بوغوتاـ تستعد العاصمة الكولومبية بوغوتا لاحتضان اجتماع وزاري طارئ لمجموعة لاهاي بشأن الإبادة الجماعية في غزة، اليوم الثلاثاء وغدا، لمناقشة التدابير القانونية والدبلوماسية الكفيلة بوقف الإبادة الجارية في القطاع، وتعزيز احترام القانون الدولي في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

وذكرت وزارة الخارجية الكولومبية، أن هذا الاجتماع يأتي “ردا على الانتهاكات المستمرة والمتصاعدة للقانون الدولي، التي ترتكبها إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما فيها جريمة الإبادة الجماعية”.

وتأسست مجموعة لاهاي عقب إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرات توقيف بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه آنذاك يوآف غالانت ومسؤولين إسرائيليين آخرين، وأوامر تلزم إسرائيل بوقف هجومها العسكري على مدينة رفح، أواخر يناير/كانون الثاني الماضي.

وترأست المجموعة كل من كولومبيا وجنوب أفريقيا، وانضمت إليها دول مثل بوليفيا وكوبا وهندوراس وماليزيا وناميبيا والسنغال وجزر بليز.

من الإدانة إلى الفعل

الإعلان عن الاجتماع الطارئ هذا الأسبوع جاء في مقال كتبه الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو في صحيفة الغارديان البريطانية، وصف فيه الاجتماع بأنه “دعوة إلى جميع الدول للانتقال من الإدانة إلى العمل”.

ومن المتوقع أن يشارك في الاجتماع نحو 30 وفدا رسميا من حكومات تمثل مختلف القارات، إلى جانب ممثلين عن منظمات دولية والمجتمع المدني، وشخصيات بارزة، أبرزهم المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة فرانشيسكا ألبانيزي.

وقد سارعت ألبانيزي للتفاعل مع دعوة الرئيس بيترو عبر تغريدة على منصة (إكس)، معبرة عن فخرها بالسفر إلى كولومبيا دعما لمجموعة لاهاي، وسعيها إلي تحقيق العدالة والسلام استنادا إلى الحقوق والحريات.

أهداف لاهاي

وقبل الخوض في تفاصيل الاجتماع الطارئ، تجدر الإشارة إلى أهداف مجموعة لاهاي الواردة في بيانها التأسيسي في يناير/كانون الثاني الماضي، وهي:

  • الامتثال لمذكرات التوقيف الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية بحق بنيامين نتنياهو ويوآف غالانت بتهم ارتكاب جرائم حرب.
  • فرض حظر على تصدير الأسلحة والوقود إلى إسرائيل لمنعها من مواصلة حربها في غزة.
  • منع رسو السفن التي تنقل الأسلحة والوقود لإسرائيل في موانئ الدول الأعضاء بالمجموعة، ووقف عمليات تهريب الأسلحة إليها.

ورغم عدم صدور إعلان رسمي حتى الآن، بشأن قرارات جديدة متوقعة من اجتماع بوغوتا، أو ما إذا كانت المجموعة ستتوسع بعضويتها، فإن التقديرات تشير إلى احتمال توسيع هذه الأهداف أو إدماج مبادرات دبلوماسية وقضائية جديدة، أو حتى اتخاذ إجراءات جماعية أشمل لتعزيز الضغط على إسرائيل وحلفائها.

وتعد هذه الخطوات، وفق مراقبين، ضرورية أكثر من أي وقت مضى، لدفع المنظومة الدولية نحو وضع حد فعلي لإفلات إسرائيل من العقاب، خاصة في ظل اتساع رقعة القوة الإسرائيلية وامتدادها إلى كل مناطق فلسطين المحتلة أخيرا.

