السعودية ومراكز البيانات… سباق لتحقيق المستقبل الأخضر ضمن «رؤية 2030»

تتجه السعودية بخطى ثابتة نحو بناء اقتصاد معرفي متنوع يعتمد على الابتكار والتقنية، وذلك في إطار «رؤية 2030» الطموحة، ومع التحول الرقمي المتسارع الذي تشهده المملكة، تتزايد الحاجة الملحة إلى تطوير وبناء مراكز بيانات حديثة وقادرة على التعامل مع الكميات الهائلة من البيانات، لا سيما البيانات الضخمة (Big Data).

وتعد هذه المراكز العصب الرئيسي لتمكين الخدمات الرقمية، وتحسين كفاءة الأداء، ودعم اتخاذ القرارات على المستويات كافة، سواء للأفراد، أو المؤسسات، أو الجهات الحكومية، ما يعزز مكانة المملكة كقوة رقمية إقليمية.

وفي سبيل تحقيق هذه الريادة، أطلقت وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات السعودية مبادرات ضخمة لتطوير مراكز البيانات، التي تُعد البنية الأساسية لمعالجة البيانات الضخمة، ويهدف هذا التوجه إلى زيادة تبني الخدمات السحابية، ودعم مجالات البث الرقمي، والألعاب والرياضات الإلكترونية، وتوطين خدمات المحتوى والمنصات الرقمية.

وتؤكد هذه الخطوات التزام المملكة بتعزيز مكانتها كمركز رقمي رائد لمراكز البيانات والذكاء الاصطناعي في المنطقة، من خلال الشراكات الفعالة وتسريع وتيرة الأعمال لضمان جاهزية هذه المراكز بما يخدم التوجهات الوطنية.

اليوم، تستحوذ المملكة على 86 في المائة من إجمالي سعة مراكز البيانات في الشرق الأوسط، ليعكس طموح المملكة لأن تصبح مركزاً رقمياً عالمياً، مدفوعة بـ«رؤية 2030»؛ حيث تشير التوقعات إلى نمو غير مسبوق في هذا القطاع الحيوي؛ فوفقاً لشركة «جيه إل إل»، تستعد الرياض لزيادة قدرتها الاستيعابية من مراكز البيانات بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ 37 في المائة حتى عام 2027.

ويُترجم هذا التوسع المتسارع إلى فرص اقتصادية هائلة، خاصة في سوق مراكز البيانات الخضراء، التي بلغ حجمها 817 مليون دولار في 2024، ومن المتوقع أن تتجاوز 3.9 مليار دولار بحلول 2033 بمعدل نمو سنوي مركب يناهز 19 في المائة. هذا النمو يؤكد مكانة المملكة كبيئة جاذبة للمشغلين العالميين لمراكز البيانات ومشاريع الذكاء الاصطناعي الضخمة، بفضل توافر مصادر الطاقة المتجددة، والبنية التحتية المتطورة، والمناخ التنظيمي الداعم.

ومع هذا النمو الهائل، تبرز تحديات الاستدامة، فاستهلاك القطاع الكثيف للطاقة لتشغيل تطبيقات الذكاء الاصطناعي ومعالجة البيانات الضخمة، يمثل تحدياً بيئياً رئيسياً؛ حيث تتطلب نماذج اللغة الكبيرة (LLMs) كميات هائلة من الطاقة للتشغيل، وهو قد ما ينجم عنه مشكلات بيئية كبيرة وتأثيرات على أزمة الطاقة العالمية، كما تشير التقديرات إلى أنه بحلول عام 2050 سيكون هناك 100 مليار جهاز مرتبط بإنترنت الأشياء «IoT»، وبالتالي ستكون هناك زيادة هائلة في البيانات الكبيرة.

ورغم أن الذكاء الاصطناعي سيضيف 16 تريليون دولار للاقتصاد العالمي بحلول 2030، فإن استخدام تطبيقاته أدى إلى زيادة كبيرة في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون لدى شركات الإنترنت الكبرى، بنسبة تتراوح بين 40 و50 في المائة خلال السنوات الخمس الماضية.

ومع النمو الهائل المتوقع في استهلاك الذكاء الاصطناعي للطاقة، الذي قد يرتفع 4 أضعاف من 4.5 غيغاواط حالياً إلى 18 غيغاواط بحلول عام 2028، يصبح التصدي لهذه التحديات البيئية أمراً حتمياً.

الشركات العالمية أصبحت داعمة بقوة لتوجهات المملكة، وفي مقدمتها شركة شنايدر إلكتريك التي تعد شريكاً استراتيجياً رئيسياً في دعم خطط «المملكة 2030» للتحول الرقمي، وأحد المحركات الأساسية لنمو وتطور قطاع مراكز البيانات في السعودية؛ حيث تسهم الشركة في رفع كفاءة التشغيل، وتقليل التكاليف، وتحقيق أهداف الاستدامة، وذلك بما يتماشى مع «رؤية 2030» ومبادرات مثل «السعودية الخضراء».

