مع دخول الربع الثالث من عام 2025، يواجه المستثمرون عالمًا ماليًا معقدًا تتقاطع فيه السياسة النقدية المتغيرة، والاضطرابات التكنولوجية، والديناميكيات الاقتصادية العالمية المتقلبة.
وفي هذا السياق، نشرت مجلة فوربس تحليلًا للقطاعات الخمسة الأوفر حظًا في تقديم عوائد استثمارية قوية خلال الأشهر المقبلة، مستندًا إلى مؤشرات سوقية، وبيانات نمو الأرباح، ومعطيات هيكلية دقيقة.
ويشير التقرير إلى أن التوجه الأخير للاحتياطي الفدرالي الأميركي نحو سياسة نقدية أكثر مرونة، إلى جانب صمود الإنفاق الاستهلاكي ونمو أرباح الشركات، ساهم في خلق فرص غير تقليدية ضمن قطاعات محددة.
أداء السوق في النصف الأول من 2025
وبحسب فوربس، سجّل مؤشر ستاندرد آند بورز 500 ارتفاعًا معتدلاً بنسبة 7% حتى نهاية يونيو/حزيران 2025، رغم تقلبات السوق الناتجة عن الشكوك حول التعرفة الجمركية، وبيانات اقتصادية مفصلية، وتحركات البنك الفدرالي.
وظهر قطاعا الطاقة والخدمات المالية كأبرز المفاجآت من حيث الأداء، في حين واجهت أسهم النمو ضغوطًا بفعل استمرار التضخم.
وسجّل مؤشر فيكس لمخاطر السوق متوسطًا قدره 18، مما يشير إلى قلق مرتفع لكن قابل للإدارة. وعلى صعيد الأرباح، أظهرت شركات “ستاندرد آند بورز 500” نموًا سنويًا في الأرباح بلغ 12% خلال الربع الثاني.
منهجية اختيار القطاعات الخمسة
واعتمدت فوربس في تصنيفها على مزيج من التحليل الكمي والنوعي، شمل توقعات نمو الأرباح، تقييمات نسب السعر إلى الربحية مقارنة بالمتوسطات التاريخية، وتحولات في ثقة المحللين، إضافة إلى ارتباط هذه القطاعات بالمؤشرات الكلية المؤثرة في الربع الثالث.
كما أُخذت بعين الاعتبار معايير مثل التدفقات النقدية الحرة، مستويات الدين، والزخم الفني، إلى جانب بيانات تمركز المؤسسات الاستثمارية.
أولًا: التكنولوجيا-برمجيات وخدمات الحوسبة السحابية
قطاع التكنولوجيا، وخصوصا شركات البرمجيات والسحابة، يمثل أحد أبرز الرهانات، وفقًا للتقرير. فشركات الحوسبة السحابية الكبرى سجّلت نموًا في الإيرادات يتراوح بين 25% و30% سنويًا، مع تحسّن واضح في هوامش الربح. ويبلغ مضاعف الربحية المتوقع للقطاع حوالي 22 ضعفًا، وهو دون متوسطه التاريخي البالغ 28 ضعفًا، مما يوفر نقطة دخول جذابة للمستثمرين.
وتُظهر استطلاعات الإنفاق التقني أن 78% من المؤسسات تخطط لزيادة استثماراتها في البنية التحتية السحابية خلال النصف الثاني من العام، مدفوعة بتطبيقات الذكاء الاصطناعي وزيادة الحاجة إلى موارد حوسبة مرنة. وتفوق معدلات الاحتفاظ بالعملاء في شركات ساس نسبة 95%، مع احتفاظ صافٍ للإيرادات يتجاوز 110%.
ثانيا: الرعاية الصحية- التكنولوجيا الحيوية والأجهزة الطبية
ويصف التقرير قطاع الرعاية الصحية بأنه فرصة “نمو دفاعي” في ظل تزايد الطلب الناتج عن التحولات الديمغرافية والتقدم العلاجي. وقد شهدت شركات التكنولوجيا الحيوية تراجعا في تقييماتها خلال الـ18 شهرًا الماضية، رغم امتلاكها أصولا واعدة قيد التطوير التجاري.
