تمضي الدببة البنية (Ursus arctos) أكثر من 6 أشهر في سبات عميق في درجات حرارة شديدة البرودة تصل إلى 30 درجة مئوية تحت الصفر، إلا أنها تظل بصحة جيدة.
ونادرا ما تعاني هذه الحيوانات العملاقة أمراضا مرتبطة بالنوم الطويل، مثل جلطات الدم، التي تحدث عند البشر عند بقائهم من دون حركة لفترات طويلة.
وأثبتت البحوث والدراسات العلمية أن البشر الذين ينامون 9 ساعات أو أكثر كل ليلة أكثر عرضة بنسبة 23% للإصابة بالسكتة الدماغية من أولئك الذين ينامون أقل من 8 ساعات يوميًا. كما كانت أخطار الإصابة بالسكتة الدماغية أعلى بنسبة 25% بين أولئك الذين أخذوا قيلولة منتصف النهار لمدة 90 دقيقة على الأقل، مقارنة بأولئك الذين أخذوا قيلولة لأقل من 30 دقيقة.
والأسئلة التي تطرح نفسها: لماذا لا تصاب الدببة بالجلطات رغم بقائها فترات طويلة من دون حركة؟ وكيف يمكن أن يستفيد البشر من هذه الخاصية لدى الدببة بحيث تقل إصابتهم بالجلطات في أثناء نومهم؟ وهل فهم بيولوجيا الدببة يمكن أن يوفر رؤى حول كيفية عمل جسد الإنسان في أثناء النوم؟
في دراسة جديدة نشرتها مجلة “ساينس” (Journal Science)، استطاع أخيرا البروفيسور توبياس بيتزولد -طبيب القلب في المركز الألماني لبحوث القلب والأوعية الدموية- مع زملائه تحديد بروتين يساعد الدببة في فترة السبات على تجنب التخثّر الخطير الذي يمكن أن يمنع تدفق الدم في أجسامها خلال سباتها الشتوي الطويل.
ولتحديد كيف تحافظ الدببة الخاملة على ضخ الدم خلال هذه الأشهر، اشترك بيتزولد وزملاؤه من علماء الأحياء في دراسة مجموعة من الدببة البنية في السويد.
جمع علماء الأحياء عينات دم من 13 دبًا في فترة السبات في أوكارها خلال فصل الشتاء. وفي فصل الصيف، جمع علماء الأحياء عينات دم إضافية من الدببة أنفسها بعد إطلاق سهام مهدئة عليها من طائرة مروحية.
دور البروتينات
قارن العلماء بين عينات الدم التي جُمعت في فصلي الشتاء والصيف، ولاحظوا وجود تباين كبير في البروتينات بين النوعين، إذ اكتشفوا وجود اختلاف في أكثر من 150 بروتينًا في الصفائح الدموية للدببة. ومعلوم أن هذه الصفائح الدموية تسبب تخثر الدم.
وكان البروتين ذو التباين الأكبر في دم الدببة بين فصلي الشتاء والصيف هو بروتين يسمى “إتش إس بي 47” (HSP47).
ويستخدم هذا البروتين إنزيما يدعى “الثرومبين” (Thrombin) يعمل على لصق الصفائح الدموية معًا، وهو ما يؤدي إلى تخثر الدم وتشكيل الجلطات في أثناء النوم، أو شفاء الجروح في أثناء الصحو.
ووجد العلماء أن هذا الإنزيم يعمل على شفاء الجروح ووقف النزيف في الدببة الناشطة في أثناء فصل الصيف. غير أن الدببة لا تحتاج إلى هذا الإنزيم في أثناء سباتها في فصل الشتاء، وليست له فائدة تذكر لها وهي نائمة بأمان في أوكارها. ولهذا قل إنتاج الدببة لبروتين “إتش إس بي 47” في فصل الشتاء 55 مرة مقارنة بفصل الصيف.
من جهتها، تقول المؤلفة الرئيسية بالدراسة الدكتورة مانويلا ثينيل، التي تعمل أيضًا في المركز الألماني لبحوث القلب والأوعية الدموية، “لم نسمع كثيرا عن هذا البروتين من قبل، وفوجئنا تمامًا بأن له مثل هذا التأثير الكبير”.
وتوضح ثينيل أن “خفض مستويات هذا البروتين في الدم بالذات يقلل على الأرجح من ميل الصفائح الدموية إلى التكتل معًا، وهو الأمر الذي يؤدي إلى تجلّط الدم”، وفق ما ذكرت منصة “ساينتيفيك أميركان” (Scientific American) التي نشرت أهم ما ورد في الدراسة.
هل هناك آلية مماثلة عند البشر؟
وفي مسعى لتحديد إذا ما كانت هناك آلية مماثلة تمنع تجلّط الدم لدى البشر المصابين بكسور في الرجلين أو العمود الفقري، وهو الأمر الذي يمنعهم من الحركة لفترات طويلة، قارن الباحثون عيّنات دم من مرضى عانوا إصابات في العمود الفقري مع عينات من نظرائهم النشطين. ووجدوا أن دم البشر مثله مثل دم الدببة في فترة السبات الشتوي، كان يحتوي على كميات أقل من بروتين “إتش إس بي 47”.
وحسب ثينيل، فإن “تثبيط وجود هذا البروتين في المرضى من البشر والدببة يقلل من خطر حدوث جلطات الدم”.
كما وجد الباحثون أن البشر الذين يعانون عدم الحركة على المدى القصير بسبب المرض أو الإصابة أكثر عرضة لتجلط الدم من الأشخاص الذين يعانون إصابات في النخاع الشوكي الذين يعانون عجزا مزمنا عن الحركة.
ويشرح البروفيسور توبياس بيتزولد أن “النتائج الجديدة تسلّط الضوء على كيف أن فهم بيولوجيا الدببة يمكن أن يوفر رؤى حول كيفية عمل جسم الإنسان، وهو ما سيؤدي في المستقبل إلى تطوير علاجات دقيقة لمنع التجلّط في المرضى الذين يعانون الجمود الموقّت وقلة الحركة بسبب إصاباتهم”.