الدور الكبير الذي تلعبه «شنايدر إلكتريك» في دعم هذا التوجه بالمملكة يوضحه أحمد جمال، نائب الرئيس لقطاع الطاقة المؤمنة في «شنايدر إلكتريك» في السعودية وباكستان واليمن والبحرين بالقول: «خطط السعودية لزيادة سعة مراكز البيانات بنسبة 37 في المائة بحلول 2027 تؤكد على التزامها بالتحول الرقمي المسؤول. هذا النمو يتطلب تصميمات مستدامة، وأنظمة تبريد فعالة، وتحكماً ذكياً في العمليات، خاصة في ظل أعباء الذكاء الاصطناعي، وفي (شنايدر إلكتريك) نلتزم بتصميم مراكز بيانات مبتكرة خالية من انبعاثات الكربون، تكافح تغير المناخ وتركز على الاستدامة بتحسين كفاءة البنية التحتية وتقليل استهلاك الطاقة».

ويضيف جمال: «تقدم الشركة استراتيجيات شاملة لتصميم مراكز البيانات المستدامة ترتكز على 3 عناصر: استراتيجية المعالجة التي تساعد العملاء على قياس الكفاءة، والبنية التحتية التي تثبت فاعليتها من خلال الشفافية في التقارير البيئية، والأثر البيئي بالالتزام بتقليل انبعاثات الكربون والتقدم نحو الحياد الكربوني».

يحدّد أحمد جمال 3 أولويات رئيسية لـ«شنايدر إلكتريك» في سوق مراكز البيانات داخل المملكة؛ حيث تعمل الشركة على توفير تبريد مرن وفعال يناسب المناخ الصحراوي، ودمج الطاقة المتجددة بما يتماشى مع أهداف الحياد الكربوني، وتوفير أدوات رقمية لمراقبة الأداء وكفاءة الطاقة لحظياً.

ولتلبية هذه الأولويات، توفر «شنايدر إلكتريك» مجموعة متكاملة من الحلول لمواكبة النمو المتسارع، وتشمل: حلول تبريد سائل عبر استحواذها على شركة «Motivair» المصممة خصيصاً للتعامل مع حرارة أحمال الذكاء الاصطناعي العالية، ومنصة «EcoStruxure™» التي توفر إدارة رقمية ذكية لمراكز البيانات وتحسين استهلاك الطاقة، بالإضافة إلى حلول متكاملة تشمل الطاقة المؤمنة والتبريد وأنظمة المراقبة والتصميم من الحافة حتى النواة، وجميعها قابلة للتوسع لتناسب احتياجات الذكاء الاصطناعي. يؤكد جمال أن «النهج الشامل الذي تتبناه (شنايدر إلكتريك) – من العمليات الذكية إلى التبريد المستدام – هو ما تحتاج إليه السعودية لبناء بنية تحتية حديثة ومرنة لمراكز البيانات».

في الأخير، استدامة مراكز البيانات أصبحت أولوية السعودية، فهي ضرورة حتمية لضمان التوسع الذكي والمسؤول للبنية التحتية الرقمية في ظل التضاعف المتوقع للطلب عليها، لا سيما أن الاستهلاك الهائل للطاقة من قبل تطبيقات الذكاء الاصطناعي يستدعي تبني حلول مبتكرة مثل تقنيات التبريد الموفرة والطاقة المتجددة، لتقليل البصمة الكربونية وتحقيق الأهداف البيئية.

كما أن التوافق مع اللوائح البيئية الصارمة وتوقعات المستثمرين المتزايدة بخصوص معايير الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية (ESG)، يجعلان من الاستدامة ليست مجرد خيار، بل ركيزة أساسية للنمو المستقبلي وضمان الموافقة على التراخيص والتمويل.

ومع تصدر المملكة للمشهد الرقمي في المنطقة، فإن السعودية اليوم أمام فرصة فريدة لتصبح مركزاً عالمياً للبنية التحتية الذكية؛ حيث ستكون مراكز البيانات المستدامة هي المفتاح لتحقيق هذه الرؤية الطموحة والمساهمة الفاعلة في بناء مستقبل رقمي وأخضر.

وتماشياً مع هذا التوجه، ستقوم «شنايدر إلكتريك» بتنظيم النسخة الثانية من قمة الابتكار 2025 في الرياض يومي 24 و25 سبتمبر (أيلول) المقبل، تحت شعار «خلق أثر إيجابي اليوم من أجل مستقبل أفضل: بناء مستقبل مستدام للسعودية»، التي تمثل منصة استراتيجية لتعزيز مكانة الرياض والمملكة كمركز إقليمي رائد في مجال الاستدامة والتحول الرقمي.

وتسلط القمة هذا العام الضوء على أحدث التقنيات والحلول المبتكرة من «شنايدر إلكتريك» في مجالات كفاءة الطاقة، ومراكز البيانات، والمدن الذكية، وغيرها من القطاعات الحيوية، وذلك في إطار «رؤية المملكة 2030» الطموحة، بما يسهم في دفع عجلة التحول الرقمي وتطوير البنية التحتية التكنولوجية وتعزيز الاقتصاد المعرفي بالمملكة.

شاركها.
Exit mobile version