الدوحة- الصدفة وحدها قادتني لاكتشاف المرض، حين شعرت بحمى خفيفة في يوليو/تموز 2023، وذهبت للطبيب كإجراء روتيني، دون أن أتخيل أن هذه اللحظة ستغير حياتي، وخلال الفحص طلب الطبيب إجراء تحليل معين أظهر احتمال وجود سرطان البروستاتا.

كلمات مؤثرة بدأ بها محمد أشرف، المقيم في دولة قطر منذ أكثر من 30 عاما، حديثه مع “الجزيرة نت” حول قصته مع مرض السرطان، قائلا إنه بعد خضوعه للتحاليل المطلوبة، قام الأطباء بإجراء خزعة والتي جاءت لتؤكد مؤشرات التحاليل بالإصابة بسرطان البروستاتا، ومن ثم كانت الصدمة الكبيرة، لكنه قرر مواجهة المرض والخضوع للعلاج دون تردد.

بدأت الرحلة بالعلاج الهرموني والجراحة الروبوتية، ولكن المرض عاد من جديد في 2024 لتبدأ مرحلة متابعة جديدة في المركز الوطني لعلاج وأبحاث السرطان في قطر، حيث وجد دعما طبيا ونفسيا كان سببا في الوصول لمراحل الشفاء والتعافي.

يؤكد أشرف أن تحدي مرض السرطان يعد عاملا رئيسيا في الوصول لمراحل الشفاء التام، وأن رسالته لأي مصاب هي ألا يستسلم وأن يلتزم بالعلاج والفحوصات الدورية، خاصة في ظل التطور الطبي الذي بات عاملا هاما في الشفاء وارتفاع معدلات النجاة من هذا المرض الصعب، الذي أصبح قابلا للعلاج خاصة في حال الكشف المبكر، ووجود الدعم النفسي والعائلي خلال رحلة العلاج.

ارتفاع معدلات الشفاء

وتحدث استشاري أول الأورام بالمركز الوطني لعلاج وأبحاث السرطان بمؤسسة حمد الطبية في قطر، الدكتور محمد أسامة الحمصي، عن ارتفاع معدلات النجاة والشفاء من السرطان خاصة في ظل الكشف عن أدوية وعلاجات حديثة باتت تشكل نقلة نوعية في العلاج.

وقال “للجزيرة صحة” إنه شهد العديد من حالات الشفاء من المرض من خلال الإصرار والمتابعة وتطبيق بروتوكولات العلاج الحديثة، موضحا أن من أبرز التطورات في العلاج هو العلاج المناعي والأدوية الموجهة والأدوية التي تسمى بالأدوية المقترنة بالأجسام المضادة التي تبحث في الجسم عن الخلايا الورمية وتلتصق بها ثم تقضي عليها بدون أن تؤذي الخلايا السليمة.

وأصبحت هذه الأدوية تستخدم حاليا في العديد من أنواع السرطان إما بمفردها أو مقترنًه بأدوية أخرى وقد جرى بالفعل تطبيقها على كثير الحالات، وكذلك هناك حالات من السرطان يكون سببها طفرات تحدث في الكروموسومات أو الموروثات الجينية وأصبح بالإمكان تشخيصها في المختبرات الدقيقة المتوفرة بالدولة وبالتالي علاجها بأدوية خاصة تمنع تكاثر الخلايا السرطانية بشكل فعال وتؤدي إلى نسبة عالية من السيطرة على الكثير من الأمراض السرطانية، حسب دكتور الحمصي.

وضرب مثالًا بعدة أنواع من سرطان الرئة الذي أصبح بالإمكان السيطرة عليه من خلال علاج دوائي جديد يتمثل في حبوب تؤخذ عن طريق الفم تسيطر على المرض بشكل كامل، كما أشار إلى أن بعض أنواع سرطانات الدم مثل اللوكيميا المزمنة أو سرطان الدم النقوي المزمن يمكن التعايش معها بفضل أدوية حديثة تستهدف الطفرة الوراثية في الخلايا السرطانية، بحيث يعيش المريض حياة طبيعية تمامًا.

وأرجع الحمصي عوامل التعافي والشفاء من السرطان على عدة أمور تشمل:

  • الكشف المبكر حيث تصل معدلات الشفاء في سرطان الثدي والقولون على سبيل المثال إلى 100% في مراحل المرض الأولى.
  • التطور في مجال الطب الدقيق والكشف عن الطفرات المسببة لتحول الخلايا إلى أورام.
  • الدعم النفسي والمعنوي للمريض خلال العلاج.
  • إرادة المريض نفسه وتمسكه بالأمل والعلاج.

