تُوّجت أضواء العريفي مساعدة وزير الرياضة السعودي السبت الكازاخستانية إيلينا ريباكينا بلقب جولة النهائيات الختامية لرابطة محترفات التنس المقامة في العاصمة السعودية الرياض، بعد فوزها المستحق على المصنفة الأولى عالمياً أرينا سابالينكا بمجموعتين دون رد (6-3، 7-6)، في مباراةٍ أكدت فيها اللاعبة الهادئة ذات التسديدات الصاروخية أنها بلغت ذروة نضجها الفني والذهني.
كانت الأجواء في صالة جامعة الملك سعود مفعمة بالتوتر والترقب مع دخول اللاعبتين إلى أرضية الملعب المضيئة بإيقاع موسيقي صاخب على غرار أجواء الأندية الليلية الأوروبية، في مشهد يعكس الحداثة والتنظيم السعودي المبهر. وقد أجمع محللو اللقاء، ومن بينهم البريطانية لورا روبسون، على ترشيح ريباكينا للفوز، فيما اعتبر تيم هينمان أن خبرة سابالينكا قد تحسم الموقعة. غير أن مجريات المباراة أثبتت أن الكلمة الأخيرة ستكون لقوة الإرسال ودقة الضربات التي ميّزت نجمة كازاخستان طوال البطولة.
دخلت ريباكينا المباراة بثقة عالية، وافتتحت إرسالها بإرسال ساحق أعقبه ضربتان مباشرتان، لتفرض إيقاعها منذ اللحظات الأولى. سابالينكا، من جهتها، حاولت الرد بقوتها المعتادة من الخط الخلفي، لكنها واجهت صعوبة في التعامل مع الإرسالات العميقة لخصمتها التي استخدمت الخطوط بدقة مدهشة. بعد تبادل متوازن في أول الأشواط، كسرت ريباكينا إرسال منافستها في الشوط السادس لتتقدم 4-2، ثم أكملت طريقها بثبات لتفوز بالمجموعة الأولى 6-3، في أداء وصفه المعلقون بأنه «عرض استعراضي من الإرسال والضربات القاضية».
إحصائياً، كانت الأرقام مذهلة: 16 كرة رابحة مقابل خمس فقط لسابالينكا، وخمس إرسالات ساحقة «إيس» مقابل واحدة للمصنفة الأولى. لم يكن الأمر مجرد تفوق فني، بل تحكم ذهني تام في نسق اللقاء من قبل ريباكينا، التي بدت وكأنها تمتلك وقتاً إضافياً على كل كرة، تضربها بثقة وهدوء منقطع النظير.
في المجموعة الثانية، حاولت سابالينكا تعديل الإيقاع مبكراً، فبدأت بتقدم سريع بفضل ضرباتها العميقة من الخط الخلفي، ونجحت في أول أشواطها على الإرسال، لكن ريباكينا لم تترك لها فرصة لبناء الزخم. أطلقت الكازاخستانية سلسلة من الإرسالات الساحقة في الشوط الثاني لتحقق «شوطاً نظيفاً»، ثم تابعت في نفس النسق بثقة متزايدة. بلغت نسبة نجاح إرسالاتها الأولى أكثر من 80 في المائة في تلك المرحلة، وهو ما جعل سابالينكا تبدو عاجزة عن كسرها.
في منتصف المجموعة، اشتد الصراع على كل نقطة. سابالينكا استغلت إحدى اللحظات النادرة التي تراجعت فيها دقة خصمتها لتقترب من كسر الإرسال، لكن ريباكينا استعادت توازنها بإرسالين لا يُصدّان على الخط. الجماهير الحاضرة، التي ملأت مدرجات الصالة، صفقّت طويلاً بعد تبادل طويل انتهى بكرة مذهلة على الخط الجانبي من مضرب ريباكينا. بدا واضحاً أن البطلة القادمة كانت قد دخلت «المنطقة»، لا تتأثر بالصراخ ولا بالضغط.
عند التعادل 4-4، أظهرت سابالينكا شراسة المعتاد منها، وتقدمت بنقطتين متتاليتين مع محاولات للوصول إلى الشبكة، لكن ريباكينا ردت عليها بهدوء مذهل، بثلاث ضربات رابحة متتالية، لتؤكد سيطرتها على الإيقاع وتدفع المباراة نحو النهاية التي أرادتها.
