان من الاستغلال غير المشروع، وضمان التعامل معه ليس فقط كلباس فاخر بل كقيمة ثقافية مصانة.

 

بين الاستمرارية والابتكار

لكن الاعتراف ليس سوى جزء من الصورة. فالحفاظ على القفطان يتطلب حيوية اجتماعية: تأمين التكوين للحرفيين، وحماية مصادر رزقهم، وضمان استمرار دوره في الطقوس العائلية. ويحذّر البعض من أن الإفراط في «مأسسة» القفطان قد يجمّده، في حين أن سرّ بقائه دائمًا كان في مرونته وقدرته على التطور.

وفي المقابل، يستمر الابتكار. ففي الدار البيضاء، يجرب المصممون الشباب أقمشة مستدامة وقصّات بسيطة تستهدف الأسواق العالمية. وفي القرى، ما زالت الخياطات يصنعن قفاطين المخمل للأعراس، مستخدمات تقنيات لم تتغير منذ قرون. فالقفطان يزدهر لأنه يعيش بين عالمين: الأصالة والتجديد.

وفي نوفمبر 2024، برز القفطان المغربي في مقر اليونسكو بباريس خلال «الأسبوع العربي» — كعرض رمزي قبل الاعتراف المرتقب. وأفادت التقارير بأن الجمهور انبهر بزواج التراث بالأناقة.

 

ثوب يحكي قصة

لم يُدرج القفطان بعد ضمن قائمة اليونسكو، لكن الترقب غيّر بالفعل من مكانته الرمزية. فهو لم يعد مجرد لباس للذكريات العائلية، بل أصبح أداة دبلوماسية ورمزًا محل نزاع ومرشحًا للحماية الدولية.

ومع اقتراب اجتماع اللجنة في ديسمبر 2025، يتابع المغرب باهتمام بالغ. ومهما كان القرار، فإن مستقبل القفطان سيعتمد أقل على باريس أو نيودلهي، وأكثر على الحرفيين والعائلات والمصممين الذين ما زالوا يمنحونه الحياة.

في ظهيرة هادئة بالرباط، في مشغل تغمره أشعة الشمس فوق الحرير والخيوط، انحنت خياطة فوق إطار تطريزها وقالت بهدوء: «كل غرزة تحمل ذكرى». وبينما لا يزال قرار اليونسكو معلّقًا، تبقى تلك الذكريات في أيدي المغاربة — تذكيرًا بأن التراث، مثل النسيج، يكون أقوى حين يُلبس، ويُشارك، ويُورَّث

شاركها.
Exit mobile version