خطا الرئيس الأميركي دونالد ترامب خطوة جديدة في سعيه للسيطرة على البنك الفدرالي الأميركي وأعلن أمس الاثنين إقالة محافظة الاحتياطي الفدرالي ليزا كوك “فورا”، في سابقة تاريخية تأتي في إطار الضغوط التي يمارسها على المؤسسة النقدية المستقلة.

وأعلن ترامب في رسالة نُشرت على منصته “تروث سوشيال” أنه “يُقيل كوك فورا” بسبب مزاعم ارتكابها احتيالا عقاريا.

وكتب ترامب في رسالة إلى كوك، مستشهدا بإحالة جنائية مؤرخة في 15 أغسطس/ آب الجاري من مدير الوكالة الفدرالية لتمويل الإسكان إلى وزيرة العدل، “لقد قررتُ أن هناك سببا كافيا لإقالتك من منصبك”.

والوثيقة التي استند إليها الرئيس الجمهوري في تبريره خطوته هذه هي إحالة جنائية صادرة عن مدير الوكالة الفدرالية لتمويل الإسكان -وهو حليف قوي لترامب- وموجهة إلى وزيرة العدل بام بوندي.

وقال ترامب في رسالته إن هذه الإحالة قدّمت بالنسبة إليه “سببا كافيا” للاعتقاد بأن كوك ربما أدلت “ببيانات كاذبة” بشأن اتفاقية رهن عقاري واحدة أو أكثر.

ترامب يسعى لإحكام سيطرته على الفدرالي الأميركي الذي يعد مؤسسة نقدية مستقلة (الأوروبية)

لن أستقيل

من جانبها أكدت كوك مساء أمس الاثنين أنها لن تستقيل. وقالت في بيان مُرسل عبر البريد الإلكتروني “زعم الرئيس ترامب أنه طردني لسبب وجيه في حين أنه لا يوجد سبب قانوني، وليس لديه سلطة للقيام بذلك لن أستقيل”.

ووكّلت كوك المحامي الأميركي البارز آبي لويل، الذي قال “إن رد فعل ترامب على التنمر معيب”، في إشارة إلى أن كوك أول امرأة أميركية أفريقية الأصل تتولى هذا المنصب.

كما اعتبر أن مطالب ترامب “تفتقر إلى أي إجراء أو أساس أو سند قانوني سليم وسنتخذ أي إجراءات لازمة لمنع محاولته القيام بعمل غير قانوني”.

ويسمح القانون للرئيس الأميركي بإقالة حاكم الاحتياطي الفدرالي “بسبب وجيه”، وهو ما يعني عادة ارتكابه مخالفة أو تقصيرا في أداء الواجب. لكن لا يمكن للرئيس إقالته لمجرد اختلافات حول سياسة أسعار الفائدة.

ويقول خبراء قانونيون إن إثبات الإقالة المبررة يتطلب عادة إجراء يسمح لكوك بالرد على التهم وتقديم الأدلة، وهو ما لم يحدث في هذه القضية.

وقال ليف ميناند، أستاذ القانون في كلية الحقوق بجامعة كولومبيا ومؤلف كتاب “الفدرالي غير المقيد”، الذي يتناول إجراءات الاحتياطي الفدرالي خلال جائحة كوفيد-19: “هذه إقالة غير صالحة إجرائيا بموجب القانون”.

وأضاف ميناند أن “عمليات الإقالة المبررة عادة ما تكون مرتبطة بسوء السلوك أثناء تولي المسؤول منصبه، وليس بناء على سوء سلوك شخصي قبل تعيينه. وقال ميناند: “هذا ليس شخصا مُدانا بجريمة. هذا ليس شخصا لا يؤدي واجباته”.

ليزا كوك تؤدي اليمين الدستورية بعد أن عينها بايدن في المنصب قبل 3 سنوات (الأوربية-أرشيف)

تداعيات

ويرجح قانونيون واقتصاديون أميركيون أن تُشعل خطوة ترامب معركة قانونية واسعة النطاق، يمكن أن تصل إلى المحكمة العليا، وقد تُسبب اضطرابا في الأسواق المالية.