عند 5-5 في المجموعة الثانية، بدا أن سابالينكا تستعيد روحها المقاتلة. تقدمت في النقاط الأولى من شوط الإرسال لريباكينا، وأهدرت الكازاخستانية إرسالين متتالين، لتجد نفسها في مواجهة نقطتين لكسر الإرسال. غير أن شجاعتها ظهرت في تلك اللحظة؛ فقد ردت بإرسال ساحق في وسط الميدان ثم أتبعت ذلك بإرسال آخر لا يُرد نحو الخارج، لتتفادى الخطر وتستعيد السيطرة.

سابالينكا، التي كانت قد فازت على ريباكينا الشهر الماضي في ووهان بمجموعتين نظيفتين، أدركت أن الأمور هذه المرة مختلفة، فكلما حاولت الضغط من الخط الخلفي، كانت تجد أمامها دفاعاً متماسكاً وإرسالات لا تُخطئ أهدافها. وصلت المجموعة إلى شوط كسر التعادل، وهناك أظهرت ريباكينا وجهها الحقيقي كبطلة.
بدأت الشوط الفاصل بثلاث نقاط متتالية، بفضل إرسالين ساحقين وخطأ من سابالينكا التي فقدت توازنها أثناء محاولة رد الكرة. ومع كل كرة رابحة، كانت الكاميرات تلتقط ابتسامة خفيفة على وجه ريباكينا، وكأنها تدرك أن اللقب أصبح في المتناول. وصلت إلى تقدم 5-0 بسرعة مذهلة، ثم أطلقت إرسالاً ساحقاً سادساً لتصل إلى ست نقاط للبطولة. في النقطة التالية، سقطت كرة سابالينكا في الشبكة، لتنفجر القاعة بالتصفيق معلنة تتويج ريباكينا بطلةً للعالم في ختام موسم التنس النسائي لعام 2025.
سابالينكا كانت قريبة من «سرقة» المجموعة الثانية بعدما تشبثت بكل فرصة ممكنة رغم عجزها الواضح أمام إرسالات ريباكينا القوية، ونجحت في جرّ اللقاء إلى شوط كسر التعادل، لكنها انهارت فجأة في لحظة مفصلية، لتستغل ريباكينا الهدوء والثبات وتحسم اللقب لصالحها. أنهت بطلة كازاخستان البطولة من دون أي خسارة، في إنجاز استثنائي يليق بخاتمة موسمها المذهل.
بهذا الفوز، أنهت ريباكينا البطولة دون خسارة، بعد أن أطاحت بنجوم الصف الأول في الرياض، مثل إيجا شفيونتيك وأماندا أنيسيموفا وجيسيكا بيغولا، مؤكدة أن لقبها في نهائيات الرياض لم يكن وليد الصدفة، بل ثمرة عمل متكامل واستقرار فني واضح منذ فوزها السابق في نينغبو الشهر الماضي. وبهذا الانتصار، أصبحت أول لاعبة كازاخستانية تتوج بلقب البطولة الختامية، وأول من يحقق ذلك في العاصمة السعودية منذ بدء استضافتها لهذه البطولة الكبرى.
من جهتها، اعترفت سابالينكا عقب المباراة بأن خصمتها كانت «في أفضل حالاتها»، مضيفة: «إيلينا كانت مذهلة اليوم، كل إرسال من جانبها كان صعباً الرد، لقد استحقت الفوز». أما ريباكينا، التي نادراً ما تظهر مشاعرها، فقد قالت بهدوء أمام الجماهير: «لقد كانت بطولة رائعة، أحب اللعب هنا في الرياض، الجماهير كانت رائعة والدعم لا يُصدق».
بهذه النتيجة، تُنهي ريباكينا موسم 2025 بأحد أكبر ألقاب مسيرتها حتى الآن، وتؤكد أن حضورها بين نجمات الصف الأول لم يعد عابراً. أما سابالينكا، التي خاضت عاماً مذهلاً شهد وصولها إلى ثلاثة نهائيات كبرى وتتويجها في بطولة أميركا المفتوحة، فستغادر الرياض وقد خسرت اللقب لكنها كسبت احترام الجميع بثباتها ومواصلتها القتال حتى النهاية.
كانت ليلة سعودية عالمية بكل المقاييس، جمعت بين أعلى مستويات التنس النسائي وأجواء احتفالية تليق بختام موسم من التحدي والإبداع. وفي ختام الأمسية، عانقت ريباكينا الكأس بابتسامة متواضعة، وسط تصفيق الجمهور وهتافات الكازاخيين القلائل الذين حملوا أعلام بلادهم في المدرجات، بينما بدا على سابالينكا أنها تقبل الهزيمة بشرف. هكذا، اختُتمت نهائيات التنس في الرياض، بتتويج بطلة جديدة في عالم الكرة الصفراء، وبنجاح سعودي آخر في استضافة الأحداث الرياضية العالمية الكبرى.


