واشنطن- مع حلول الذكرى السنوية الأولى لاغتيال الزميلة شيرين أبو عاقلة، لا تترك إدارة الرئيس جو بايدن فرصة إلا وتتجاهل معها عملية القتل في محاولة واضحة لطي هذه الصفحة لما تسببه لها من إحراج وعجز أمام ما تتمتع به إسرائيل من نفوذ وهيمنة على الرئيس بايدن وكبار مساعديه.
وأكدت مواقف الإدارة الأميركية، كما عبّرت عنها البيانات الرسمية إضافة لردود المتحدثين سواء باسم البيت الأبيض أو وزارة الخارجية، ناهيك عن تجاهل التحقيقات التي يجريها مكتب التحقيقات الفدرالي (FBI)، ومكتب المنسق الأمني الأميركي بين الفلسطينيين والإسرائيليين الجنرال مايكل فينزل، رغبة إدارة بايدن في عدم الحديث عن عملية القتل، وتحقيقاتها، وتبعاتها القانونية، والسياسية.
وخلال مشاركته في منتدى لصحفية “واشنطن بوست” بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة في الثالث من هذا الشهر، هاجمت إحدى الحاضرات وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن، وصرخت في وجهه بالقول “لا كلمة واحدة عن الصحفية شيرين أبو عاقلة، التي قُتلت من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين”، قبل أن يُخرجها رجال الأمن خارج الصالة.
تجاهل كامل
وشهد اليوم العالمي لحرية الصحافة في الثالث من الشهر الجاري صدور 3 بيانات رسمية أميركية من الرئيس بايدن، ومن وزير الخارجية بلينكن، ومن السفيرة الأميركية بالأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد، وتجاهلت البيانات الثلاثة حادثة اغتيال شيرين أبو عاقلة على الرغم من ذكر بيان بايدن أن “لا ينبغي لأي صحفي -أميركيا كان أم لا- أن يدفع حياته ويضحي بسبل عيشه سعيا وراء هذه الحقيقة”.
وذكر بايدن أن “إيفان غيرشكوفيتش (صحفي جريدة وول ستريت المحتجز بتهمة التجسس في روسيا) وأوستن تايس (المختفي في سوريا منذ 11 عاما) لا يفارقان تفكيري اليوم”، مضيفا “نقف جميعا إلى جانب الصحفيين في جميع أنحاء العالم، ويجب علينا أن نعلي الصوت ضد أولئك الذين يرغبون في إسكاتهم، ويجب علينا جميعا أن نواصل دعم الصحافة الحرة الضرورية لديمقراطيتنا وللديمقراطيات في كل مكان”.
في حين قالت السفيرة غرينفيلد “اسمحوا لي أن أوضح أنه لا ينبغي أن يتعرض أي عضو من الجسم الصحفي للتهديد أو الاعتقال أو الاعتداء الجسدي من قبل أي جهة بسبب قيامه بعمله”، مضيفة أن منظمة اليونسكو تشير إلى مقتل 86 صحفيا في عام 2022، بزيادة قدرها 50% على العام السابق.
وأوضحت غرينفيلد أن “من المثير للقلق أن مرتكبي هذه الجرائم يفلتون من العقاب في 9 من كل 10 قضايا، ونحن نكرّم ذكرى من فقدوا حياتهم أثناء أداء واجبهم ونحث الحكومات الأخرى على محاسبة الجناة”، ولم يختلف بيان الخارجية الأميركية عن البيانين السابقين.
إسرائيل الاستثناء
من جانبه، قال خبير العلاقات الدولية بمعهد ديمقراطية العالم العربي الآن آدم شابيرو، للجزيرة نت، إن “كل البيانات الرسمية الأخيرة المتعلقة بالصحافة وحرية وحماية الصحفيين أظهرت عدم اكتراث إدارة بايدن باغتيال الراحلة شيرين أبو عاقلة، مشيرا إلى أن بايدن لم يشر إلى اغتيال شيرين خلال مشاركته وحضوره حفل جمعية مراسلي البيت الأبيض، وقبلها بيانه في اليوم العالمي لحرية الصحافة، في حين أشار إلى صحفيين آخرين.
وأرجع شابيرو سبب اختيار إدارة بايدن عدم الاكتراث بمقتل شيرين أبو عاقلة إلى عاملين، “الأول أن قاتلها هو الجيش الإسرائيلي، وهناك نفوذ طاغ لإسرائيل على الإدارة، وهناك اللوبي القوي لها والضغط من جانب حلفائها في الكونغرس. والسبب الثاني كونها مراسلة لشبكة الجزيرة، وسبق للولايات المتحدة نفسها قتل صحفيين من الجزيرة خلال تغطيهم للغزو العراقي أو احتلال أفغانستان”.
