«إرهاب وتمرد»… تهديد مزدوج يضاعف أزمات شرق الكونغو
تتبادل حركات إرهابية ومتمردة في شرق الكونغو عملياتها ضد المدنيين بشكل متصاعد للشهر الثالث على التوالي، في ظل خفوت لمسار المفاوضات، ووسط عدم التزام بتوقيع اتفاق سلام كان مقرراً قبل نحو شهر. وسجلت جماعة «القوات الديمقراطية المتحالفة»، الموالية لتنظيم «داعش» الإرهابي منذ 2019 تحت اسم «ولاية وسط أفريقيا»، أحدث تلك الهجمات قبل أيام، مخلفة 89 قتيلاً، حسب مصادر، لتواصل هجماتها شرق الكونغو مع تصاعد عمليات من حركة «23 مارس» المتمردة، وجماعة «مؤتمر الثورة الشعبية» المسلحة، التي أسّسها توماس لوبانغا، وذلك خلال أشهر يوليو (تموز) وأغسطس (آب) الماضيين وسبتمبر (أيلول) الحالي، وفق رصد «الشرق الأوسط».
تلك الهجمات المتواصلة وسط عدم وصول محادثات السلام لمحطة النهاية، يراها خبير في الشؤون الأفريقية، تحدث لـ«الشرق الأوسط»، تهديداً بنيوياً مزدوجاً يضاعف أزمات شرق الكونغو، ويتجاوز مجرد الاضطراب الأمني، ليطول ركائز الدولة وقدرتها على البقاء كياناً موحداً وفاعلاً حال استمر التداخل بين الإرهاب الآيديولوجي والتمرد السياسي والعسكري.
وسجلت حصيلة ضحايا الهجومين اللذين شنهما مسلحون من جماعة «القوات الديمقراطية المتحالفة» على قرية نطويو بإقليم شمال كيفو شرق الكونغو الديمقراطية، منتصف الأسبوع الحالي، 89 قتيلاً، وفق ما أورد «راديو فرنسا» وصحيفة «لوموند» الفرنسية، وسط تقارير تتحدث عن أن تلك الجماعة استغلت انسحاب القوات الحكومية من عدة مناطق لمواجهة حركة «23 مارس» في مناطق أخرى.
كما اندلعت اشتباكات «عنيفة» بين جيش الكونغو وجماعة «مؤتمر الثورة الشعبية» المسلحة، في أغسطس الماضي، وأفاد جيش الكونغو بأن جماعة «مؤتمر الثورة الشعبية» حاولت تنفيذ هجمات عدة، وبأن جنوده قتلوا 12 من مقاتلي الجماعة في موقعين مختلفين، على مسافة نحو 30 كيلومتراً شمال بونيا؛ عاصمة إيتوري، وفق ما نقلته وكالة «رويترز»، آنذاك.
وجاءت تلك الهجمات بعد 4 أيام من اتّهام جيش الكونغو، في بيان، متمردي «حركة 23 مارس»، بشنّ هجمات متعددة في شرق البلاد، وقال إنها تنتهك الاتفاقات الموقعة في واشنطن والدوحة، وحذّر بأنه يحتفظ بحق الرد على الاستفزازات.
وتُعدّ هجمات أغسطس من قِبَل «حركة 23 مارس» امتداداً لأخرى سابقة وقعت خلال يوليو الماضي، وأسفرت عن مقتل 319 مدنياً، وفق ما أعلن مفوّض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، في مؤتمر صحافي آنذاك داعياً لوقف ذلك التصعيد.
المحلل السياسي التشادي، الخبير في الشؤون الأفريقية، صالح إسحاق عيسى، يرى أن تصاعد العنف المزدوج في شرق الكونغو الديمقراطية، المتمثّل في نشاط الجماعات الإرهابية والتمرد يمثل تهديداً بنيوياً يتجاوز مجرد الاضطراب الأمني، ليطول ركائز الدولة وقدرتها على البقاء كياناً موحداً وفاعلاً في ظل هذا التداخل بين الإرهاب الآيديولوجي والتمرد السياسي والعسكري. وحذر من أنه في ظل تواصل الهجمات قد «تتآكل قدرة الدولة على احتواء الصراع، ويتحوّل الشرق الكونغولي إلى ساحة مفتوحة لانهيارات متتالية».
