مع سقوط حكومة فرنسوا بايرو شبه المؤكد الاثنين، يجد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون نفسه مجدداً أمام معادلة سياسية شائكة لإيجاد خامس رئيس للوزراء منذ إعادة انتخابه في مايو (أيار) 2022.
وتشهد فرنسا فترة عدم استقرار سياسي غير مسبوقة في ظل الجمهورية الخامسة التي قامت في عام 1958، منذ قرار رئيس البلاد حل الجمعية الوطنية في يونيو (حزيران) 2024، بعد تحقيق اليمين المتطرف فوزاً مدوياً في الانتخابات الأوروبية.
وأفرزت الانتخابات التشريعية المبكرة التي تلت، 3 كتل من دون غالبية واضحة (تحالف يساري وآخر لليمين الوسط، وثالث لليمين المتطرف) تجعل المواجهة فيما بينها من أي ائتلاف حكومي هشاً للغاية.
وطالب رئيس الوزراء بتصويت على الثقة بحكومته على أساس مشروع ميزانية عام 2026 الذي ينص على اقتصاد في النفقات قدره 44 مليار دولار، وإلغاء يومي عطلة رسمية للجم الدين المطرد للبلاد الذي يشكل 114 في المائة من إجمالي الناتج المحلي.
وأعلن اليسار واليمين المتطرف أنهما سيصوتان ضد المشروع، ما يجعل من سقوط الحكومة أمراً محتوماً، ويفتح الباب أمام مرحلة جديدة من عدم اليقين السياسي في ثاني أكبر اقتصاد بالاتحاد الأوروبي.
حكومة جديدة: انتخابات أم استقالة؟
دعا مسؤولو التجمع الوطني (اليمين المتطرف) إلى «حل سريع جداً» للجمعية الوطنية. وتظهر نتائج استطلاعات الرأي الأخيرة أن «التجمع» سيحل الأول في الدورة الأولى من انتخابات محتملة. وتطرق ماكرون إلى هذا الاحتمال، مؤكداً أنه لا يريد اللجوء إليه، من دون أن يستبعده بالكامل رسمياً. أما حزب «فرنسا الأبية» اليساري الراديكالي فيدعو من جهته إلى استقالة إيمانويل ماكرون.
ويرى ماتيو غالار من معهد «إيبسوس» أن حل البرلمان «لن يغير على الأرجح» المُعطى، مؤكداً «استناداً إلى أن نتائج استطلاعات الرأي في الأيام الأخيرة تبقي موازين القوى عموماً على حالها تقريباً مقارنة بعام 2024».
وأظهرت نتائج استطلاع للرأي نشر الخميس، أن 64 في المائة من الفرنسيين يريدون انتخابات رئاسية مبكرة. لكن الرئيس الفرنسي أكد نهاية أغسطس (آب)، أنه سيكمل ولايته حتى نهايتها في 2027. ويبقى خياره المفضل إيجاد رئيس جديد للوزراء.
حكومة، لكن بمشاركة من؟
كان الحزب الاشتراكي الذي له 66 نائباً الأكثر استعداداً لطرح البديل، مقترحاً ميزانية مع اقتطاع 22 ملياراً تستند خصوصاً على ضريبة نسبتها 2 في المائة على الثروات التي تزيد على 100 مليون يورو، فضلاً عن تعليق إصلاح النظام التقاعدي العائد لعام 2023، إلا أن الحصول على دعم الغالبية على أساس هذا البرنامج لن يكون سهلاً. فقد يثير هذا الخيار انسحاب حزب «الجمهوريين» اليميني (49 نائباً) من الائتلاف الحكومي الحالي، وعلى الأرجح حزب «آفاق» (أوريزون) بزعامة رئيس الوزراء السابق إدوار فيليب (يمين الوسط، 34 نائباً)، وحتى «الحركة الديمقراطية» (موديم) بزعامة فرنسوا بايرو (وسط، 36 نائباً).
وفي معسكر اليسار، يندد حزب «فرنسا الأبية» (71 نائباً) حليف الاشتراكيين خلال انتخابات العام الماضي، بـ«طبخة كريهة» ستقود الحزب الاشتراكي إلى الحكم مع أوساط ماكرون.
ويبقى الحل ربما برئيس وزراء لا ينتمي إلى الحزب الاشتراكي، ويكون مقبولاً لدى شريحة واسعة، بدءاً باليمين الوسط، ووصولاً إلى الحزب الاشتراكي.
ويرى برونو كوتريس الخبير السياسي في يفيبوف، أن ما من كتلة راهناً تملك شرعية انتخابية لإجراء إصلاحات واسعة على غرار ما كان يريد بايرو القيام بها. ويوضح: «ربما يكون الحل بالقول: تجب تهدئة الوضع على أن تناقش المالية العامة بشكل واسع في عام 2027، ومحاولة إيجاد شخصية تعكس نوعاً من التهدئة حيال الأسواق المالية والبلاد»، ذاكراً اسم رئيسة الجمعية الوطنية يائيل برون-بيفيه ووزير الاقتصاد إريك لومبار.
هل فقد الفرنسيون أوهامهم؟
تأتي هذه الأزمة السياسية الجديدة في إطار جو من التشكيك بالسياسيين «الذين لم يثبتوا فاعلية في الاستجابة لمشاكل البلاد»، على ما رأى 90 في المائة من الفرنسيين في استطلاع للرأي نشرت نتائجه الأربعاء.
يضاف إلى ذلك أن نداءً يسري عبر وسائل التواصل الاجتماعي منذ الصيف، يدعو إلى «تعطيل الحركة بالكامل» في 10 سبتمبر (أيلول).
وتشمل هذه التعبئة متعددة الأشكال التي لا يمكن توقع حجمها، أطرافاً لا يندرجون في أي حزب، لكنهم يميلون عادة لليسار مثل «السترات الصفراء»، وناشطين من أحزاب سياسية مثل «فرنسا الأبية»، ونقابات مثل الاتحاد العمالي العام الذي دعا إلى إضراب في ذلك اليوم.
وفي 18 سبتمبر، دعت كل المنظمات النقابية إلى إضراب وإلى مظاهرات. وفي حال كانت ناجحة، فقد تضغط هذه المظاهرات على المداولات الحكومية على ما يرى ماتيو غالار، موضحاً: «ستضعف الرئيس، وتدفع القوى اليسارية والتجمع الوطني إلى نوع من المزايدات».