تزايدت وتيرة موافقات إدارة الغذاء والدواء الأميركية (إف دي إيه)، إذ تفوق عدد الأدوية الجديدة الموافق عليها المعدلات التاريخية بنسبة 15%. كما تستفيد شركات الأجهزة الطبية من عودة العمليات الاختيارية وزيادة الطلب المرتبط بالشيخوخة السكانية. وأبرز التقرير الزخم المتصاعد في أنشطة الاندماج والاستحواذ، مدفوعًا بوفرة السيولة لدى شركات الأدوية الكبرى وحاجتها لتعويض انقضاء حقوق براءات الاختراع.
ثالثا: الخدمات المالية- البنوك الإقليمية وشركات التأمين
تشهد الخدمات المالية عودة قوية بفضل استقرار أسعار الفائدة وتحسّن جودة الائتمان. ووفق فوربس، فإن البنوك الإقليمية خرجت من أزمة 2023 بمراكز رأسمالية أقوى وممارسات إقراض أكثر تحفظًا، مما عزّز الاستقرار وثقة المودعين، كما بدأت الهوامش الصافية للفوائد في التوسّع مجددًا مع استقرار تكاليف التمويل.

قطاع التأمين، لا سيما في التأمينات العامة والممتلكات، يشهد طفرة في معدلات الربحية. فقد تحسّنت نسب “المجمّع التأميني” لأفضل مستوياتها منذ أكثر من عقد. ويستفيد هذا القطاع أيضًا من عائدات استثمارية أعلى بفضل السندات ذات العوائد المرتفعة.
وتتداول البنوك الإقليمية حاليًا بنسبة 1.1 مرة من القيمة الدفترية الملموسة، مقارنة بمتوسط تاريخي يبلغ 1.4 مرة، بينما تظل شركات التأمين مقوّمة بأقل من قيمة أجزائها. كما تراجعت مخصصات خسائر الائتمان بشكل ملحوظ مقارنة بالدورات الاقتصادية السابقة.
رابعا: الطاقة- البنية التحتية المتجددة والنفط التقليدي
ويشير تقرير فوربس إلى أن قطاع الطاقة يقدم مزيجًا نادرًا من الاستقرار والنمو. فقد حافظت شركات النفط التقليدية على انضباط مالي صارم، وحققت تدفقات نقدية قوية، مع توزيعات أرباح تراوحت بين 4% و6%. ورغم التحديات، ظل الطلب العالمي على النفط قويًا، في حين دعمت القيود على الإمداد مستويات الأسعار.
أما الطاقة المتجددة، فقد وصلت إلى نقطة تحول حاسمة، حيث باتت مشاريع البنية التحتية الكبيرة تحقق عوائد داخلية تتراوح بين 12% و15% دون الحاجة إلى دعم حكومي، مما جعلها جذابة للمستثمرين المؤسسيين الباحثين عن دخل محمي من التضخم.
ويستفيد القطاع من إجماع سياسي داعم لأمن الطاقة وتحديث البنية التحتية، بالإضافة إلى جاذبيته البيئية مع توجه الشركات نحو تخفيف البصمة الكربونية دون اللجوء إلى إصدار أسهم جديدة.
خامسا: السلع الاستهلاكية الاختيارية- التجارة الإلكترونية والسلع الفاخرة
ويشير التقرير إلى أن شركات التجارة الإلكترونية والسلع الفاخرة تقف في موقع قوي، في ظل تعافي إنفاق المستهلكين واستقرار مستويات الدخل التقديري. ولا تزال مبيعات التجزئة عبر الإنترنت تنمو بمعدلات مزدوجة الرقم، مقابل تحديات مستمرة تواجه التجارة التقليدية.
تحافظ العلامات الفاخرة على هوامش ربحية تزيد عن 70%، مستفيدة من قاعدة عملاء لا تتأثر كثيرًا بالظروف الاقتصادية. ويُظهر الأداء الأخير للقطاع أن تحولاته الرقمية عززت الكفاءة التشغيلية والقدرة على ضبط الأسعار ومخزون المنتجات، مما مكّنها من مواجهة التضخم وقيادة التعافي ما بعد الجائحة.
وخلصت فوربس إلى أن تنويع المحافظ الاستثمارية عبر هذه القطاعات الخمسة يمنح المستثمرين مزيجًا متوازنًا من النمو والعوائد في بيئة معقدة. فبينما توفّر التكنولوجيا توجهًا نحو الرقمنة، تؤمن الرعاية الصحية دفاعية صلبة، وتمنح الخدمات المالية والطاقة فرصًا قائمة على الاستقرار النقدي، مع تعافي الإنفاق الاستهلاكي في قطاع السلع الاختيارية.