القاهرة- لم يصدق عمر الشاهد ما يثار على وسائل التواصل بشأن الارتفاع الجنوني في أسعار اللحوم، وذهب بنفسه إلى “سوق الخميس” حيث تباع كافة أنواع الماشية بالقرب من منطقة المنيب بمحافظة الجيزة لعله يحسم حالة التردد التي أصابته ويقرر: هل يشتري الأضحية هذا العام أم يصرف عنها النظر؟
لا يخفي الشاهد -في حديثه للجزيرة نت- شعوره بالصدمة من ارتفاع أسعار المواشي، ويقول إن سعر الأبقار مثلا اقترب من 180 جنيها للكيلوغرام، وتوقع أن يتجاوز سقف 200 جنيه قبل عيد الأضحى المبارك (الدولار يساوي 31 جنيها تقريبا حسب الأسواق الرسمية).
يصف هذا المواطن الوضع الحالي بالجنون، ويقول إنه قد يتراجع عن أداء شعيرة الأضحية هذا العام، إلا إذا وجد 5 آخرين يشاركونه التكلفة.
ومن جهته يأسف شعبان صميدة (تاجر مواد غذائية) لقرب اتخاذه قرارا مماثلا بالعزوف عن الأضحية، ويقول للجزيرة نت “بهذا الشكل أصبحنا ممن تجوز فيهم الصدقة، ولم تعد لدينا القدرة على مساعدة الناس أو حتى الوفاء بهذه الشعيرة العظيمة”.
وحسب تقديرات جهاز الإحصاء القومي، فقد استوردت مصر لحوما بقيمة 1.6 مليار دولار تقريبا خلال عام 2022، منها ما قيمته ربع مليار دولار من السودان.
وتشير التقديرات الرسمية إلى أن 60% من حجم التبادل التجاري بين مصر والسودان يتركز في المواشي واللحوم، وهو القطاع الأكثر تأثرا بسبب الاضطرابات الراهنة في الجارة الجنوبية.
أضحية بالتقسيط
ومع اقتراب عيد الأضحى، لوحظ ارتفاع قياسي بأسعار اللحوم والمواشي دفع بعض الجمعيات الأهلية للإعلان عن عروض تقسيط للأضاحي لمدة 12 شهرا بعد أن استحال على الكثيرين شراؤها.
وعلى صفحتها الرسمية نشرت جمعية “الأورمان” -وهي واحدة من أشهر الجمعيات الأهلية في مصر- إعلانا عن بيع لحوم الأضاحي بالتقسيط على 12 شهرا.
كما عرضت “الجمعية الشرعية لتعاون العاملين بالكتاب والسنة المحمدية” الصكوك المعتادة للأضحية، وهي صكوك “مشاركة” تضم 7 أو 6 مشاركين في البقرة الواحدة.
لكن عامر السيد مسؤول الجمعية في منطقة القناطر بمحافظة القليوبية يشير إلى أن قيمة الصك الواحد زادت 3 أضعاف عن العام الماضي، فأصبحت 9 آلاف جنيه للفرد الواحد بعد أن كانت 3 آلاف فقط العام الماضي، وأوضح أن صاحب الصك يحصل على 30 كيلوغراما من اللحم، يتسلم منها ثلثين ويتنازل عن الباقي لتوزيعها على الفقراء تحت إشراف الجمعية.
ويشير أيضا إلى أن هذا العام شهد تراجعا كبيرا في حجم الطلب على الصكوك، كما تراجع حجم التبرعات التي تتلقاها الجمعية، موضحا أن ذلك سينعكس حتما على الكميات الموزعة على الفقراء، وتوقع أن تشهد انخفاضا كبيرا.
ومع ذلك، قال مسؤول الجمعية -التي توصف بأنها الأوسع انتشارا في البلاد- إن توزيع اللحوم على الفقراء عملية مستمرة طوال العام ولا ترتبط بموسم الأضاحي، معربا عن أمله في تجاوز الأزمة الحالية قريبا.
أسباب الأزمة
ويرجع المحلل الاقتصادي أحمد هنداوي -في حديثه للجزيرة نت- أسباب هذه الأزمة إلى ما قال إنه “تعثر الحكومة في الإفراج عن كميات كبيرة من الأعلاف المحجوزة في الموانئ بسبب العجز عن توفير الدولار للجهات الموردة بالخارج”.
ويتوقع هنداوي تفاقم الأزمة خلال المرحلة المقبلة، مشيرا إلى أن الحكومة لم تفعل ما يلزم لتصنيع الأعلاف محليا “بل تفضل استيراد اللحوم والدواجن المجمدة كحل مؤقت للأزمة”.
وفي السياق ذاته، يشير صالح عاشور المهندس الزراعي بوزارة الزراعة إلى أن الصراع الدائر حاليا في السودان أثر سلبا على واردات مصر من اللحوم، مؤكدا أن اللحوم التي تأتي من الخرطوم هي الأرخص والأفضل.
وعبر عن قلقه من أن يستمر الاضطراب في السودان مدة طويلة فتتوالى معه الأزمات، كما اعتبر أن اللحوم المستوردة من تشاد على سبيل المثال لن تساعد كثيرا في سد العجز والاستهلاك المتنامي مع قرب حلول عيد الأضحى المبارك.
