تصعّد إسرائيل، في الأيام الأخيرة، من وتيرة استهدافها لجنوب لبنان، عبر قصف مواقع عسكرية تقول إن «(حزب الله) يعمل على إعادة تأهيلها»، أو عبر ملاحقة أعضاء في الحزب، بحيث أدت الاستهدافات إلى مقتل شخص وإصابة 6 أشخاص، خلال ساعات، يوم السبت الماضي.

ويرى مراقبون أن هذه العمليات التي تزامنت مع وجود رئيس الوزراء الإسرائيلي في واشنطن، وتسبق وصول المبعوث الأميركي توم برّاك إلى بيروت، تحمل رسائل إلى الدولة اللبنانية واللجنة الخماسية لمراقبة وقف إطلاق النار؛ بأنه إذا عجزت الدولة اللبنانية عن نزع سلاح الحزب، فإنها ستستأنف عملياتها العسكرية وتتكفّل وحدها بهذه المهمّة.

ورغم أن العمليات الإسرائيلية في لبنان لم تتوقف منذ سريان قرار وقف إطلاق النار مع لبنان في 27 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، فإن تزخيمها عشيّة وصول المبعوث الأميركي إلى بيروت يوم الاثنين يفيد بأن إسرائيل، ومِن خلفها الإدارة الأميركية، تمارس أقصى درجات الضغط على لبنان للإسراع بنزع سلاح الحزب.

عناصر من قوت «يونيفيل» في مرتفعات كفرشوبا اللبنانية (دي بي إيه)

ورأى الخبير العسكري والاستراتيجي، العميد خليل حلو، أن إسرائيل «رفعت في الفترة الأخيرة من وتيرة الضغط على الحزب كي لا يفكّر بإعادة تنظيم صفوفه واستئناف نشاطه العسكري». وأكد، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «سقف التحمّل الإسرائيلي تجاه الحزب انخفض إلى أدنى مستوى، بدليل أنها تمعن باغتيال أي قيادي ميداني أو عنصر من الحزب يتحرك على أرض الجنوب». ولاحظ حلو أن الإسرائيلي «يواكب المسار السياسي بأعلى مستوى من الضغط، مستفيداً من المناخ الدولي وتحديداً الأميركي المصرّ على إنهاء الحالة العسكرية لـ(حزب الله)».

لا يقف التصعيد الإسرائيلي عند استهداف ما تسميه مستودعات أسلحة وصواريخ الحزب في جنوب لبنان، بل إن تل أبيب ماضية في تنفيذ الاغتيالات، وآخرها إعلان الجيش الإسرائيلي، السبت، أن طائرة تابعة له قتلت أحد عناصر قوة «الرضوان» في «حزب الله» بمنطقة عيناتا، جنوب البلاد، فيما أفادت «إذاعة الجيش الإسرائيلي» بأنّ «الجيش حاول اغتيال 4 عناصر من (حزب الله) في جنوب لبنان، عبر تنفيذ غارات جوية متفرقة»، مشيرة إلى «تأكد مقتل عنصر واحد من (حزب الله)، بينما لا تزال حالة 3 آخرين قيد الفحص».

وقبل ذلك أعلن الجيش الإسرائيلي عن اغتيال قيادي في «كتيبة الرضوان» وأحد كوادر الحزب في بلدتي بيت ليف وبرعشيت، واغتيال «مخرب لبناني كان يروّج لتنفيذ مخططات إرهابية على الجبهة الشمالية بتوجيه من (فيلق القدس) الإيراني».

وأمام هذا التصعيد، اعتبر مدير «مركز المشرق للشؤون الاستراتيجية»، الدكتور سامي نادر، أن إسرائيل «ماضية باتجاه التصعيد لممارسة الضغط على لبنان من أجل تسريع إجراءات نزع السلاح غير الشرعي».

وذكّر، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، بأن «أهداف الحرب على لبنان لم تتحقق بالكامل، ومنها عودة المستوطنين إلى مستوطنات الشمال، والقضاء على تنظيم (حزب الله)، وإنهاء خطره بشكل دائم». وقال نادر إن «المستوطنين الإسرائيليين لن يعودوا إلّا بعد تفكيك الحزب، وهذا أمر يشكل حساسية؛ ليس للإسرائيليين فحسب، بل لدى الأميركيين الذين يرفضون بشكل قاطع وجود ميليشيات داخل دولة تشكل خطراً على دولة مجاورة».

آليات تابعة لقوات الـ “يونيفيل” في منطقة مرجعيون عند الحدود الجنوبية مع إسرائيل (أ.ف.ب)

سباق مع الوقت

ويسابق رئيسا الجمهورية اللبنانية، جوزف عون، والحكومة، نواف سلام، الوقت، للاتفاق مع رئيس مجلس النواب نبيه برّي و«حزب الله» على جواب موحّد يُقدّم إلى المبعوث الأميركي توم برّاك الذي يصل إلى بيروت، الاثنين، حول المبادرة الأميركية، التي تطلب من لبنان مهلة زمنية لجمع السلاح غير الشرعي بما فيه سلاح الحزب، وبرأي العميد خليل الحلو، فإنه «إذا لم يكن الجواب اللبناني مقنعاً، فإن تل أبيب تصبح غير معنية بأي اتفاق مع لبنان، لأنها في الأساس غير متحمّسة لإبرامه، لأن الاتفاق يحدّ من حرية تحركاتها». ولفت إلى أن إسرائيل «مهتمّة بأمر واحد وهو إنهاء (حزب الله) عسكرياً من خلال غارات مكثفة واغتيالات واستهداف مناطق ومواقع محددة، من دون الدخول في حرب واسعة مع الحزب»، مشيراً إلى أن إسرائيل «مدركة أن وتيرة عملياتها في لبنان تستنزف (حزب الله) مع الوقت، وتفقده ثقة جمهوره؛ خصوصاً مع المضي بالاستنزاف ووقف عملية إعادة الأعمار وعجز آلاف العائلات على العودة إلى قرارها ومنازلها المدمرة».

وقبل أيام، كان الجيش الإسرائيلي أعلن أنه «قصف موقعاً استُخدِم سابقاً لإدارة منظومة النيران والدفاع التابعة لـ(حزب الله) في جنوب لبنان»، مشيراً إلى أنه «رصد محاولات من (حزب الله) لإعادة تأهيل الموقع المستهدَف»، مؤكداً أن «محاولات ترميم الموقع التابع لـ(حزب الله) تشكل خرقاً للتفاهمات بين إسرائيل ولبنان».

ودعا نادر الحكومة اللبنانية إلى «الاهتمام العربي والدولي بلبنان كي لا يفقد البلد آخر فرصة للإنقاذ». وشدَّد على أنه «إذا فشلت المبادرة الأميركية، ولم يلتزم لبنان بوضع خطة لحصر السلاح بيد الدولة، فإن الحرب ستعود لا محالة، وهذا للأسف سيعطي (رئيس الوزراء الإسرائيلي) بنيامين نتنياهو ذريعة لاستئناف حربه؛ سوء على إيران أو على لبنان، باعتبار أن النظام الإيراني و(حزب الله) يشكلان خطراً وجودياً على دولة إسرائيل».

شاركها.
Exit mobile version