تصدرت منصات التواصل في الهند مشاهد شخص غاضب يلوّح بسيف في شارع ضيق، وسط صرخات متقطعة وحالة من الفوضى والرعب بين المارة.
ولم تستغرق اللقطات سوى ثوان معدودة، لكنها سرعان ما اجتاحت المنصات الرقمية، وقدمها ناشروها باعتبار أنها “هجوم رجل مسلم على هندوسي وعائلته” لتتضاعف مشاركات الفيديو مصحوبة بتعليقات مشحونة ودعوات تحريضية.
ومع تصاعد الجدل، تحول المشهد إلى مادة طائفية ملتهبة في الفضاء الرقمي، كما بقيت الأسئلة الكبرى بلا إجابة: من هو الرجل الذي كان يلوّح بالسيف؟ وأين وقعت الحادثة على وجه الدقة؟ وهل كان وراءها دافع ديني كما روج، أم أن خلفية القصة مختلفة تماما؟
بداية القصة
منتصف أغسطس/آب الجاري، اجتاحت منصات التواصل في الهند موجة من المقاطع التي قدمت باعتبارها توثق هجوم “رجل مسلم على أسرة هندوسية في ولاية البنغال الغربية”.
وتداول الفيديو بكثافة ناشطون وحسابات على فيسبوك وإنستغرام وإكس، وأرفقوه بتعليقات مشحونة، بينما تجاوزت بعض المنشورات آلاف المشاركات والتعليقات في وقت قصير.
ولم يكن المشهد مجرد مقطع عابر، بل تحول سريعا إلى مادة خام للتجييش الرقمي، حملت خطابا معاديا للمسلمين، وساهمت في تأجيج الانقسام الطائفي عبر الفضاء الرقمي الهند.
यह देखलो हिन्दुओ यह वीडियो पश्चिम बंगाल में हिन्दुओं की स्थिति को दर्शाती है कि वहाँ हमारे हिन्दू किस प्रकार रह रहे हैं, जहां हिन्दू घटेगा मुसलमान बढ़ेगा वहां हिन्दू को इसी प्रकार काटा जाएगा।
जाग जाओ हिन्दुओ, अपनी संख्या को घटने मत दो। pic.twitter.com/cxunq6UDhS— Sheshmani Dube / मोदी का परिवार (@sheshmani_dube) August 13, 2025
دعوات للتسلح
لم يتوقف انتشار الفيديو عند حدود الحسابات المجهولة أو الصغيرة، بل وصل إلى حسابات موثقة وذات تأثير واسع، أعادت نشره مرفقا بنص موحد جاء فيه “انظروا، هذا الفيديو يوثق وضع الهندوس في البنغال الغربية وكيف يعيشون هناك الآن!”.
وبالتوازي، ساهمت حسابات أخرى على منصة “إكس” في تضخيم الرواية نفسها، مضيفة بُعدا تحريضيا وديموغرافيا ضد المسلمين، وصورتهم كـ”تهديد وجودي” وتبنت خطابا يحذر من “تزايد أعدادهم” في البنغال الغربية، في محاولة لدفع الخطاب العام نحو مواجهة طائفية مفتوحة.
وقد تجاوزت الحملة حدود الخطاب التحريضي المعتاد لتصل إلى دعوات صريحة للتسلح والعنف، ورافق انتشار الفيديو تعليقات مباشرة تحث الهندوس على حمل السلاح، من بينها “المجرمون مسلحون والملتزمون بالقانون عزل، ولن يزول هذا الخلل إلا بمواطنين مسلحين”.
كما ظهرت منشورات أخرى تحض على التسلح الجماعي، وصلت إلى حد التحذير العلني من العيش قرب أي مسلم من دون امتلاك السلاح، في انعكاس واضح لمدى خطورة التحريض الذي غذته اللقطات القصيرة عبر الفضاء الرقمي.