ويتوقع حمدان الوراقي، وهو تاجر لحوم بمنطقة المنيب أن يتوالى ارتفاع سعر اللحم ليصل إلى 500 جنيه للكيلوغرام قبل العيد، علما بأنه حاليا يقدر بـ 300 جنيه تقريبا.
ويأسف التاجر لهذا الارتفاع في الأسعار، موضحا بأن ذلك يؤثر سلبا على عمليات البيع، مما يجعل المستهلك يراجع حساباته ويشتري كميات أقل مما هو معتاد.
وتحدث الوراقي للجزيرة نت عن اضطراره لتسريح بعض العمالة، وقال “هذه مصيبة أخرى” كما أشار إلى ارتفاع تكلفة النقل بعد رفع سعر السولار مؤخرا.
وإلى جانب تأثير الوضع بالسودان، أرجع رئيس شعبة القصابين (الجزارين) بغرفة القاهرة التجارية محمد وهبة تفاقم الأزمة إلى الحرب الروسية على أوكرانيا، وقال في تصريحات للصحف المحلية إنها تركت آثارا خطيرة على أسعار الأعلاف التي تستورد مصر معظمها من هذا البلد.
وتحدث نادر نور الدين، مستشار وزير التموين السابق، عن ارتفاع فاتورة مصر من الواردات الغذائية من 15 مليار دولار إلى 30 مليارا، موضحا بأن سعر طن الذرة الصفراء اللازم للأعلاف ارتفع من 9 آلاف إلى 20 ألف جنيه في فترة وجيزة.
وقال نور الدين على صفحته الشخصية بفيسبوك “في ظروف تخفيض العملة المحلية وارتفاع الأسعار وارتفاع التضخم ينبغي أن تزيد مخصصات الفقراء من دعم الغذاء وليس العكس، وحتى عندما تصدر توصيات البنك الدولي تتضمن زيادة مخصصات الحماية الاجتماعية نسير عكس المنطق”.
ويعتبر المزارع رضا السروجي أن الأزمة تكمن في الإدارة، ويقول ساخرا “لدينا مثلا أزمة في سعر الأرز، حيث تضاعف أكثر من 5 مرات مؤخرا، رغم أننا ننتجه محليا ولدينا فائض للتصدير، المشكلة في العقول والفساد”.
جهود حكومية
مقابل ذلك تتنصل الحكومة من المسؤولية عن أزمة الأعلاف، وتقول على لسان وزير الزراعة السيد القصير إن إجمالي ما تم الإفراج عنه من الأعلاف الفترة من 16 أكتوبر/تشرين الأول 2022 وحتى نهاية أبريل/نيسان 2023، بلغ 3.756 ملايين طن، منها 2.702 مليون طن من الذرة، و1.054 مليون طن من فول الصويا وإضافات أعلاف، وذلك بإجمالي مبلغ 1.850 مليار دولار.
وأوضح القصير في بيان أن هناك متابعة مستمرة وتنسيقا كاملا مع البنك المركزي للإفراج الدوري عن أي شحنات من الذرة وفول الصويا وخامات وإضافات الأعلاف من الموانئ المصرية.
كما قررت الحكومة إضافة الذرة الصفراء على منصة البورصة المصرية للسلع، من أجل إتاحة هذه السلعة الأساسية التي تعد أهم مدخل لصناعة الأعلاف، لزيادة المعروض منها لصالح صغار مربي الماشية والدواجن بسعر عادل، مما يسهم في تخفيف حدة تقلبات الأسعار للسلع والحبوب الناتجة عن الاضطرابات التي يشهدها العالم، حسب ما جاء في البيان الحكومي.
صكوك الأوقاف
وقد أثارت “صكوك أضحية” طرحتها وزارة الأوقاف بقيمة 2500 جنيه حالة من الجدل والشك، بسبب ضعف قيمتها وعدم تناسبها مع الأسعار الحالية التي تصل بالصك إلى نحو 10 آلاف جنيه.
ويتساءل تاجر المواشي حسني طنطاوي “من أين تأتي وزارة الأوقاف باللحوم وفقا لهذه الأسعار؟”.
في السياق، كشف مسؤول بوزارة الأوقاف للجزيرة نت عما قال إنها ضغوط تمارسها الإدارة على أئمة المساجد لتوزيع “صكوك الأضاحي” مشيرا إلى أن كل إمام مسجد مطالب بتوزيع 60% من الصكوك وإلا تعرض للنقل إلى منطقة نائية.
وقال هذا المسؤول -الذي اشترط عدم الكشف عن هويته- إن نفي وزير الأوقاف مختار جمعة أمام مجلس النواب ليس صحيحا، وأكد أن الضغوط موجودة لكنها ليست مكتوبة.
كما استبعد أن تساهم مثل هذه الصكوك -التي وصفها بأنها دعائية- في تخفيف معاناة الناس أو الحد من أزمة اللحوم غير المسبوقة.
ويذهب الخبير في سوق الأوراق المالية بالقاهرة محمد إمام إلى الاعتقاد بأن أزمة اللحوم هي “الظاهرة قبل الأخيرة ” في الأزمة الاقتصادية والمعيشية التي يعاني منها المصريون.
واعتبر أن رغيف الخبز ما زال في الحدود الآمنة رغم ارتفاع سعره، لكنه يحذر من عدم وجود بوادر لحلول عملية للأزمات، ويطالب بـ “دراسة ملف اللحوم جيدا للاستفادة منه حتى لا نقع قريبا في أزمة خبز ستكون هي الأخطر”.