القدس المحتلة– صادقت الحكومة الإسرائيلية، مساء أمس الثلاثاء، على رفع العجز المالي للموازنة العامة للمرة الخامسة منذ اندلاع الحرب على غزة بالتوازي مع زيادة موازنة وزارة الدفاع.

يقضي قرار الحكومة الإسرائيلية بزيادة الموازنة العامة لعام 2025 التي بلغت نحو 619 مليار شيكل (177 مليار دولار)، بمبلغ إضافي 30.8 مليار شيكل (9 مليارات دولار)، يخصص منه 28.9 مليار شيكل (8.5 مليارات دولار) يخصص مباشرة إلى موازنة الأمن، في انعكاس واضح لأولوية الإنفاق العسكري، حسب صحيفة كالكاليست الإسرائيلية.

وبذلك، ترتفع موازنة الدفاع، التي بلغت حتى الآن 113 مليار شيكل (33.23 مليار دولار) بعد الزيادات السابقة خلال العام، إلى أكثر من 140 مليار شيكل (4.11 مليارات دولار).

يقترب هذا المستوى من الإنفاق بشكل كبير من حجم الإنفاق الدفاعي الإجمالي في عام 2024، والذي قدِر بنحو 160 مليار شيكل (47 مليار دولار)، مما يعكس تصاعد الأولوية الممنوحة للقطاع العسكري على حساب بنود الموازنة الأخرى.

بموجب القرار، سيرتفع سقف العجز المالي للعام الحالي من 4.2% إلى 5.2%، مما يعني أن نسبة العجز الفعلية ستقفز من 4.9% إلى 5.2%.

في السياق، سيتم خصم أكثر من نصف مليار شيكل (147 مليون دولار) من موازنات اتفاقيات الائتلاف الحكومي (أموال  تخصص للأحزاب المكونة للحكومة)، أي ما يعادل تخفيضا بنسبة 11%، لتتراجع من نحو 5 مليارات شيكل (1.47 مليار دولار) إلى 4.5 مليارات شيكل (1.32 مليار دولار) فقط، في خطوة تهدف إلى التخفيف النسبي من الضغوط على الموازنة دون المساس بزيادة الإنفاق الأمني.

الحكومة الإسرائيلية تصدق على زيادة نفقات الأمن.. التفاصيل مع مراسل الجزيرة

تحذير

جاءت المصادقة الحكومية في وقت حذر فيه خبراء الاقتصاد، ومن بينهم محافظان سابقان لبنك إسرائيل، من أن استمرار احتلال قطاع غزة يلحق ضررا هائلا بالمناعة الاقتصادية لإسرائيل، ويهدد استقرارها المالي والاجتماعي.

وحسب قراءات اقتصادية، فإن خرق إطار الموازنة يهدف بالأساس إلى زيادة الإنفاق الأمني والعسكري، في مقابل تقليص متوقع بنسبة 3.5% في جميع بنود الإنفاق الحكومية ابتداء من العام 2026، وذلك بدعوى السيطرة على العجز المالي، إلا أن هذه التقليصات مرجحة أن تؤثر سلبًا على قطاعات خدمية أساسية مثل الصحة، التعليم، والرفاه الاجتماعي.

يجمع محللون على أن هذه السياسات قد تدفع الاقتصاد الإسرائيلي نحو مسار أكثر هشاشة، مع تصاعد التحديات في إدارة الموارد وتباطؤ النمو، وسط مخاوف من انعكاسات طويلة الأمد على استقرار الاقتصاد ورفاهية السكان، خصوصا في ظل استمرار الحرب وتآكل ثقة الداخل والخارج بقدرة إسرائيل على الحفاظ على توازن اقتصادي مستدام.

زيادة المخاطر المالية

وحسب مراسل صحيفة ذا ماركر، ناتي توكر، فإن زيادة عجز الموازنة يعكس بوضوح “الضغوط المتعاظمة التي تواجهها الموازنة بفعل النفقات العسكرية المتصاعدة والتكاليف الاقتصادية الباهظة للصراع المستمر”.

وأكد توكر أن تكلفة الحرب لا تقتصر على المجال العسكري المباشر، بل تشمل كذلك تراجع الاستثمارات الأجنبية، وارتفاع معدلات المخاطر المالية، وضغوطا إضافية على النظام المصرفي وسوق العمل.

