مصر تناقش تفاصيل مشاركتها العسكرية في بعثة حفظ السلام بالصومال

تتواصل المناقشات المصرية العسكرية بشأن المشاركة في بعثة حفظ السلام في الصومال، التي انطلقت أعمالها، مطلع العام الحالي، بهدف مواجهة أعمال حركة «الشباب»، «الإرهابية»، التي تشن هجمات بالصومال منذ نحو أكثر من عقد.

التحركات المصرية بدأت منذ الموافقة على المشاركة في أواخر 2024، وشهد الاثنين زيارات تمهيدية تصادفت مع استدعاء صومالي لدبلوماسي إثيوبي رفضاً لتصريحات بشأن دور القاهرة بالبعثة.

الوفد المصري يقوده اللواء إسلام رضوان ويعمل على تقييم نشر قوة مصرية في الصومال ضمن بعثة الاتحاد الأفريقي (وكالة الأنباء الصومالية)

تلك التطورات يراها خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» تشي بأن القاهرة تتحرك بخطوات مدروسة ومتدرجة، تبدأ بالمباحثات والتمهيد السياسي والأمني قبل أي نشر قوات فعلي، وقد تبدأ بمشاركة رمزية في البداية مثل وجود محدود أو تخصصي، ثم قد يتطور لحضور ميداني أكبر إذا توافرت البيئة السياسية والأمنية، معتبرين أن خطوة الاستدعاء الدبلوماسي رسالة قوية تعزز المشاركة المصرية.

وخلفاً لبعثة الاتحاد الأفريقي الانتقالية (أتميس)، التي انتهت ولايتها عام 2024، بدأت «بعثة الاتحاد الأفريقي لدعم الاستقرار في الصومال»، المعروفة باسم «أوصوم»، عملياتها رسمياً في يناير (كانون الثاني) الماضي، بعد اعتماد مجلس الأمن الدولي قراراً بشأنها في ديسمبر (كانون الأول) 2024، لفترة أولية مدتها 12 شهراً؛ بهدف دعم الصومال في مكافحة حركة «الشباب»، «الإرهابية»، التي تتصاعد عملياتها في الصومال منذ 15 عاماً.

واستقبل الأمين العام للقيادة العامة للجيش الصومالي، العميد محمد غودح بري، الاثنين، وفداً من القوات المسلحة المصرية يضم 16 عضواً، مؤكداً «أهمية تعزيز التعاون العسكري بين البلدين»، حسب وكالة الأنباء الصومالية الرسمية (صونا).

شملت زيارةُ الوفدِ تفقُّدَ المنشآتِ الرئيسية في مقديشو والمناطقِ الميدانية المرتبطة بنشر وتدريب ولوجستيات القوات المصرية (وكالة الأنباء الصومالية)

قاد الوفد المصري اللواء إسلام رضوان في «مهمة تقييمية تمهيداً لنشر قوة مصرية ضمن بعثة الاتحاد الأفريقي لدعم الاستقرار في الصومال (أوصوم)»، والتقى بالممثل الخاص لرئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي في الصومال ورئيس البعثة، وأكد الجانبان أهمية التنسيق الأمني المشترك بين القوات.

كما حضر الوفد إحاطة أمنية في مقر قوة «أوصوم»، استعرض خلالها الوضع الأمني والإجراءات الميدانية، وتفقد المنشآت الرئيسية في مقديشو والمناطق الميدانية المرتبطة بنشر وتدريب ولوجستيات القوات المصرية، وفق المصدر الصومالي ذاته.

والأحد، استقبل وزير الدولة بوزارة الدفاع عمر علي عبدي، بمقر الوزارة، الملحق العسكري بالسفارة المصرية لدى البلاد العقيد أحمد الحسيني، وبحث الجانبان سبل تعزيز التعاون الثنائي في مجالات الدفاع وتدريب وتأهيل القوات المصرية التي «ستنضم قريباً» إلى بعثة قوات حفظ السلام، وفق «صونا».

والثلاثاء الماضي، أعلنت وزارة الدفاع الصومالية، في بيان، «ختام أول دورة تدريبية لوحدات من القوات المسلحة المصرية، تمهيداً لانضمامها قريباً إلى بعثة (أوصوم) لدعم الأمن والاستقرار في الصومال، وتعزيز قدرات الجيش الوطني من خلال الهيكل الجديد للبعثة».

ولم تعلق مصر على هذه الاستعدادات لتلك القوات التي أعلن وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، في تصريحات صحافية، أواخر ديسمبر (كانون الأول) 2024، أنها ستشارك بالصومال «بناء على طلب الحكومة الصومالية، وترحيب من مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي».

ووقَّعت مصر والصومال، في أغسطس (آب) 2024، بروتوكول تعاون عسكري، واتفق البلدان حينها على مشاركة مصر في البعثة الأفريقية لحفظ السلام خلال الفترة من 2025 – 2029، ودعمت القاهرة مقديشو بمعدات عسكرية في سبتمبر (أيلول) الماضي.