यह देखलो हिन्दुओ यह वीडियो पश्चिम बंगाल में हिन्दुओं की स्थिति को दर्शाती है कि वहाँ हमारे हिन्दू किस प्रकार रह रहे हैं, जहां हिन्दू घटेगा मुसलमान बढ़ेगा वहां हिन्दू को इसी प्रकार काटा जाएगा।
जाग जाओ हिन्दुओ, अपनी संख्या को घटने मत दो। pic.twitter.com/cxunq6UDhS— Sheshmani Dube / मोदी का परिवार (@sheshmani_dube) August 13, 2025
यह देखलो हिन्दुओ यह वीडियो पश्चिम बंगाल में हिन्दुओं की स्थिति को दर्शाती है कि वहाँ हमारे हिन्दू किस प्रकार रह रहे हैं, जहां हिन्दू घटेगा मुसलमान बढ़ेगा वहां हिन्दू को इसी प्रकार काटा जाएगा
जाग जाओ हिन्दुओ अपनी संख्या को घटने मत दो#pmmodiinuk pic.twitter.com/VRC9GGZk6c— Pinki Bhaiya (@BHUPENDER_HRD) August 13, 2025
الوقائع على الأرض
فريق “الجزيرة تحقق” تتبع خيوط القصة التي ضجت بها المنصات الرقمية، وتبين أنها “حادثة جنائية” لكن حسابات هندية أعادت إنتاجها بدافع “طائفي مضلل” لتضخيم الأمر وتحويل نزاع محلي بين جارين إلى خطاب كراهية عابر للمنصات.
وبمراجعة تفاصيل الحادثة -التي وقعت في 12 أغسطس/آب الجاري- توصلنا إلى أن الهجوم حدث في منطقة كابيلا كولوني التابعة لمدينة سامرالا بولاية البنجاب (شمالي الهند) ولم تسجل الواقعة التي وثقتها كاميرات المراقبة في البنغال الغربية، على عكس ادعاءات هذه الحسابات.
رواية زائفة
عند التدقيق في خلفيات الهجوم، برزت مفارقة لافتة وهي أن ولاية البنجاب التي شهدت الحادث لا تضم حضورا واسعا للمسلمين أصلا، إذ لا تتجاوز نسبتهم 1.9% وفقا لبيانات التعداد السكاني هناك.
كما أن أسماء المهاجم والضحايا جميعها تحمل الصيغة الشائعة بين أبناء الطائفة السيخية “سينغ” وهو ما أكدته وسائل الإعلام المحلية التي غطت الحادثة على نطاق واسع دون أي إشارة إلى وجود طرف مسلم.
ورغم ذلك، أعادت حسابات على المنصات الرقمية صياغة القصة ضمن رواية طائفية زائفة، قدّمت المهاجم على أنه “مسلم” وزعمت أن الهجوم وقع بالبنغال الغربية، في محاولة لتوظيف مشهد جنائي محلي لصناعة سردية تحريضية ضد المسلمين.
تحقيق الشرطة
وكشفت التحقيقات التي أجرتها شرطة البنجاب أن الحادث وقع عندما باغت سوريندر سينغ جاره المحامي أثناء خروجه من المنزل على دراجته النارية، فهاجمه بسيف حاد، وعندما هرعت زوجته ووالدته لمساعدته، أصيبتا بدورهما في الهجوم.
وأوضح الضابط المساعد للتحقيق دافيندر سينغ أن الشرطة سجلت ضد المتهم قضايا جنائية تتعلق بالتسبب المتعمد في الأذى، والاحتجاز غير المشروع، ومحاولة القتل، مؤكدا أنه تم توقيفه وإحالته إلى العدالة.
وبهذا، تضع رواية الشرطة نهاية واضحة للأحداث الميدانية، لكنها تكشف في الوقت نفسه كيف جرى تحويل جريمة جنائية محلية لأداة تضليل رقمي غذت خطاب الكراهية الطائفية ضد المسلمين عبر منصات التواصل.