انسحابان غير متوقعين أحدهما من فريق الوسيط الأميركي والآخر لوفد إسرائيل التفاوضي، من مفاوضات بدأت قبل نحو شهر في الدوحة لبحث وقف إطلاق النار في قطاع غزة، عقب تقديم حركة «حماس» ردها للوسطاء.

الانسحاب المتزامن فتح تساؤلات بشأن تعثر المفاوضات، غير أن مصدراً مصرياً أكد الجمعة، انعقاد جولة جديدة الأسبوع المقبل.

ويعتقد محلل مصري وآخر فلسطيني تحدثا لـ«الشرق الأوسط» أن تلك الخطوة المتفق عليها أميركياً وإسرائيلياً «ستشل مؤقتاً» المفاوضات وستفرض بدائل محتملة صعبة أمام «حماس»، أحدها تصعيد مشترك من واشنطن وحكومة بنيامين نتنياهو تجاهها، والآخر التنازل والقبول بالمطروح بشأن عدم التوسع في طلب الانسحابات الإسرائيلية وعدم المطالبة بضمانات أكبر بشأن وقف الحرب.

وبخلاف السبب المعلن للانسحاب الأميركي – الإسرائيلي للتشاور، يرى المحللان أن تلك الخطوة تأتي بالتنسيق بين واشنطن ونتنياهو لمزيد من الضغط على «حماس» لعدم فرض أي تعديلات جديدة أو احتمال وجود معلومة استخباراتية بالتوصل لرهائن قد تؤخر المفاوضات قليلاً، وأكدا أنه حال عادت المفاوضات الأسبوع المقبل ستكون «الجولة صعبة للغاية» على الحركة الفلسطينية.

وأعلن المبعوث الأميركي، ستيف ويتكوف، الخميس، في منشور على «إكس»: «قرّرنا إعادة فريقنا من الدوحة لإجراء مشاورات بعد ردّ (حماس)، الذي يُظهر بوضوح عدم رغبتها في التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة»، وذلك بعد وقت قصير من إعلان مكتب نتنياهو، في بيان الخميس، أنه «في ضوء رد حماس تقرر إعادة فريق التفاوض لإجراء مشاورات إضافية في إسرائيل».

فيما ردت «حماس»، في بيان، ليل الخميس – الجمعة بأنها «تستغرب تصريحات ويتكوف السلبية في وقت عبّر فيه الوسطاء عن ترحيبهم وارتياحهم للموقف البنّاء والإيجابي في الرد»، مؤكدة «حرصها على استكمال المفاوضات، والانخراط فيها بما يساهم في تذليل العقبات والتوصّل إلى اتفاق دائم لوقف إطلاق النار».

تصاعد الدخان في أعقاب غارة إسرائيلية على جباليا شمال قطاع غزة خلال وقت سابق (أ.ف.ب)

واتهم عضو المكتب السياسي لحركة «حماس»، باسم نعيم، في حديث لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، الجمعة، ويتكوف بـ«مخالفة السياق الذي جرت فيه جولة المفاوضات الأخيرة»، مضيفاً: «هو يعلم ذلك تماماً، ولكنها تأتي في سياق خدمة الموقف الإسرائيلي».

والتغير في الموقف الأميركي الإسرائيلي يأتي بعد تسريبات إعلامية نقلها مسؤول إسرائيلي لموقع «أكسيوس» الأميركي، تفيد بأن «هناك تحسناً في رد حماس، الآن لدينا شيء للعمل عليه»، مشيراً إلى أن «الاستجابة الجديدة تفتح المجال أمام مواصلة المفاوضات»، بخلاف تأكيد الوسيط الأميركي، بشارة بحبح في منشور بحسابه على «فيسبوك»، الخميس، أن «رد حماس كان واقعياً وايجابياً وعلى إسرائيل الدخول في مفاوضات جدية وسريعة للتوصل إلى وقف إطلاق النار».

ورد «حماس» محل الجدل الحالي، بحسب صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية ومصدر تحدث لـ«رويترز» الخميس، يتضمن اعتراضات على عمق الانسحاب الإسرائيلي ومطالبة الحركة بانسحاب أكبر والاعتراض على عدم وجود التزام قاطع بتثبيت الاتفاق واستمرار مفاوضات وقف الحرب.

مستشار «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، الدكتور عمرو الشوبكي، يعتقد أن تلك الانسحابات «تشل المفاوضات مؤقتاً»، موضحاً أن الموقف الأميركي – الإسرائيلي كان «مفاجئاً بعد تفاؤل حذر بإبرام اتفاق الأيام الماضية، وهو يستهدف مزيداً من الضغوط على حماس للقبول بما هو مطروح، لا سيما عدم التوسع في الانسحابات الإسرائيلية من القطاع وغياب ضمانات كاملة لوقف الحرب». ويرى أن المفاوضات ستدور في تلك الدائرة المفرغة حول معضلتي عدم الانسحاب الكامل وعدم الالتزام بضمانات، ومن ثمّ فالموقف الحالي بعد التفاؤل الحذر نحو إبرام اتفاق تغير فجأة إلى تجديد الصعوبات.