ويرى نائب رئيس المجلس المصري للشؤون الأفريقية مساعد وزير الخارجية الأسبق السفير صلاح حليمة أن «هذه الخطوات مرتبطة بتنفيذ مصر قرار نشر قواتها في بعثة حفظ السلام لدعم واستقرار الصومال، في إطار التعاون الوثيق بين البلدين وحرص القاهرة على استقرار مقديشو»، لافتاً إلى أن القوات ستوجد في الوقت المناسب لذلك.

الوفدُ المصري في إحاطة أمنية في مقر قوة «أوصوم» (وكالة الأنباء الصومالية)

ويعتقد المحلل السياسي الصومالي، عبد الولي جامع بري، أن «الخطوة تعكس أن القاهرة تتحرك بخطوات مدروسة ومتدرجة، تبدأ بالمباحثات والتمهيد السياسي والأمني قبل أي نشر قوات فعلي»، موضحاً أن «مصر تريد أن تُظهر التزامها بدعم الصومال في إطار الشرعية الدولية (بعثة حفظ السلام)، وأيضاً أن تضع لنفسها موطئ قدم سياسياً وأمنياً في القرن الأفريقي، وهو مسرح حيوي بالنسبة لها».

ويرجح بري أن مصر تتحرك بخطوات محسوبة، ولن تقف عند مستوى الزيارات، موضحاً أن «هناك إشارات أنها تسعى لمشاركة رمزية في البداية مثل وجود محدود أو تخصصي مثل تدريب، هندسة عسكرية، دعم لوجستي، ثم قد يتطور لحضور ميداني أكبر إذا توافرت البيئة السياسية والأمنية».

وتوقيت وصول القوات المصرية مرتبط بعدة عوامل، حسب بري، مرتبط بمستوى التوتر مع إثيوبيا، والتنسيق مع الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة، وقبول الداخل الصومالي لهذه المشاركة.

وجاءت تلك الزيارات المصرية تزامناً مع تقارير صحافية نقلها إعلام صومالي، الأحد، تفيد بأن «وزارة الخارجية في الحكومة الفيدرالية الصومالية استدعت السفير الإثيوبي لدى الصومال، سليمان ديديفو، لاستجوابه بشأن تشكيكه في الأداء المتوقع للقوات المصرية المنضمة إلى بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال».

وأعرب ديديفو، في مقابلة مع قناة «يونيفرسال» الصومالية، قبل أيام، عن «استياء بلاده من نشر القوات المصرية في الصومال»، متوقعاً أن «يشكّل وجود القوات المصرية تحدياً سياسياً واستراتيجياً للقوات الإثيوبية (تقدر بنحو 4 آلاف جندي منذ 2014) في الصومال»، وفق ما ذكرته جريدة «أديس تريبيون»، وموقع «الصومال الجديد».

وسبق أن حركت إثيوبيا موجةً من الانتقادات عقب إعلان مصر المشاركة في قوات حفظ السلام بالصومال، وطالب وزير الخارجية الإثيوبي وقتها تاي أصقي سيلاسي، في أغسطس (آب) 2024، «بألا تشكّل البعثة تهديداً لأمنه القومي»، قائلاً: «هذا ليس خوفاً، لكنه تجنّب لإشعال صراعات أخرى بالمنطقة».

وأكد حليمة رفضه لـ«الانتقاد الإثيوبي»، مؤكداً أن «الوجود المصري في الصومال جاء بناء على اتفاقات قانونية بين القاهرة ومقديشو، وفي إطار الاتحاد الأفريقي، ويكتسب الشرعية القانونية التي ليست محلاً لأي اعتراض أو انتقاد»، مشيداً بالموقف الصومالي.

ويرى بري أن «استدعاء سفير إثيوبيا بسبب تصريحات بشأنه القوات المصرية رسالة دبلوماسية قوية من مقديشو، هدفها تأكيد سيادة القرار الصومالي، وأن مشاركة أي دولة في بعثات حفظ السلام شأن يخص الصومال أولاً، وليس من حق أديس أبابا أن تضع (فيتو) على مشاركة مصر».

ولفت إلى أن هذا الاستدعاء يعزز داخلياً صورة الحكومة الصومالية شريكاً يُدافع عن استقلال قراره، وإقليمياً: تعمّق التوتر الصومالي – الإثيوبي، خصوصاً مع خلفية ملف البحر الأحمر والاعتراف المحتمل لأديس أبابا بـ«أرض الصومال».

ويخلص بري إلى أن «مصر تتحرك تدريجياً نحو المشاركة، لكن لن تُغامر بقفزة سريعة والصومال من جهته يُظهر أنه متمسك بخياراته، حتى لو أغضبت أديس أبابا»، مؤكداً أن «هذا يفتح الباب لمرحلة جديدة من التوازنات في القرن الأفريقي».

شاركها.
Exit mobile version