«التحفيل»… تراث بديع من المكايدات الكروية ينفجر مع المنازلات الكبرى

ما إن أطلق حكم مباراة القمة بين قطبي الكرة المصرية الأهلي والزمالك، بالدوري المصري الممتاز لكرة القدم، صافرته معلناً فوز الأهلي بنتيجة 2-1 حتى سارعت جماهير الأحمر إلى منصات التواصل الاجتماعي للاحتفال بفوز فريقها.

«رايح فين ده (التحفيل) للصبح»، كانت أولى العبارات التي انتشرت على المنصات، المُستلهمة من أحد مشاهد فيلم «رصيف نمرة 5»، في إشارة من جمهور الأهلي إلى أنها ستحتفل و«تحفّل» على الجماهير البيضاء بالكوميديا الساخرة، حيث يشير مصطلح «التحفيل» إلى ظاهرة التراشق بالنكات، والإبداع في «الكوميكس» المستلهمة من الأفلام والدراما، وابتكار «الميمز» والمنشورات الفكاهية، بين جماهير الناديين، عقب كل مباراة قمة أو عقب المنازلات الكبرى، أو تعثر لأحدهما أمام الفرق المنافسة.

وشهدت ظاهرة «التحفيل الكروي» تنامياً لافتاً خلال السنوات الأخيرة، بين مشجعي قطبي الكرة المصرية عبر «السوشيال ميديا»، كنوع من المكايدات بينهما، حيث يقود «التحفيل» أنصار الفريق المنتصر بهدف الشماتة والاستهزاء بالخصم، الذي يكون ساخراً في الأغلب ومهيناً أحياناً.

وخلال المواسم الكروية الماضية، ظهر التحفيل بين الجانبين جلياً في أكثر من موقف، كان أبرزه ما لازم هدف محمد مجدي «أفشة» في «نهائي القرن» عام 2020، الذي توّج الأهلي ببطولة دوري أبطال أفريقيا على حساب غريمه الزمالك. وفي المقابل، كان حارس مرمى الأهلي وقائده محمد الشناوي في «مرمى التحفيل» عقب تركه مرماه والخروج من منطقة الـ18، وهو الخطأ الذي استغله لاعبو الزمالك في إحراز هدفهم الأول، والتتويج ببطولة كأس مصر 2021.

وتركزت ملامح التحفيل بفوز الأهلي، حول ثقة «الزمالكاوية» بالفوز بالمباراة، حيث تم تحويل ما تحدث به لاعبون سابقون ومدربون ومحللون إلى مادة للتهكم منهم بعد الهزيمة.

كما انصب جانب من التحفيل على تذكير جماهير الزمالك بتاريخ تفوق الأهلي في عدد البطولات أو المواجهات المباشرة، إلى جانب استرجاع صور وفيديوهات لمباريات سابقة شهدت فوز الأهلي بنتائج كبيرة.

وتحولت كلمات معلق المباراة أيمن الكاشف، «أيها الناس المكنة طلعت قماش»، على هدف محمود تريزيغيه، الثاني للأهلي، إلى مادة كبيرة للسخرية، كونها مستقاة من فيلم «عائلة زيزي» على لسان الفنان الراحل فؤاد المهندس.

كما طال «التحفيل» عدداً من مشاهير «الزملكاوية»، كان في مقدمتهم الإعلامي عمرو أديب.

خالد عبد الراضي، الخبير في إدارة وتحليل بيانات «السوشيال ميديا» في مصر والمملكة العربية السعودية، يقول لـ«الشرق الأوسط» إن «منصات التواصل الاجتماعي هي ما أبدعت مصطلح (التحفيل)، بل إنه عرف بمسماه الحالي من خلالها، عندما بدأ الجمهور يبتكر أدوات وصوراً ومقاطع فيديو وينشئ بها كوميكس على الجمهور المنافس، ثم تطور ليأخذ أشكالاً وقوالب مختلفة، ومع التفاعل الكبير الذي تشهده المنشورات الساخرة، ظهرت صفحات وحسابات مخصصة، هدفها الوحيد هو دعم الفريق الذي يشجعونه عبر محتوى فكاهي لاذع».

وأضاف: «مع هذا التطور تحوّل الأمر إلى صناعة رقمية حقيقية، وبدأت هذه الصفحات تحقق أرباحاً مالية ضخمة نتيجة لارتفاع معدلات الوصول والتفاعل غير المسبوقة، بالتالي أصبح التحفيل الرياضي شكلاً من أشكال المحتوى التفاعلي، وأكبر من مجرد وسيلة ترفيه».