ويرى أن القرار يحمل دلالات سياسية واقتصادية عميقة، إذ يعبّر عن أولوية واضحة للأمن والجيش على حساب الوزارات المدنية والقطاعات الخدماتية والمدنية، مما ينذر بتراجع الاستثمار في البنى التحتية، والتعليم، والصحة، ويضعف قدرة الدولة على تلبية احتياجات مواطنيها في المدى القريب والمتوسط.

تقويض المناعة

حذر محافظا بنك إسرائيل السابقان، كارنيت فلوغ ويعكوف فرانكل، من أن خطة احتلال غزة ستلحق “ضررا هائلا” بالاقتصاد والمجتمع الإسرائيلي، معتبرين أنها ليست مجرد خطوة عسكرية بل تحول إستراتيجي قد يقوض المناعة الاقتصادية والاجتماعية لإسرائيل.

وأوضحا في مقال بصحيفة (يديعوت أحرونوت) أن الاحتلال سيلزم إسرائيل بتحمل تكاليف إعادة إعمار غزة المقدرة بـ53 مليار دولار على الأقل، إضافة إلى مليارات سنويا لتوفير الخدمات المدنية والحكم العسكري، بجانب استدعاء قوات احتياط وتكاليف تسليح ضخمة.

وحذرا من أعباء على الاقتصاد الإسرائيلي أبرزها عزلة دولية متزايدة، وانسحاب صناديق استثمار كبرى، وخطر مقاطعة أكاديمية وتجارية، وتراجع الاستثمارات، وارتفاع الديون والفوائد، وضربة قوية لقطاع التكنولوجيا، مما قد يؤدي إلى هروب الأدمغة وتدهور جودة الحياة.

وأكد المحافظان أن غياب نقاش اقتصادي معمق في دوائر صنع القرار يهدد برفع غلاء المعيشة وتقليص ميزانيات التعليم والصحة والبنى التحتية، مشددين على ضرورة دمج الاعتبارات الاقتصادية في أي قرار سياسي أمني قبل فوات الأوان.

إجراءات محدودة

كتب مراسل الشؤون المالية في صحيفة (غلوبس)، أورين دوري أن خرق إطار الموازنة العامة سيمنح وزارة المالية قدرة على الحفاظ على المناورة ونوع من الاستقرار حتى نهاية العام، غير أن الواقع يفرض احتياجات مالية أكبر بكثير لتغطية تكاليف الحرب في غزة والعملية العسكرية في إيران، مما سينعكس على موازنة 2026.

وأوضح أن التحدي الأكبر يكمن في الكنيست، وتساءل: هل يتمكن الائتلاف من تأمين الأغلبية لتمرير الموازنة؟ لا سيما وأن انسحاب حزبي (شاس) و(يهودات هتوراه) من الحكومة أفقد نتنياهو التصويت الحاسم.

ورغم أن بعض المراقبين يرون الانسحاب خطوة رمزية مرتبطة بأزمة قانون التجنيد، فإن الوضع “يظل معقدا”، وفق دوري الذي أشار إلى أنه حتى الآن لم يحدَّد موعد للتصويت على إعادة فتح الموازنة بالكنيست، لكن من المقرر عقد جلسة خاصة خلال العطلة الصيفية لهذا الغرض.

وأوضح أن موشيه غافني، رغم استقالته من رئاسة لجنة المالية، يبقى شخصية حاسمة قادرة على ترجيح الموازنة، لافتا إلى أن ورقة مساومته الأساسية هي نصف مليار شيكل (147 مليون دولار) من أموال برنامج (أفق جديد) المجمدة، التي يسعى لإعادتها لصالح التعليم الحريدي.

وأشار دوري إلى أن إجراءات وزارة المالية محدودة وقد تعيق الحريديم، لكنهم غالبا لن يسقطوا الحكومة، فرفض الميزانية المحدثة، يضيف دوري: “لا يقود لانتخابات مبكرة”، بل يفرض قيود إنفاق صعبة، ما يضغط على رئيس الوزراء نتنياهو لإيجاد تسوية مع شركائه.

شاركها.
Exit mobile version