غالبًا ما يفضل العرب الزائرون لمملكة تايلند الإقامة في منطقة تشتهر باسم شارع العرب، ولذلك فعندما تتجول في هذه المنطقة تكاد تشعر أنك في بلد عربي.

معظم المحلات تضع لافتات بأسماء عربية، كما أن الكثير منها يبدو وكأنه يستهدف بالأساس الزائر العربي سواء كان قادما للسياحة أو للعلاج.

ولذلك ليس غريبا أن تجد كثيرا من العاملين في هذه المطاعم من العرب أو على الأقل ممن يجيدون اللغة العربية.

كان طبيعيا أن أقصد في أيامي الأولى بتايلند مطعما ومحل للبقالة كلاهما مجاور للفندق، لكن المفاجأة كانت بانتظاري عندما دخلت إلى كل منهما.

سمت وأسماء ولهجة

في البقالة كما في المطعم وجدت فتيات وشبانا يَبدون وكأنهم من العرب وبالتحديد من أهل الخليج العربي، تلحظ ذلك في سمتهم وفي لغتهم العربية بل لهجتهم الخليجية ومع هذا وذاك أسماؤهم.

ولهذا كان طبيعيا أن أحاول استكشاف الأمر، فسألت فتاة المطعم فأخبرتني أن اسمها هديل طلال وأنها عاشت كل سنوات عمرها السابقة في السعودية بل إنها ولدت هناك ثم درست المراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية.

تقول هديل للجزيرة نت إنها تركت أسرتها في السعودية وعادت مع أخيها قبل عام من أجل الدراسة الجامعية في تخصص الفندقة والمطاعم وكذلك العمل بالتوازي مع الدراسة.

الانتقال من السعودية حيث الأب والأم والصديقات والعودة إلى تايلند كان شديد الصعوبة في البداية، خصوصا وأن طمأنينة العيش في مكة المكرمة وزيارة المدينة المنورة تعطي الشخص الكثير من الراحة النفسية.

تضيف الشابة التايلندية: عشت كأني غريبة في بلادي لفترة ليست بالقصيرة، لكن مع الوقت تعودت على الحياة وتحمل المسؤولية وتعلمت أشياء كثيرة كنت أجهلها.

وعن العمل تقول هديل إن فرصه صعبة في جنوب تايلند، ولذلك تضطر وغيرها من الشبان والشابات للقدوم إلى العاصمة بانكوك حيث فرص العمل أكثر والدخل أكبر.

ريان فطاني تايندي مسلم عاش طفولته في السعودية / يعمل في مطعم سبأ اليمني في بانكوك / تايلند / تصوير أنس زكي - الجزيرة نت

ذكريات جميلة

في المطعم نفسه التقينا الشاب ريان فطاني الذي يبلغ عمره 20 عاما عاش 3 أرباعها في السعودية قبل أن يعود إلى تايلند لدراسة إدارة الأعمال في مجال الطيران.

يقول ريان إنه ما زال يحمل ذكريات جميلة عن حياته في مدينة الطائف السعودية حيث عاش ودرس، ويخبرنا بأنه شعر بالحزن عندما غادر السعودية لكنه تأقلم لاحقا مع حياته الجديدة.

وبشأن عمله بالتوازي مع الدراسة الجامعة، يتفق ريان مع هديل في أن هذا هو الأمر الطبيعي بالنسبة للشباب في تايلند حيث يعتمدون على أنفسهم ابتداء من المرحلة الجامعية، ولذلك يعملون كل الوقت في فترة الإجازة التي تأتي غالبا بين شهري مارس/آذار ومايو/أيار من كل عام، ويعملون في الفترة المسائية خلال بقية الشهور حيث يدرسون في الصباح.

واختتمنا حوارنا مع الشاب النابه ريان عن المسلمين في تايلند فقال إنهم يعيشون في سلام سواء من كان منهم في الجنوب حيث الأغلبية المسلمة أو في العاصمة بانكوك.

شعور بالحنين

بجوار المطعم اليمني تقع البقالة التي تحمل هي الأخرى اسما عربيا، وفي الداخل وجدنا 5 فتيات لا يختلفن عمن بالمطعم من حيث السمت الإسلامي أو اللغة العربية بلهجة خليجية وخصوصا سعودية.

أسماء عبد المهيمن، التحقت بالجامعة بعد عودتها من السعودية ودرست مجال البرمجة، لكنها لم تجد بعد عملا مناسبا في تخصصها لذلك تعمل مؤقتا في المبيعات.

وبجوارها كانت الشابة نوال دورلوه التي ولدت ودرست هي الأخرى بالسعودية ثم عادت إلى تايلند حيث تدرس إدارة الأعمال في مجال الأغذية الحلال.

تقول لنا إنها تتقن اللغة العربية أكثر مما تقن التايلندية، وتوضح لنا أن الأغلبية المسلمة في جنوب تايلند تتحدث بالأساس لغة الملايو التي تتحدث بها الجارة ماليزيا والتي قدم كثير من أجدادهم منها.

وعن الانتقال تقول نوال إنها ما زالت تشعر بالحنين إلى السعودية وتتمنى لو تعود للعمل يوما هناك أو في أي من الدول العربية الأخرى، وتوضح لنا أنها وقريناتها تأثرن كثيرا بالنشأة في السعودية ويظهر هذا في اللهجة والزي واللباس وحتى العادات والتقاليد.

الحلال ليس في الطعام فقط

وقبل أن ننهي حديثنا معها حرصت نوال على أن تحدثنا عن بعض ما استفادته من دراسة إدارة الأعمال في مجال الأغذية الحلال، لتوضح لنا أن صناعة الحلال في دولة ذات أغلبية غير مسلمة تبدو وكأنها تقتصر على الغذاء لكن الحقيقة أنها تمتد أيضا لمنتجات أخرى مثل الصابون ومساحيق التجميل التي قد تدخل في صناعتها مكونات غير حلال.

كما لفتت نوال إلى نقطة مهمة أخرى تتعلق بصناعة الحلال، حيث قالت إن هناك الكثير من المنتجات التي يتم صناعتها بشكل حلال إسلاميا لكن المنتجين لا يضعون عليها هذا الوصف لأن الحصول على رخصة الحلال يكلف مالا وإجراءات يجب القيام بها سنويا.

من جهة أخرى، سألنا هؤلاء الفتيات عن مدى متابعتهن للقضايا العربية والإسلامية، فقالت لنا هديل طلال إنها تهتم كثيرا بالمتابعة، وتوضح أنها شاركت في كثير من الفعاليات من أجل نصرة القضايا الإسلامية خصوصا في فلسطين وكذلك في سوريا والسودان ولبنان.

بلد الحرية

هديل كشفت لنا أيضا عن خطوة متقدمة للجمع بين هذه الفئة من الشبان والفتيات في تايلند حيث قالت إنهم قرروا تأسيس رابطة للتايلنديين والتايلنديات الذين ولدوا في السعودية وعقدوا بالفعل اجتماعين أحدهما في شهر رمضان الماضي والثاني في عيد الفطر للبدء في خطوات تأسيس وإشهار الرابطة بشكل رسمي.

أما فيما يخص أوضاع المسلمين في تايلند فإن هديل اختارت طريقا لافتا للإجابة على هذا السؤال حيث قالت إن تايلند اسم على مسمى حيث يعني اسمها باللغة التايلندية أرض الحرية، ولذلك فكل شخص يعيش كما يحلو له ويمارس معتقداته في حرية ودون أي تدخل من الآخرين.

شاركها.
Exit mobile version