التعايش مع المرض

ويري الحمصي أن مسألة التعايش مع السرطان تعني السيطرة عليه بالأدوية لمنع تطوره ووصوله إلى مراحل متقدمة، فلابد للمريض من المتابعة المنتظمة بعد الشفاء من خلال الفحوصات الدورية وتناول أدوية وقائية محددة تحول دون معاودة الإصابة لأن الخلايا السرطانية قد تتطور أحيانًا مقاومة للعلاج، مما يستدعي تغيير العلاج.

وشدد على أن العلاج النفسي والمعنوي لا يقل أهمية عن الدواء نفسه، وأن منح المريض الأمل والثقة بقدرة الطب الحديث على السيطرة على المرض يفتح أمامه بابًا واسعًا للحياة، ويجعله أكثر التزامًا بالعلاج وأقوى في مواجهة التحديات، مؤكدا أن السرطان لم يعد مرضا مخيفاً كما كان يُعتقد في السابق.

خطة وطنية

وقبل عامين وضعت قطر خطة وطنية شاملة لمكافحة السرطان (2023 و 2026) تهدف إلى تعزيز الوقاية والكشف المبكر والتشخيص والعلاج، إلى جانب تقديم الدعم النفسي والاجتماعي للمرضى وأسرهم.

وترتكز الخطة على سبعة محاور رئيسية، أبرزها تطوير برامج الفحص المبكر لسرطانات شائعة مثل الثدي والأمعاء، وتوسيع نطاقها لتشمل أنواعًا أخرى، إضافة إلى تحسين الرعاية الشاملة وتوفير خدمات العلاج المنزلي ودعم البحث العلمي والابتكار وتعزيز التعاون الدولي، إلى جانب إدخال خدمات الطب الدقيق وتخصيص العلاج وفق الخصائص الجينية لكل مريض.

كما تشمل المبادرات أيضًا برامج رعاية الناجين لضمان استمرار الدعم بعد العلاج، في إطار نهج متكامل يضع المريض في قلب الأولوية ويهدف إلى تحسين جودة حياته وتأكيد قابلية الشفاء عند الاكتشاف المبكر.

معركة شاملة

وترى مسؤولة مجموعات الدعم النفسي المجتمعي بالجمعية القطرية للسرطان -رهف وصفي- في تصريح “للجزيرة صحة” أن تحدي السرطان ليس مجرد مواجهة طبية مع ورم خبيث، بل هو معركة شاملة يخوضها المريض بجسده وروحه وعقله، موضحة أن كثير من الناجين يؤكدون أن سر الانتصار لم يكن الدواء وحده، بل كان الدعم النفسي والمعنوي الذي تلقوه من أسرهم ومجتمعهم، والشعور العميق بأنهم لم يكونوا وحدهم في هذه الرحلة الصعبة.

وقالت إنه من هذا المنطلق، تعمل الجمعية القطرية للسرطان على توفير مظلة واسعة من البرامج المستدامة التي تعنى بالمرضى والمتعافين وذويهم من مقدمي الرعاية، لتشكل جميعها خطوط دعم في هذه المعركة.

ومن بين هذه البرامج: “عيالنا ذهب” الموجه للأطفال و”ابتسامتك حياتنا” و”أنا متعاف وسألهمكم بقصتي” و”معًا نستطيع”، إضافة إلى مبادرات المشاركات المجتمعية، وهذه الجهود لا تقتصر على المساندة النفسية فقط، بل تهدف إلى تمكين المرضى والناجين وإعادة دمجهم في المجتمع كأفراد فاعلين.

وتشير وصفي إلى أن الجمعية توفر برامج دعم مادي مباشر لغير القادرين على تحمل تكاليف العلاج، حيث تكفلت منذ عام 2013 وحتى 2023 بعلاج أكثر من 9,362 مريضًا، بتكلفة تجاوزت 101 مليون ريال قطري، وهذا الدعم لا يرفع عن المرضى عبء التكلفة فحسب، بل يمنحهم أيضًا راحة نفسية تسهم في تركيزهم على رحلة العلاج والتعافي.

ولا يتوقف الدور عند هذا الحد، بل يمتد ليشمل مساعدة المرضى والناجين وأسرهم على مواجهة الآثار الجانبية للعلاج، وتزويدهم بالمعلومات اللازمة للحفاظ على نمط حياة صحي، بما يضمن لهم تحسين قدراتهم الجسدية والنفسية واستعادة نشاطهم اليومي قدر المستطاع.

ويظل الهدف الأسمى -وفق رهف- هو تحسين نوعية الحياة خلال العلاج وما بعده، ومساعدة المرضى والناجين على تجاوز آثار المرض وإعادة تفعيل دورهم الطبيعي في المجتمع.

شاركها.
Exit mobile version