وعودة الحركة المبايعة لـ«داعش» لتصعيد عملياتها يمثل، حسب عيسى، «تطوراً خطيراً يُصعّب من خيارات الاحتواء المحدودة أساساً. في ظل هشاشة الدولة، وتعدّد الأطراف المسلحة، وامتداد النزاعات الإقليمية».
ويصبح من غير المرجّح أن تظل هذه الحركة محصورة في إطار محلي. فطبيعة الهجوم، والانتماء الآيديولوجي العابر للحدود، يشيران إلى احتمال انخراطها في شبكة أوسع من الجهاد العالمي، مما قد يدفع المجتمع الدولي إلى التعاطي معها جزءاً من استراتيجية مكافحة الإرهاب الدولية، وفق تقديرات عيسى، الذي يتوقع حدوث إما تدخل دولي مباشر وإما على الأقل توسيع مهام البعثات الأممية والاستخباراتية في المنطقة، لا سيما إذا تصاعدت وتيرة الهجمات أو طال تأثيرها مصالح دولية أو إقليمية.
وذلك التصعيد المزدوج في العمليات يأتي رغم مساعي سلام تقدمت الأشهر الأخيرة، وبرعاية أميركية، تم توقيع اتفاق سلام بين الكونغو الديمقراطية ورواندا الداعمة لـ«حركة 23 مارس»، في واشنطن يوم 27 يونيو (حزيران) الماضي، وتعهدتا فيه بوقف دعم المتمردين في البلدين.
واستكمالاً لهذا الاتفاق، رعت وزارة الخارجية القطرية، في 19 يوليو الماضي، «إعلان مبادئ» بين حكومة الكونغو الديمقراطية والحركة التي تسيطر على مناطق واسعة في شرق البلاد منذ مطلع العام.
وكانت خريطة الطريق الواردة في إعلان المبادئ الموقّع في قطر، دعت إلى بدء المفاوضات بين الجانبين في 8 أغسطس الماضي، على أن يتم التوصل إلى اتفاق نهائي بحلول 18 من الشهر نفسه.
وغداة انقضاء المهلة المقررة للتوصل إلى اتفاق سلام، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية القطرية، ماجد الأنصاري، خلال مؤتمر صحافي دوري في الدوحة، إن الطرفين «منخرطان بإيجابية بالغة»، مضيفاً: «نحن ملتزمون بإيجاد حلول، وأهم شيء أن تكون هناك إرادة لدى الطرفين»، دون جديد حتى الآن.
ومسار السلام في الكونغو شهد 10 محاولات سابقة منذ 2021 دون جدوى، وسط مخاوف دولية، مما دعا مجلس الأمن لبحث الأوضاع بالدولة الأفريقية في إحاطة طارئة، أغسطس الماضي، وحثّت مساعدة الأمين العام للأمم المتحدة لشؤون أفريقيا، مارثا بوبي، المجلس على ممارسة كامل نفوذه لدعم جهود السلام هناك.
ويرى الخبير في الشؤون الأفريقية أن تعثّر مفاوضات السلام في شرق الكونغو وعدم التوصّل إلى اتفاق مستدام حتى الآن، يعود إلى تشابك عوامل محلية وإقليمية ودولية، تتداخل فيها مصالح متعدّدة ومتصارعة. ورجح أنه في ظل نشاط الجماعات الإرهابية الموالية لتنظيم «داعش» وتصاعد حدّة التمرد، تصبح البيئة المحيطة بعملية السلام غير مستقرة، وتفتقر إلى الحد الأدنى من شروط النجاح، خصوصاً أن أي محاولة لبناء سلام حقيقي تصطدم بجملة من التحديات، منها ضعف الدولة المركزية، وهشاشة مؤسسات الحكم، وغياب الثقة بين الأطراف.