الحسكة- بعد أيام من محاولات قوات سوريا الديمقراطية (قسد) التمدد في مناطق سيطرة الحكومة السورية، يتجدد الجدل حول دوافعها وحدودها واحتمالات التصعيد المقبل.

وشهدت خطوط التماس بين الجيش السوري و”قسد” شمالي البلاد مناوشات متقطعة، فتحت الباب أمام تساؤلات أوسع عن مستقبل العلاقة بين الطرفين.

وجاءت الاشتباكات الأخيرة، الأربعاء، وسط تصاعد التوترات السياسية، مما دفع مراقبين إلى اعتبارها رسائل ضغط محسوبة، بينما يُحذِّر آخرون من انزلاق نحو صدام أشمل. وهنا يطرح السؤال نفسه: هل تمثل هذه التحركات مجرد تكتيك عابر، أم بداية لتحول إستراتيجي في مسار العلاقة بين دمشق وقسد؟

شبكات | قصف متبادل بين الجيش السوري وقوات قسد.. هل ينهار الاتفاق؟

اتهامات ورسائل

من جهتها، وصفت دمشق الحادث بأنه “عمل عسكري منظم”، مؤكدة أن “قسد” تواصل خرق الاتفاقات، وأنها سترد على أي هجوم جديد لحماية قواتها.

وقالت إدارة الإعلام والاتصال في وزارة الدفاع السورية للجزيرة نت إن تسلّل مجموعتين من “قسد” إلى نقاط انتشاره في تل ماعز شرقي حلب كان “عملية منظمة” لا حادثا عرضيا.

وفي المقابل، اتهمت “قسد” مجموعات “غير منضبطة” تابعة للحكومة السورية باستفزازها في محور دير حافر وحلب. وقالت في بيان لها إن التحركات تضمنت تحليق طائرات مُسيَّرة تابعة لتلك المجموعات، واعتبرت ذلك انتهاكا لوقف إطلاق النار وتهديدا للمدنيين.

ويرى المحلل السياسي بسام سليمان أن التصعيد مرتبط بتوتر مسار التفاوض، إذ قرأت “قسد” التحولات الإقليمية والدعوة الفرنسية “بشكل مختلف، وروّجت لنفسها كبديل عن الحكومة”.

ويشير إلى أن “قسد” تريد بعث رسائل بأن سوريا تحت حكم هذه السلطة غير مستقرة، وفي الوقت نفسه تروج لنفسها عبر المؤتمر الذي عقد في الحسكة أنها تحتوي على جميع مكونات الشعب السوري.

وأضاف للجزيرة نت أن “قسد” تسعى لإظهار دمشق كتهديد للمكونات، في حين تقدم نفسها كمظلة جامعة لها، مع تعزيز أوراقها التفاوضية وإظهار الحكومة كسلطة طائفية عاجزة عن إدارة التنوع.

عناصر من “قسد” حيث يرى مراقبون أن الاتفاقات بينها وبين الجيش السوري هشة (الأناضول)

إثبات وجود

من جهته، يرى الباحث السياسي عماد مصطفى أن خطوة “قسد” تحمل رسالة مزدوجة:

  • إظهار القدرة على المبادرة وتوجيه إنذار بأن أي محاولة لاستغلال انشغالها لن تمر بلا رد.
  • اختبار مرونة قواعد الاشتباك واحتمالات التصعيد في المستقبل.

ويضيف مصطفى، الذي يقيم في الحسكة، أن “دمشق تريد تثبيت حضورها كرمز للسيادة، وقسد تسعى لقطع الطريق على أي تمدد يخلّ بتوازن القوى في مناطقها”.

ورجَّح ألا يتحول التوتر الأخير إلى مواجهة كاملة “لأن الطرفين يدركان كلفة الانزلاق إلى صراع شامل”، ومع ذلك يرى أنه إذا تراكمت حوادث مماثلة، مع غياب قنوات لضبط التوتر، فقد تنتقل تدريجيا إلى مستوى تصعيدي أوسع.

“تفاهمات هشة”

أما الباحث في مركز جسور للدراسات وائل عمران فذهب إلى أن تحركات “قسد” في مناطق حلب ودير الزور تهدف إلى تثبيت وجودها في الحسكة وتأمين مكتسباتها السياسية، حتى لو تراجعت نسبيا في تلك المناطق.

وقال للجزيرة نت إن “التحركات الأخيرة تأتي دفاعية واستباقية، الحكومة قد تستخدم نفوذها بشكل محدود من دون الدخول في صدام واسع”.

وأضاف أن التفاهمات بين الطرفين ستبقى هشة، لكنها لن تنهار بالكامل، وتابع “سيسعى كل طرف للحفاظ على الاتفاقات السابقة وتوجيه اللوم للطرف الآخر عند حدوث أي خرق”، وفي الوقت نفسه تستغل “قسد” هذه الاشتباكات لتعزيز موقفها التفاوضي والحصول على مكتسبات “اللامركزية السياسية”.

ومن منظور إستراتيجي، يرى الباحث عمران أن الخيار العسكري الواسع غير مطروح، سواء محليا أو إقليميا ودوليا، لكن قد يلجأ الطرفان إلى مواجهات محدودة ومتفرقة لفرض شروطهما على طاولة التفاوض. وبهذا الأسلوب، تبقى الاشتباكات أداة ضغط أكثر منها صراعا مفتوحا، مع الحفاظ على التوازن بين القوة العسكرية والمكاسب السياسية.

شاركها.
Exit mobile version