الحزن عاطفة قوية ومن أصعب تجارب الحياة، فهو يؤثر على الجميع بأشكال مختلفة؛ ويجعل معظم الناس يميلون إلى العزوف عن أنشطة الحياة اليومية لثقل إحساسهم بالخسارة.
والحزن رد فعل طبيعي لابتلاءات عصيبة يأتي في مقدمتها 5 أحداث تُعد الأكثر إرهاقا وإيلاما، وهي “وفاة شخص عزيز، أو الإصابة بمرض خطير، أو فقدان الوظيفة، أو الانتقال الاضطراري، أو إنهاء الزواج”.
وبغض النظر عن مصدره، ينصح الخبراء من يشعرون بالحزن بعدم التمادي فيه “والأفضل هو محاولة فهم سبب معاناتهم، والتحدث إلى الآخرين، لإيجاد حل للمشكلات التي تسبب ألما عاطفيا كبيرا”.
وآلام الحزن لا تقتصر على الجانب العاطفي فقط، لكنها قد تؤثر على العقل والجسم أيضا، وهو ما تفسره اختصاصية الأسرة المُعتمدة، نيكول رينز، بأن “أجسامنا تتأثر بهرمونات التوتر التي يتم إفرازها عندما نحزن”.
الحزن نوعان
حسب علماء النفس، فإن هناك نوعين رئيسيين من الحزن، هما:
- الحزن الحاد، وهو “حزن يضرب كل جزء من وجودنا”، على حد قول أستاذ علم النفس شيرمان إيه لي، حيث يسيطر على عقل الشخص، ويجعله مُستغرقا في دوامة من المشكلات العاطفية، والأفكار المقلقة. كما يُشعره أن حياته قد تضررت بشكل لا يمكن إصلاحه، جرّاء ما لحق به من فقد أو خسارة، ويواجه الشخص صعوبة في تخيل كيف يمكن أن يشعر بتحسن، بسبب هيمنة الحزن على أفكاره ومشاعره طوال الوقت، وافتراضه أن أي شيء لم يعد مُهمّا بعد ما ألّم به. مما قد يؤثر سلبا على علاقاته، ويجعله يتخبط في الشعور بالذنب والعجز والغضب، حتى يعتقد من حوله أنه مصاب بالاكتئاب، رغم أن “الحزن والاكتئاب، ليسا الشيء نفسه”، بحسب العلماء.
- الحزن المُتكامل، وهو الحزن الذي يمكن التعايش معه والتكيف مع خسائره، وإيجاد مكان له في الحياة الواقعية. ويتميز بانخفاض الاهتمام بالأنشطة اليومية، وإثارة مزيد من الأشواق والذكريات، لدرجة أن بعض الناس “يرتبطون روحيا واجتماعيا بالأشياء التي يحتفظون بها كتذكار من رائحة أحباب افتقدوهم”، كما يقول شيرمان، موضحا أن “الاحتفاظ بالأشياء قد يُعمّق الحزن”.
عواقب التمادي في الحزن:
وفق ما ذكره خبراء علاج الحزن، قد يشعر المُستغرقون في الأحزان بمجموعة متنوعة من الأعراض، منها:
في هذا السياق، يوضح الخبير دان ريدنبيرغ أن “كل شخص يشعر بالحزن بشكل مختلف، فقد يشكو البعض من الصداع، أو الصداع النصفي، وقد يشعر البعض الآخر ببعض الضباب العقلي لدرجة قد تجعل الأنشطة اليومية، كالاستحمام والأكل والتنظيف والعمل، شبه مستحيلة بالنسبة لهم”. وهو ما أكدته اختصاصية علاج الحزن، بيكي ستومبفيغ، بقولها إن “معظم الأشخاص يُبلغون عن صعوبة في الذاكرة والتركيز، وهي حالة يُطلق عليها دماغ الحزن”، تحدث عندما يكون الدماغ مُرهقا من الاستغراق في الحزن والفقد، وعديد من المشاعر التي تجعل الناس يشعرون أنهم في ضباب عقلي تام، وينسون القيام حتى بالأشياء الصغيرة”.