ويشير عبد الراضي إلى أنه «في السنوات الأخيرة المحتوى الساخر لم يعد محصوراً على الصفحات العامة، بل أصبح هناك أشخاص ومنشئو محتوى متخصصون في هذه الصناعة، وبالتالي فنحن أمام وسيلة لتحقيق المكاسب المادية والشهرة، فهناك أسماء منشئي محتوى من المشاهير ينتمون للأهلي والزمالك، الذين يقومون على هذا النوع من المحتوى بشكل أساسي، وكثير منهم كانت شهرته الأولية وقائمة متابعيه الضخمة هي نتيجة مباشرة لنجاحه في التحفيل على القطب المنافس، حيث إن ما يقدمونه هو مادة خصبة ودائمة للتفاعل».

وأوضح أن «هذه الصناعة تمتد لمنصات مثل (تيك توك) و(يوتيوب) و(فيسبوك)، فالكوميكس والصور الساخرة لم تعد مجرد مشاركات عابرة، فالصورة تجلب أموالاً، والكوميكس يجلب أرباحاً».

بدوره، يوضح أحمد ناصر، وهو أحد القائمين على صفحة «حجز كورة خماسي»، على «فيسبوك»، التي تتخصص في المحتوى الرياضي الساخر، ويتابعها نحو 500 ألف متابع، أن «المحتوى الفكاهي على الصفحة لا يعتمد بالضرورة على تخطيط مسبق أو أفكار جماعية، بل يعتمد على الإلهام اللحظي المرتبط بـ(الترند) الرياضي اليومي».

وأضاف لـ«الشرق الأوسط»، أن «الهدف الأساسي من المحتوى التحفيلي هو مجرد الفكاهة ورسم البسمة»، مع التأكيد على أن هذا المحتوى يخضع لضوابط أخلاقية صارمة، بعيداً عن التنمر أو الإساءة، وعدم الدخول في جدالات أو خلافات.

وتطرق ناصر إلى تحول المحتوى التحفيلي إلى مصدر دخل رئيسي للعديد من الشخصيات في مصر، خصوصاً مع ازدياد أعداد متابعيهم، مشيراً إلى أن العديد من «التيكتوكر والبلوغرز» المعروفين يحققون أرباحاً كبيرة من خلال هذا النوع من المحتوى، لافتاً إلى أن هؤلاء الأشخاص نجحوا بفضل قدرتهم على تقديم «ميمز تضحّك المتابعين بطريقة لطيفة»، مما أدى إلى انتشارهم بشكل واسع وتحويلهم إلى أسماء معروفة في الأوساط الرياضية.

من جانبه، يوضح الناقد الرياضي المصري، محمد الهليس، أن «التحفيل ظاهرة مرتبطة بالمنافسة، بالتالي عمرها من عمر الانتماء وتشجيع الأندية في مصر، لكن تطوره مرتبط باختلاف شكل التواصل»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط»: «في السابق كان التحفيل محدوداً بين أفراد العائلة في البيت أو الأصدقاء على المقهى، أي مع أشخاص نعرفهم ولمدة محددة، ثم جاءت منصات التواصل لنرى تجاوزاً في حدود التحفيل، وصل إلى الاشتباك اللفظي لكون الأطراف الأخرى خارج دائرة المعارف، كما أن التحفيل يستمر لأيام وساعات متواصلة».

وعما إذا كان «التحفيل» يعكس تطوراً في ثقافة التشجيع أم انحداراً نحو التعصب، أجاب: «ردود فعل المشجعين الحقيقيين كما هي، والتعصب موجود أيضاً، لأن دائماً هناك نسبة متهورة لا يمكن السيطرة على ردود أفعالها، وهذه النسبة وجدت في التحفيل وسيلة سهلة للوصول إلى الشهرة، فالطريق الأسهل للشهرة والحصول على المشاهدات حالياً هو الظهور بمظهر المدافع عن النادي، إلى جانب السخرية من الطرف الآخر».

ويشير إلى أن «السيطرة على هذه النسبة كفيلٌ بوضع الشعرة الفاصلة بين التحفيل الرياضي المقبول الذي يهدف للفكاهة، والتعصب المرفوض الذي يهدف للإساءة».

شاركها.
Exit mobile version