وفي حديث مع الجزيرة نت، أشار السفير ديفيد ماك مساعد وزير الخارجية السابق لشؤون الشرق الأوسط والخبير حاليا بالمجلس الأطلسي، إلى أن إدارة بايدن واصلت إثارة هذه المسألة في اتصالاتها الدبلوماسية مع المسؤولين الإسرائيليين لكن خلف الكواليس.
وأكد ماك أن هناك ميلا طبيعيا “لدى القادة السياسيين الأميركيين لعدم اتخاذ موقف علني قوي ضد إسرائيل”.
من جانبه، اتهم شابيرو إدارة بايدن بعدم الأمانة مع الشعب الأميركي، ولا مع عائلة الراحلة شيرين أبو عاقلة، بعد أن خدعتهما الإدارة بالادعاء أنها تبحث عن الحقيقة وراء مقتل شيرين، ومن هنا تحاول إدارة بايدن بكل الصور طي صفحة مقتل شيرين أبو عاقلة، حسب قوله.
تحقيقات لا تتحرك
خلص الجيش الإسرائيلي، إلى أنه لن يكون من الضروري إجراء تحقيق جنائي لأن اغتيال شيرين كان خطأ، في حين انتهت تحقيقات مستقلة أجرتها عدة مؤسسات إخبارية، بما في ذلك واشنطن بوست وأسوشيتد برس ونيويورك تايمز، إلى أن الاحتمال الأكبر أن يكون جندي إسرائيلي قد أطلق الرصاصة القاتلة.
بعد مرور عام، لم يحاسب أي شخص على مقتل شيرين، على الرغم من الدعوات لإجراء تحقيق مستقل وموثوق من قبل عائلتها، ومن جانب لجنة حماية الصحفيين الدولية، ومن جانب مسؤولين أميركيين رفيعي المستوى.
ولا تكترث إدارة بايدن كذلك لمطالب عدد من أعضاء مجلس الشيوخ مثل السيناتور كريس فان هولين من ولاية ميريلاند بضرورة الاطلاع على مصير التحقيقات التي يجريها مكتب التحقيقات الفدرالي في حادثة شيرين.
ويقول آدم شابيرو إن “مكتب التحقيقات الفدرالي من جانبه لا يخبرنا عن نتائج التحقيقات التي أعلن عن البدء فيها قبل 6 أشهر في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، ولا يخبرنا عما إذا كانت تتعاون إسرائيل في هذه التحقيقات أم تعرقلها، وينزع تجاهل إدارة بايدن لهذه التحقيقات أي شرعية أميركية رسمية في المطالبة بمحاسبة المسؤولين عن عملية القتل”.
ويشير شابيرو كذلك إلى أنه ودون أن تخبرنا “إف بي آي” (FBI) إذا ما كانت قد توصلت تحقيقاتها إلى تحديد هوية الجندي الذي أطلق الرصاصة التي قتلت شيرين، أو اسم الضابط قائد الوحدة التي ينتمي إليها هذا الجندي، يبقى من الصعب تحريك دعوى أمام المحاكم الأميركية للنظر في حادثة مقتل شيرين.
بدوره، أشار موقع أكسيوس مؤخرا إلى أن المنسق الأمني الأميركي لإسرائيل والسلطة الفلسطينية قد أرسل مؤخرا إلى وزارة الخارجية تقريرا جديدا حول وفاة الزميلة شيرين أبو عاقلة، ولم يتم نشر فحوى التقرير، وتجاهلت وزارة الخارجية طلب بعض أعضاء الكونغرس بالاطلاع على التقرير.
وفي حديثه مع الجزيرة نت، قال السفير ديفيد ماك مساعد وزير الخارجية السابق لشؤون الشرق الأوسط والخبير حاليا بالمجلس الأطلسي، إلى أنه “يمكن للمرء أن يتخيل تحركا دبلوماسيا في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، أو قضية تُرفع أمام المحكمة الجنائية الدولية”.
وأعرب ماك عن اعتقاده بأنه في هذه الحالات سيرى معظم الأميركيين أنه من المناسب ألا تعارض إدارة بايدن مثل هذا الإجراء الدولي، ومن غير المرجح أن تبادر إدارة بايدن بمثل هذا الإجراء بنفسها، على الرغم من أنه من الواضح أن لديها وضعا قانونيا يسمح لها بذلك كون شيرين مواطنة أميركية، على حد قوله.