أفاد «المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان» بأن اليمن يحتل المرتبة الثالثة عالمياً من حيث عدد الإصابات بـ«الكوليرا»، في ظل مخاوف متزايدة من تفاقم انتشار المرض بفعل ارتفاع معدلات تلوّث المياه وضعف أنظمة الصرف الصحي.

وذكر المرصد الدولي في أحدث تقاريره أنّ تفشّي «الكوليرا» أصبح متوطناً في اليمن بفعل اتساع نطاق الانتشار، وارتفاع أعداد الإصابات والوفيات، وعدم معالجة الأسباب الجذرية.

وشهِد اليمن بين عامَي 2017 و2020 أكبر تفشٍّ لوباء الكوليرا في التاريخ الحديث، وما تزال حتى اليوم تُسجّل إصابات جديدة يومياً؛ ما يُفاقم الأعباء على النظام الصحي المتهالك أصلاً في ظل نقص التمويل الدولي.

وأرجع «المرصد» أسباب انتشار «الكوليرا» في اليمن إلى استمرار انهيار شبكات المياه والصرف الصحي، وسوء إدارة النفايات، وعرقلة وصول الفرق الطبية والإمدادات. وحمّل بالوقت ذاته من سماها بالأطراف المسيطرة على الأرض كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن تفشّي ذلك المرض؛ إذ يقع على عاتقها تشغيل الشبكات وإصلاحها وحمايتها، وضمان توافر المياه المأمونة وبقية الخدمات.

مرضى يتلقون الرعاية الطبية بأحد المستشفيات اليمنية (أطباء بلا حدود)

وطبقاً للتقرير، أدّت القيود المفروضة على عمل المنظمات الإنسانية إلى تأخير أو إحباط عمليات الصيانة وإعادة التأهيل لشبكات المياه والصرف الصحي، وإلى عرقلة وصول فرق التطعيم والوقاية إلى المناطق المتضرّرة.

وطالب «المرصد» بضرورة تقديم كامل التسهيلات لعمل المنظمات الصحية المحلية والدولية والتوقف الفوري عن استهداف أو احتكار مصادر المياه، والسماح بإجراء صيانة عاجلة لمحطات المياه ومعالجة الصرف الصحي، إلى جانب الاستثمار في تطوير المرافق الصحية ورفع جاهزية المستشفيات للتعامل مع مستجدات الحالة الوبائية، وضمان وصول الإمدادات الطبية والوقود دون عوائق إلى جميع المناطق المتضرّرة.

أكثر الفئات هشاشةً

أوضح «المرصد الأورومتوسطي» في بيانه أن أكثر الفئات هشاشةً في اليمن، وعلى رأسها الأطفال والنساء، تتحمّل العبء الأكبر من الأزمات الإنسانية، بما في ذلك تفشّي الكوليرا؛ إذ يُصاب سنوياً عشرات الآلاف من الأطفال بالإسهال المائي الحاد الناتج عن الكوليرا؛ ما يؤدي إلى الجفاف وسوء التغذية الحاد وتهديد الحياة.

ويُشكّل الاكتظاظ الشديد في مخيّمات النازحين، وغياب وسائل النظافة والتعقيم، وصعوبة الوصول إلى المياه المأمونة، بيئة خصبة لتفشّي الوباء وانتشاره السريع بين الفئات الضعيفة داخل تلك المخيمات.

الدعاية الحوثية ضد اللقاحات أدّت إلى تفشّي الأوبئة في اليمن (إعلام حوثي)

وبحسب التقرير، فإن البيانات المتاحة حول تفشّي «الكوليرا» في اليمن لا تعكس بالضرورة الحجم الحقيقي للكارثة؛ إذ يُرجَّح أن تكون أعداد الإصابات والوفيات الفعلية أعلى بكثير من المعلن، في ظلّ ضعف أنظمة الرصد الوبائي، وغياب التغطية الشاملة لخدمات الرعاية الصحية في جميع المناطق، وامتناع كثير من المصابين أو ذويهم عن الإبلاغ نتيجة صعوبة الوصول إلى المرافق الطبية؛ ما يجعل من تقدير نطاق انتشار الوباء بصورة دقيقة أمراً بالغ الصعوبة.

وأوضح «المرصد» أنّ خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن تُعاني من عجز تمويلي حاد يتجاوز 80 في المائة نتيجة تخلّف عدد من الدول والجهات المانحة عن الوفاء بتعهّداتها المالية؛ إذ لم يُسدَّد حتى سبتمبر (أيلول) 2025 سوى 474 مليون دولار من أصل 2.48 مليار دولار هي إجمالي المبلغ المطلوب لتغطية متطلبات الخطة؛ ما أدّى إلى إضعاف قدرة برامج مكافحة الكوليرا، وتعطيل جزء واسع من الأنشطة الوقائية والعلاجية.

ودعا «المرصد» جميع الدول والجهات المانحة إلى الوفاء بتعهّداتها المالية تجاه خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن، والامتناع عن أي تقليص في مخصصات المنظمات الدولية والأممية التي تضطلع بدورٍ رئيسي في مكافحة وباء الكوليرا.

تفشٍّ في إبّ والحديدة

من جهتها، كشفت منظمة «أطباء بلا حدود» عن تسجيل ارتفاع مقلق في حالات «الإسهالات المائية الحادة» في محافظتَي إبّ والحديدة الخاضعتين لسيطرة الجماعة الحوثية، مؤكدة أن ذلك يعكس خطورة تفشّي المرض بشكل مُتسارع في ظل نظام صحي منهك.

وأعلنت المنظمة، في تقرير لها، تسجيل أكثر من 4.700 حالة إصابة جديدة بالإسهال المائي الحاد في محافظة إبّ، ونحو 1000 إصابة أخرى في الحديدة، تحديداً في مديريتَي الضحي والزيدية، وذلك خلال 5 أشهر.

حملات التطعيم حققت نجاحات كبيرة في تحصين الأطفال اليمنيين (الأمم المتحدة)

ومع استمرار معاناة اليمن من إحدى أطول الأزمات الإنسانية أمداً في العالم، فقد أدّت آخر طفرة في الإصابات بالإسهال المائي الحاد (الكوليرا) في المحافظتين تحت سيطرة الجماعة الحوثية، إلى تسليط الضوء مُجدداً على هشاشة نظام الرعاية الصحية في البلاد.

وعالجت «أطباء بلا حدود» في الفترة بين أبريل (نيسان) وأغسطس (آب) الماضي، نحو 4.705 مرضى، 81 في المائة منهم يعانون من جفاف متوسط إلى شديد في إبّ. في حين خضع أكثر من 990 شخصاً بنفس الفترة لتلقي العلاج في مستشفى الزيدية بالمحافظة الساحلية.

شاركها.
Exit mobile version