جدد إعلان «يوتيوب» إطلاق مجموعة جديدة من أدوات الذكاء الاصطناعي لتعديل أو إنتاج مقاطع الفيديو، القلق بشأن إمكانية أن يسهم ذلك في تفاقم ظاهرة ما يُعرف بـ«التزييف العميق»، وزيادة مقاطع الفيديو والصور المزيفة والمبتكرة كلياً بالذكاء الاصطناعي، مما يعني انتشاراً أوسع لـ«المعلومات المضللة».

وأكد خبراء أن هذه الأدوات قد تسهم في تطوير وتسهيل إنتاج المحتوى، لكنهم حذروا من خطورتها على الإبداع وعلى زيادة انتشار «المعلومات المضللة». ومنتصف سبتمبر (أيلول) الجاري، أعلنت منصة «يوتيوب» التابعة لـ«غوغل» إطلاق مجموعة جديدة من أدوات الذكاء الاصطناعي للمساعدة في تعديل وإنتاج مقاطع الفيديو، قالت إنها «ستحدد شكل السنوات العشرين المقبلة».

كانت «يوتيوب» قد أطلقت في مايو (أيار) الماضي، نموذج الذكاء الاصطناعي «فيو 3». وتعتزم طرح أداة «فيو3 فاست» في الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا وأستراليا ونيوزيلندا، وهي نسخة من النموذج صُممت خصيصاً لمنصة «يوتيوب شورتس».

والأدوات الجديدة، وفق «يوتيوب»، «تساعد على ابتكار مقاطع فيديو بالذكاء الاصطناعي، كما تُمكِّن مستخدميها من تحريك صورة بناءً على حركات مُسجّلة في فيديو آخر، ودمج شخصية أو منتج مولَّد بالذكاء الاصطناعيّ في فيديو مصوَّر بشكل تقليدي».

وتتيح الأدوات الجديدة لمنتجي المحتوى الصوتي «بودكاست» إنتاج فيديو لإضافة صورة بصرية لمحتواهم، لا سيما أن النسخ المصورة باتت شائعة أخيراً. ووفق «يوتيوب»، فإن «نحو مليار شخص يشاهدون البودكاست على منصة (يوتيوب) شهرياً، كما يجري الاستماع إلى أكثر من مائة مليون ساعة من البودكاست يومياً عبر (يوتيوب)». كما تتيح الأدوات الجديدة أيضاً «خدمة ذكاء اصطناعي تقوم بمزامنة حركة شفاه صانع المحتوى مع الصوت في النسخة المترجمة»، مما يسمح بدبلجة المحتوى بلغات عدة.

ويرى الصحافي وعضو مجلس نقابة الصحافيين الأردنيين، خالد القضاة، أن تلك الأدوات الجديدة «تعد خطراً حقيقياً على الإبداع والمبدعين». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «المحتوى الذي كان يعتمد في السابق على المبدعين والأفكار الإبداعية بات الآن مولَّداً بالذكاء الاصطناعي، مما يعني غياب الإبداع لصالح التكنولوجيا». وأضاف أن «مثل هذه الأدوات تُذيب الفواصل بين المحتوى الإبداعي المبتكر وذلك المولَّد بالذكاء الاصطناعي بما يشكل خطراً حتى على المهن المساعدة في إنتاج المحتوى مثل التصوير والمونتاج والترجمة والدوبلاج».

وأكد القضاة أنه «يتوجب على (يوتيوب) وغيرها من المنصات، أن تضع إعلانات صريحة بشأن نسبة تدخل الذكاء الاصطناعي في إنتاج المحتوى وأن توفر أدوات مجانية للجمهور تساعده على كشف المحتوى المولَّد بالذكاء الاصطناعي»، مقترحاً «وضع ميثاق شرف عالمي لحوكمة وتقنين استخدامات الذكاء الاصطناعي».

ورغم تأكيد «يوتيوب» إلزام منتجي المحتوى المولّد بالذكاء الاصطناعي بوضع إشارة على المحتوى توضح ذلك، فإن الأدوات الجديدة تثير قلق مراقبين بشأن زيادة انتشار «المعلومات المضللة» لا سيما مع ما تتيحه من إمكانية تعديل وإنتاج مقاطع الفيديو مولّدة جزئياً أو بالكامل بالذكاء الاصطناعي، إضافةً إلى كثير من مقاطع الفيديو القصيرة التي تُنشر دون الإشارة إلى استخدام الذكاء الاصطناعي في تعديلها، كما أن هذه الإشارة إنْ وُجدت فإنها تكون في بيانات وصف الفيديو التي لا يطالعها كثيرون.

الصحافي المصري المتخصص في شؤون الإعلام الرقمي، محمد فتحي، عدّ إعلان «يوتيوب» إطلاق حزمة جديدة من أدوات الذكاء الاصطناعي بمثابة «ثورة حقيقية في صناعة المحتوى الرقمي». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن هذه الأدوات «تضع إمكانات هائلة بين أيدي المبدعين، تُمكِّنهم من إنتاج مقاطع فيديو بجودة عالية وبأقل وقت وجهد». وتوقَّع أن «تفتح هذه الأدوات الباب أمام جيل جديد من المؤثرين الذين يعتمدون على الذكاء الاصطناعي بوصفه جزءاً أساسياً من عملهم».

لكن أسوةً بكل ابتكار جديد فإن هذه الأدوات «سلاح ذو حدين»، حسب فتحي، الذي أوضح أن «هذه القفزة التقنية تحمل مخاطر لا يُستهان بها؛ فالأدوات نفسها التي تصنع محتوى مبدعاً يمكن أن تتحول إلى أداة للتزييف العميق (Deepfake)، حيث يجري إنتاج مقاطع شديدة الإقناع يصعب تمييزها عن الحقيقية؛ مثلاً أنْ يظهر فيديو لرئيس أو مسؤول يتحدث بعبارات لم يَقُلْها يوماً، أو يتم بث مقطع مفبرك يثير الرأي العام ويؤجج الأزمات؛ حينها، تصبح الحقيقة رهينة خوارزميات».

شاركها.
Exit mobile version