عودة برشلونة إلى «كامب نو»: دموع وقلق وأمل بعد 909 أيام من الغياب

قال المدرب الألماني هانزي فليك، عقب فوز برشلونة على أتلتيك بلباو 4-0 مساء السبت، في أمسية وُصفت بالتاريخية: «منذ زمن طويل جداً كنت هنا (في «كامب نو» القديم) كنت قد أُقِلت من تدريب فريق في الدرجة الثالثة، وقلت لنفسي: يوماً ما سأقوم بتدريب برشلونة هنا في (كامب نو)… اليوم تحقق الحلم»، وذلك وفقاً لشبكة «The Athletic».

نادراً ما ظهر فليك بهذا القدر من الحماس أمام وسائل الإعلام، ولكن المناسبة كانت تستحق؛ فقد خاض برشلونة أول مباراة له في «كامب نو» بعد غياب دام 909 أيام، منذ انتقال الفريق إلى الملعب الأولمبي السابق في المدينة، بسبب مشروع التحديث الضخم الذي بلغت كلفته 1.5 مليار يورو، وبدأ في يونيو (حزيران) 2023.

كانت تلك أول مباراة لفليك في الملعب التاريخي، وأول ظهور لخمسة من لاعبي التشكيلة الأساسية في هذا الصرح الذي طال انتظاره. حتى النجم الشاب لامين جمال (18 عاماً) لم يسبق له اللعب هناك سوى مرة واحدة فقط.

ورغم أن محيط «كامب نو» ما زال يعجّ بالرافعات والورش، ويبدو من الخارج كأنه مشروع نصف مكتمل، فإن المشهد يختلف تماماً بمجرد الدخول إلى الاستاد. فالمقاعد الجديدة وطبقات الطلاء، مع الحفاظ على روح المكان الذي افتُتح عام 1957، أعطت الملعب مزيجاً من الحداثة والهوية. وكانت إدارة النادي حريصة على أن تبقى ملامح «كامب نو» الأصلية جزءاً من عملية التطوير.

في هذا الوقت من العام يكون الطقس بارداً في برشلونة، ولكن ذلك لم يمنع الجماهير من حضور هذا الحدث غير العادي. ورغم أن الطاقة الاستيعابية الحالية لا تتجاوز نصف العدد المستقبلي، فإن جميع التذاكر نفدت؛ إذ تراوحت أسعارها بين 199 يورو و589 يورو، مع خصم 20 في المائة لحاملي العضوية الموسمية.

وقالت إيلينا فورت، نائبة رئيس النادي، في حديث للصحافيين: «نحن ندرك أن الأسعار مرتفعة. ستجري مراجعتها خلال الفترة المقبلة. علينا أن نأخذ بعين الاعتبار المباريات التي اضطررنا لخوضها في ملعب (يوهان كرويف)، وما تبعه من خسائر في الإيرادات. إنها مرحلة مؤقتة».

في محيط الملعب، حرص كثيرون على توثيق لحظة العودة التاريخية قبل الدخول. تأثر بعض المشجعين إلى حد البكاء عندما شاهدوا المدرجات من الداخل لأول مرة منذ عامين ونصف.

جلس 45157 متفرجاً في هذه المباراة، وهو الحد الأعلى المسموح به حالياً وفق الترخيص المبدئي الصادر عن مجلس المدينة. وتأمل إدارة برشلونة في رفع السعة قريباً إلى 62500 مع افتتاح مدرج «غول نور»، بينما تستهدف الوصول إلى السعة الكاملة البالغة 105 آلاف متفرج في صيف 2027، رغم أن العمل في الطابق الثالث ما زال في بداياته.

وقالت إحدى المشجعات، مار لوبيز: «عودة قوية… إنه ليس مكتملاً، ولكن الشعور لا يُوصف». وأضاف مشجع آخر، تشافي كليمنتي: «الأجمل أن النادي حافظ على جوهر الملعب، مع لمسة عصرية واضحة».

ولكن بعض المشجعين أبدوا ملاحظات، مثل الشكوى من ضيق المقاعد الجديدة. وبينهم من تأثر بإعادة ترتيب المواقع المخصصة لكبار الشخصيات، ما أدى إلى نقل بعض المشجعين من أماكنهم القديمة.

وفي خلفية هذا المشهد، ظهرت أيضاً أثقال الماضي القريب: تأخر أعمال الصيانة لأسباب وصفت بأنها «خارجة عن الإرادة»، منها اكتشاف خط كهرباء عالي الجهد لم يكن مخططاً له، وإفلاس إحدى الشركات الموردة للحديد، وصعوبات في استقدام العمالة المختصة، إضافة إلى خلافات مع شركة «ليماك» المنفذة. ورغم ذلك، أكدت الشركة في يونيو الماضي أن المشروع يسير «وفق الجدول الزمني»، على أن يُستكمل في 2026.

كما شهدت المنطقة المحيطة بالملعب شكاوى من السكان بسبب الضوضاء والعمل حتى ما بعد منتصف الليل، ما أدى إلى فرض قيود على ساعات التشغيل وتأخير إضافي.

وقبل المباراة، قدم فريقان موسيقيان من كاتالونيا عروضاً خاصة، ولكن اللحظة الأكثر تأثيراً كانت عندما أدى كورال «أورفيو كاتالا» النشيد الرسمي للنادي عند دخول اللاعبين إلى أرض الملعب. وفي لفتة رمزية، أسند برشلونة ركلة البداية الشرفية إلى اثنين من أقدم أعضائه، جوري بيناس وخوان كانيلا، وكلاهما حضر افتتاح الملعب عام 1957.

ومع بداية المباراة، لم ينتظر البولندي روبرت ليفاندوفسكي سوى 4 دقائق ليسجل أول أهداف العودة، في مشهد استعاد ذكريات المباراة الافتتاحية للملعب عام 1957 أمام فريق من وارسو، عندما اتُّفق مسبقاً على أن يسجل برشلونة الهدف الأول… وهذه المرة جاء الهدف عبر لاعب من وارسو.

وتحت وابل من صافرات الاستهجان الموجهة نحو نيكو ويليامز الذي حاول برشلونة ضمه طوال عامين، انفجرت المدرجات احتفالاً بثلاثة أهداف إضافية عبر فيران توريس (هدفين) وفيرمين لوبيز، بينما تألق جمال بلمسات أظهرت أن مستقبل النادي سيكون في يد الجيل الجديد.

انتهت الليلة بنتيجة كبيرة وأجواء أكبر، وخرج المشجعون بشعور يشبه تماماً العودة إلى «البيت» بعد رحلة طويلة. ومع الألعاب النارية التي أضاءت سماء الملعب تزامناً مع إضاءة أنوار عيد الميلاد في المدينة، اختفت -ولو مؤقتاً- كل الخلافات والتأخيرات والانتقادات.

شاركها.
Exit mobile version