واستشهد هؤلاء بانخفاض العقود الآجلة للأسهم بشكل طفيف في أواخر يوم أمس الاثنين، وكذلك انخفاض الدولار مقابل العملات الرئيسية الأخرى.

ويرى الخبراء أنه إذا نجح ترامب في إقالة كوك فإن ذلك يُقوّض الاستقلال السياسي للاحتياطي الفدرالي، الذي يُعتبر حاسما لقدرته على مكافحة التضخم، لأنه يُمكّنه من اتخاذ خطوات غير شعبية مثل رفع أسعار الفائدة.

وحسب الخبراء فإنه إذا بدأ مستثمرو السندات يفقدون ثقتهم بقدرة الاحتياطي الفدرالي على السيطرة على التضخم، فسيطالبون بأسعار فائدة أعلى لامتلاك السندات، مما يرفع تكاليف الاقتراض للرهون العقارية وقروض السيارات وقروض الأعمال.

إرث بايدن

وعُيّنت كوك في مجلس إدارة الاحتياطي الفدرالي من قبل الرئيس آنذاك جو بايدن عام 2022، وهي أول امرأة سوداء تشغل منصب حاكمة.

كما حصلت على منحة مارشال وحصلت على شهادات من جامعة أكسفورد وكلية سبيلمان، ودرّست في جامعة ولاية ميشيغان وكلية كينيدي للعلوم الحكومية بجامعة هارفارد.

عارض معظم أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين ترشيحها، وتمت الموافقة عليها بأغلبية 50/50، مع فوز نائبة الرئيس آنذاك كامالا هاريس بالتعادل.

سابقة رئاسية

وفي الولايات المتحدة يتمتع الرئيس بصلاحيات محدودة لإقالة مسؤولي البنك المركزي، وقد قضت المحكمة العليا أخيرا بأنه لا يمكن عزل مسؤولي الاحتياطي الفدرالي إلا “لسبب وجيه”، وهو ما يمكن تفسيره بأنه يعني ارتكابهم مخالفة.

ولم يسبق لأي رئيس أميركي أن سعى إلى إقالة أيٍّ من محافظي الاحتياطي الفدرالي.

وفي العقود الأخيرة، احترم رؤساء كلا الحزبين استقلال الاحتياطي الفدرالي إلى حد كبير، رغم أن ريتشارد نيكسون وليندون جونسون مارسا ضغوطا شديدة على الاحتياطي الفدرالي خلال رئاستيهما، غالبا خلف الأبواب المغلقة.

ومع ذلك، فإن هذا الضغط الخفي للحفاظ على أسعار الفائدة منخفضة، وهو الهدف نفسه الذي سعى إليه ترامب، قد أُلقي باللوم عليه على نطاق واسع في إثارة التضخم الجامح في أواخر الستينيات والسبعينيات.

دفع الرئيس هاري ترومان توماس مكابي إلى التنحي عن منصبه رئيسا للاحتياطي الفدرالي عام 1951، رغم أن ذلك حدث خلف الكواليس.

وأشارت المحكمة العليا في قرار صدر مؤخرا إلى أن مسؤولي الاحتياطي الفدرالي يتمتعون بحماية قانونية أكبر من الإقالة مقارنة بالوكالات المستقلة الأخرى، ولكن ليس من الواضح ما إذا كان ذلك ينطبق على هذه القضية. وأشار ميناند إلى أن الأغلبية المحافظة في المحكمة قد اتخذت نهجا واسعا للغاية.

يذكر أن محافظو الاحتياطي الفدرالي يصوتون على قرارات أسعار الفائدة التي يتخذها البنك المركزي وعلى قضايا التنظيم المالي، بينما يُعيّنهم الرئيس ويُصادق عليهم مجلس الشيوخ.

ومن يتولون هذا المنصب ليسوا كوزراء الحكومة الذين يعملون وفقا لإرادة الرئيس، فهم يخدمون لفترات مدتها 14 عاما متقطعة في محاولة لعزل الاحتياطي الفدرالي عن النفوذ السياسي.

شاركها.
Exit mobile version