أثار تلميح الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى «تبادلٍ محتملٍ للأراضي» بين كييف وموسكو، استنفاراً أوروبياً واسعاً، أطلق حملة اتصالات دبلوماسية مكثّفة لتعزيز كفّة أوكرانيا عشية قمّة ألاسكا بين سيدَي البيت الأبيض والكرملين. ومع استعادة روسيا السيطرة على كورسك في أبريل (نيسان) الماضي، وهي المنطقة الروسية الوحيدة التي احتلّتها أوكرانيا منذ بداية الحرب، تساءلت كييف عن طبيعة الأراضي التي قد «تتبادلها» مع موسكو، وجدّدت رفضها الحازم الانسحاب من أراضيها لصالح القوات الروسية.
فما الأراضي التي كان يشير إليها الرئيس الأميركي؟ وما حجم الأراضي التي تُسيطر عليها روسيا منذ غزوها أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022.
السيطرة الروسية
تُسيطر روسيا، وفق تقرير لوكالة «رويترز»، على نحو 114.500 كيلومتر مربع، أي ما يعادل 19 في المائة من أراضي أوكرانيا، بما في ذلك شبه جزيرة القرم، وجزء كبير من الأراضي في شرق وجنوب شرقي البلاد، وفقاً لخرائط مفتوحة المصدر لساحة القتال. ولا تُسيطر أوكرانيا على أي أراضٍ روسية معترفٍ بها دولياً.
وتزعم روسيا أن القرم ودونيتسك ولوغانسك وزابوريجيا وخيرسون، وهي المناطق التي اعترفت بها موسكو جزءاً من أوكرانيا عند انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1991، هي الآن جزء من روسيا. في المقابل، تؤكد أوكرانيا مراراً أنها لن تعترف بالاحتلال الروسي لأراضيها، كما تعترف معظم دول العالم بحدود أوكرانيا لعام 1991.
شبه جزيرة القرم
استولت القوات الروسية في عام 2014 على شبه جزيرة القرم، التي تقع على البحر الأسود جنوب أوكرانيا. وبعد استفتاء مثير للجدل على الانضمام إلى روسيا، ضمت موسكو الإقليم إليها. وتبلغ مساحته نحو 27 ألف كيلومتر مربع.
وفيما ترفض أوكرانيا التخلي عن القرم وتؤكّد أنها جزء لا يتجزّء من أراضيها، يُقرّ بعض المسؤولين الأوكرانيين سراً بصعوبة استعادتها بالقوة. وضُمّت القرم إلى الإمبراطورية الروسية في عهد كاثرين الكبرى في القرن الثامن عشر، وتأسس ميناء سيفاستوبول قاعدة للأسطول الروسي في البحر الأسود بعد ذلك بفترة قصيرة. وفي عام 1921، أصبحت القرم جزءاً من روسيا ضمن الاتحاد السوفياتي، وفي العام 1954، أُلحقت بأوكرانيا، التي كانت أيضاً جمهورية سوفياتية، بقرار من الأمين العام للحزب الشيوعي نيكيتا خروتشوف، وهو أوكراني الأصل.
دونباس
تسيطر روسيا على نحو 46.570 كيلومتراً مربعاً، أي 88 في المائة من إقليم دونباس في شرق أوكرانيا، بما في ذلك كامل منطقة لوغانسك، و75 في المائة من منطقة دونيتسك.
وتسيطر أوكرانيا على نحو 6.600 كيلومتر مربع من الإقليم، لكن روسيا تُركّز معظم عملياتها على جبهة دونيتسك، متقدمة نحو آخر المدن الكبرى المتبقية تحت سيطرة كييف. وكان انفصاليون مدعومون من روسيا، في منطقتي دونيتسك ولوغانسك، قد خرجوا عن سيطرة الحكومة الأوكرانية عام 2014، وأعلنوا أنفسهم «جمهوريتين شعبيتين» مستقلتين. واعترف بوتين بهما «جمهوريتين شعبيتين مستقلتين» في عام 2022، قبل أيام من غزو أوكرانيا.
زابوريجيا وخيرسون
تُسيطر القوات الروسية على نحو 74 في المائة من منطقتي زابوريجيا وخيرسون في جنوب شرقي أوكرانيا، أي ما يعادل نحو 41.176 كيلومتراً مربعاً. بينما تسيطر أوكرانيا على نحو 14.500 كيلومتر مربع في المنطقتين.
وقال بوتين عام 2024 إنه سيكون مستعداً للموافقة على السلام إذا انسحبت أوكرانيا من جميع المناطق التي تطالب بها روسيا ولم تسيطر عليها بالكامل بعد، وتخلّت رسمياً عن طموحاتها للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو).
وقال مصدران، لوكالة «رويترز»، إن بوتين قد يكون مستعداً للانسحاب من جيوب صغيرة من الأراضي التي يسيطر عليها في مناطق أخرى من أوكرانيا، إن وافقت كييف على شروطه.
وتشمل شروط بوتين للسلام تعهّداً قانونياً مُلزماً بعدم توسُّع «الناتو» شرقاً، وضمان «حياد» أوكرانيا، وتقييد قدراتها العسكرية، وحماية الناطقين بالروسية المقيمين فيها، والاعتراف بالمكاسب الإقليمية لروسيا.
خاركيف وسومي ودنيبروبتروفسك
بالإضافة إلى القرم ودونباس وزابوريجيا وخيرسون، تُسيطر روسيا على أجزاء صغيرة من مناطق خاركيف وسومي وميكولايف ودنيبروبتروفسك في أوكرانيا.
وفي منطقتي سومي وخاركيف، تسيطر على نحو 400 كيلومتر مربع. أما في دنيبروبتروفسك، فلروسيا جيب صغير قرب الحدود. وتقول روسيا إنها تُنشئ «منطقة عازلة» في سومي لحماية منطقة كورسك الروسية من الهجمات الأوكرانية.
خلاف حول الوضع القانوني للأراضي
تُصنّف موسكو «جمهورية القرم»، وسيفاستوبول، و«جمهورية لوغانسك الشعبية»، و«جمهورية دونيتسك الشعبية»، ومناطق زابوريجيا وخيرسون أقاليم تابعة للاتحاد الروسي. أما كييف، فتقول إنها أراضٍ أوكرانية.
معظم دول العالم لا تعترف بهذه المناطق بوصفها جزءاً من روسيا، مع بعض الاستثناءات. فقد اعترفت سوريا وكوريا الشمالية ونيكاراغوا بالقرم جزءاً من روسيا. وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة قد أعلنت في عام 2014 أن عملية الضم غير قانونية، واعترفت بالقرم جزءاً من أوكرانيا. وقد عارض القرار 11 بلداً. وغالباً ما يقارن بوتين بين مصير كوسوفو والقرم، متهماً الغرب بازدواجية المعايير حين اعترف باستقلال كوسوفو عام 2008 رغم معارضة صربيا، بينما يرفض الاعتراف بالقرم. وكانت روسيا قد عارضت استقلال كوسوفو.