ويصف المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، الانسحاب من الوسيط الأميركي بأنه «انقلاب على ملامح المقترح دعماً للموقف الإسرائيلي بشأن خرائط الانسحاب»، موضحاً أن هذا الموقف الأميركي يشير إلى اتفاق وتنسيق مع إسرائيل على خط فاصل أو أحمر على عدم قبول انسحابات جديدة تعطل إنشاء المدينة العازلة التي تستهدف تهجير الفلسطينيين. وتوقع الرقب أن يكون «هذا الانسحاب تكتيكياً وهو بمثابة شلل مؤقت دون عرقلة أو إفشال بهدف الضغط على (حماس) في أي جولة مقبلة»

وبالفعل لا يزال بين الخيارات والبدائل العودة للمفاوضات الأسبوع المقبل، ونقلت قناة «القاهرة الإخبارية» الفضائية، الجمعة، عن مصدر مصري لم تكشف عن هويته، قوله إن «الوفد الإسرائيلي غادر (الدوحة) بعد تلقيه رد حماس، على أن تستأنف المفاوضات مرة أخرى خلال الأسبوع المقبل بعد دراسة عرض حماس».

رد فعل فلسطينية على مقُتل أحد أقاربها في غارات إسرائيلية قرب مستشفى الشفاء بغزة (أ.ف.ب)

بينما تتحدث واشنطن وإسرائيل عن بدائل بلهجة حادة، وقال نتنياهو، الجمعة، إن «إسرائيل تدرس الآن مع حليفتها الولايات المتحدة خيارات بديلة لإعادة الرهائن»، غداة إعلان ويتكوف أن واشنطن ستدرس «خيارات أخرى لإعادة الرهائن»

وقال الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، الجمعة، للصحافيين إن «(حماس) لا ترغب في إبرام اتفاق، وتريد أن تموت»، مضيفاً: «لقد وصلنا الآن إلى آخر الرهائن، وهم يعلمون ما سيحدث بعد استعادة آخر الرهائن. ولهذا السبب تحديداً، لم يرغبوا في عقد أي اتفاق»، بحسب ما أوردته «وكالة الصحافة الفرنسية».

ورغم لغة التهديد المسيطرة على خطاب نتنياهو وترمب، أعلنت إذاعة الجيش الإسرائيلي عن مسؤول عسكري، قوله إن إسرائيل ستسمح للدول الأجنبية بإسقاط المساعدات بالمظلات إلى غزة ابتداء من الجمعة. وقال مسؤول إسرائيلي لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، الجمعة، إن «عمليات إلقاء المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة ستستأنف في الأيام المقبلة، بالتنسيق مع الإمارات والأردن».

أكدت مصر وقطر، الجمعة، تواصل جهودهما الحثيثة في ملف الوساطة بقطاع غزة، بهدف التوصل إلى اتفاق يضع حداً للحرب، وينهي المعاناة الإنسانية في القطاع، ويضمن حماية المدنيين وتبادل المحتجزين والأسرى. وأشارت الدولتان إلى إحراز بعض التقدم في جولة المفاوضات المكثفة الأخيرة، التي استمرت لمدة ثلاثة أسابيع. كما أكدتا أن تعليق المفاوضات لعقد المشاورات قبل استئناف الحوار مرة أخرى «يعد أمراً طبيعياً في سياق هذه المفاوضات المعقدة».

ودعت الدولتان إلى عدم الانسياق وراء تسريبات تتداولها بعض وسائل الإعلام، التي وصفتاها بـ«محاولات للتقليل من هذه الجهود والتأثير على مسار العمل التفاوضي»، مشددتين على أن «هذه التسريبات لا تعكس الواقع وتصدر عن جهات غير مطلعة على سير المفاوضات».

كما دعت الدولتان وسائل الإعلام الدولية إلى «التحلي بالمسؤولية وأخلاقيات مهنة الصحافة، وتسليط الضوء على ما يجري في القطاع من معاناة غير مسبوقة، لا أن تلعب دوراً في تقويض الجهود التي تسعى لإنهاء الحرب على القطاع». وأكدت الدولتان، بالشراكة مع الولايات المتحدة الأميركية، التزامهما باستكمال الجهود وصولاً إلى اتفاق شامل لوقف إطلاق النار في القطاع.

ونقلت «رويترز» الجمعة، عن وزارة الصحة في غزة تقديرات بأن أكثر من 100 شخص لقوا حتفهم جوعاً في القطاع الفلسطيني منذ أن منعت إسرائيل وصول الإمدادات إليه في مارس (آذار) الماضي، وفي أول أسبوعين من يوليو (تموز) الحالي، عالجت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) 5000 طفل يعانون من سوء التغذية الحاد في غزة.

ويرى الشوبكي أنه رغم هذا التصعيد «هناك فرصة» للعودة للمفاوضات الأسبوع المقبل، لكن مع اصطدام بمعضلتي الانسحاب وضمانات وقف الحرب واحتمال أن نرى جولة صعبة للغاية على «حماس»، مرجحاً أن يكون الحديث المتصاعد عن البدائل احتمال وجود معلومات استخبارية بالتوصل لرهائن كأحد الاحتمالات لهذا التغير المفاجئ في الموقف الأميركي الإسرائيلي بخلاف ممارسة الضغوط.

فيما يتوقع الرقب أن يعود جميع الأطراف للمفاوضات بشكل طبيعي وتحدث تغييرات دراماتيكية الأسبوع المقبل تقودنا لاتفاق رغم الصعوبات المحيطة بالمحادثات والتصعيد المحتمل من واشنطن ونتنياهو، الذي قد يكون من بين بنوك أهدافه عودة سياسة الاغتيالات لقادة «حماس».

شاركها.
Exit mobile version