-
تغيرات حِسّية غريبة
بالإضافة إلى ألم الرأس وضبابية الدماغ، قد يواجه المستغرقون في الحزن مشكلات حسية جديدة تجعلهم يشعرون بالخدر والانزعاج الشديد من الضوضاء العالية، وعن هذه الحالة تُخبرنا الاختصاصية النفسية زينب ديلاوالا أن “بعض الأشخاص يعانون الحساسية تجاه الضوء والصوت، ويشكون من أن الطعام لم يعد له طعم”، أو أنهم “يعانون انخفاض الشهية بسبب التوتر والحزن”، كما تقول ستومبفيغ، أو “يشعرون -في بعض الأحيان- كأن في معدتهم فجوة تجعلهم لا يرغبون في تناول الطعام”، حسبما لاحظ ريدنبيرغ.
حسب نيكول رينز، فإن “الحزن قد يظهر على شكل أوجاع وآلام في جميع أنحاء الجسم، بما في ذلك الرأس والمعدة والظهر والمفاصل”.
كما يمكن للتمادي في الحزن أن يُسبب “الشعور بالإرهاق التام والمتواصل، وصعوبة النهوض والتحرك، وكأن هناك ثقلا على الكتفين أو الصدر”، وفقا لريدنبيرغ، الذي يضيف أن “الاستغراق في الحزن يمكن أن يخفض من نظام الاستجابة المناعية، ويجعلنا أكثر عرضة للأمراض”.
رغم أنه “من الشائع جدا الشعور بالإرهاق الشديد في أثناء الحزن، وما يتطلبه من الحصول على مزيد من الراحة”، كما تقول ستومبفيغ، فإن الأشخاص الذين يعانون الحزن، “غالبا ما يبلغون أيضا عن مشاكل في النوم”.
-
متلازمة القلب المكسور
من جهتها، توضح ديلاوالا أن الأبحاث تشير إلى أن “الفجيعة مرتبطة بمجموعة من التغيرات في ضغط الدم ومعدل ضربات القلب، وزيادة الكورتيزول، وتفاقم الالتهاب”، وقد تؤدي إلى حالة تُعرف باسم “متلازمة القلب المكسور”، التي تشبه الإصابة بنوبة قلبية إلى حد كبير.
-
قلق واكتئاب وهلع
عديد من أعراض الحزن، وما قد تُحدثه من تغييرات في النوم أو الشهية أو التركيز، “قد تتسبب أيضا في نوبات هلع واضطرابات القلق وألم في الصدر”.
ولكن الاختصاصية النفسية كاتي وو توضح أنه “في حين أن الاكتئاب أو القلق ليسا نتيجة مباشرة للحزن، ولكن إذا أصبح الحزن مُتمكنا، أو تُرك من دون علاج، قد تتطور اضطرابات الاكتئاب والقلق بمرور الوقت”.
نصائح للتعامل مع الحزن
وعن التعامل مع الحزن، يرى ريدنبيرغ أن “الحزن جزء من الحياة، وحتى المشاعر الصعبة والآلام الجسدية أمر طبيعي”، وينصح أي شخص يعاني الحزن “بالاعتناء بنفسه، والتحدث إلى الأهل والأصدقاء، والنشاط والتحرك، وشرب مزيد من الماء، والتنفس بعمق، والتعامل مع الحيوانات الأليفة، والانخراط في هوايات تخفيف التوتر”، ثم السماح للحزن بأن يكون جزءا من حياته وأن “يتعايش معه من دون أن يحاول إنكاره، أو دفعه بعيدا، أو التقليل من خطورة آلامه، أو تحديد أي أطر زمنية للخلاص منه”.
وتُظهر الأبحاث أن “معظم الناس يمكنهم التعافي من الحزن بمفردهم بمرور الوقت، إذا كان لديهم دعم اجتماعي وعادات صحية”. وهو ما تشرحه الطبيبة النفسية والمؤلفة، شيري كورمير، بقولها “لا يمكننا تفادي الحزن، ولكن يمكننا أن نستمر في التعايش معه بعدة طرق مختلفة، مع تقدم الحياة”، ومن دون أن نتمادى فيه.