شعار مجموعة لاهاي لأجل غزة (مواقع التواصل)

اضطرابات داخلية

لكن غياب المعطيات الدقيقة بشأن رهانات الاجتماع يعكس إلى حد كبير انشغال الخارجية الكولومبية في مواجهة سلسلة أزمات متعاقبة، أسفرت آخرها عن استقالة وزيرة الخارجية المثيرة للجدل لاورا سارابيا، وتعيين وزيرة جديدة يوم الأربعاء الماضي، لتكون الرابعة منذ تولي الرئيس بيترو منصبه في أغسطس/آب 2022، في ظل عواصف سياسية وانتقادات لا تهدأ.

وتجددت -على خلفية هذه الأزمات- الخلافات الدبلوماسية مع الولايات المتحدة، والتي كانت قد اشتعلت في فبراير/شباط الماضي بسبب ملف الترحيل القسري للمهاجرين غير النظاميين، وتصريحات للرئيس بيترو لمح فيها إلى أن وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو يقود مؤامرة لإطاحة حكومته، بالتعاون مع وزير خارجيته الأول ألبارو لايبا دوران.

وقد بلغت الأزمة ذروتها بدعوة سفيري البلدين للتشاور، لكنها ما لبثت أن هدأت مع عودة السفيرين لمهامهما، بعدما بعث بيترو برسالة للرئيس الأميركي دونالد ترامب، أكد فيها أنه لم يكن يقصد اتهام مسؤولين أميركيين بمحاولة إسقاط حكومته. إلا أن عقد الاجتماع الطارئ في بوغوتا هذا الأسبوع يتوقع أن يؤجج التوتر مع واشنطن من جديد.

وفي ظل انشغال الخارجية الكولومبية بأزماتها، برز دور مدير الشؤون متعددة الأطراف ماوريسيو جاسر (ذي الأصول الفلسطينية) الذي كثف ظهوره الإعلامي للحديث عن الاجتماع المرتقب وملفات أخرى.

وقال جاسر في تصريح لإذاعة بلو راديو الكولومبية “كولومبيا لا يمكنها أن تستمر في صمتها إزاء الإبادة والتطهير العرقي الذي تمارسه إسرائيل في غزة، وها هو يمتد اليوم إلى كامل الأراضي الفلسطينية المحتلة”.

وأضاف “الدول الأعضاء في مجموعة لاهاي ستتخذ سلسلة من الإجراءات للانتقال من الكلام إلى الفعل، فمن المهم الدفاع عن القانون الإنساني الدولي الذي تأسس بعد الحرب العالمية الثانية، وهو الآن موضع تساؤل”.

9 دول تعلن تأسيس "مجموعة لاهاي" لدعم فلسطين صورة المنصة
مجموعة لاهاي تأسست بمشاركة 9 دول (مواقع التواصل)

معارضة متأهبة

ورغم المواقف المعلنة للرئيس بيترو تجاه القضية الفلسطينية، إلا أن أداءه في هذا الملف ظل عرضة لهجمات لاذعة من الإعلام الكولومبي الخاص، الذي تهيمن عليه قوى ولوبيات صهيونية نافذة.

وكان قرار عقد الاجتماع الطارئ في بوغوتا بمنزلة صب الزيت على نار الاحتجاجات، خاصة في أوساط الشارع المتأثر بالرسائل اليمينية التي تروج لها وسائل الإعلام المعارضة.

وقال أرييل جيلبلونغ، مدير مركز سيمون فيزنتال (CSW)، إحدى أبرز منظمات حقوق الإنسان اليهودية في العالم، في تصريح لوكالة الأنباء الإسبانية إن “الرئيس بيترو يدفع كولومبيا نحو سياسة قائمة على قناعاته الأيديولوجية الشخصية. لم يعد الأمر متعلقا بسياسات إسرائيل، بل إنه يستخدم منصبه يوما بعد يوم لنشر الكراهية ضد اليهود، وأخيرا، لمناقشة حتى اللاهوت العبري”.

كما وصف ماركوس بيكال، مدير اتحاد الجاليات اليهودية في كولومبيا، الاجتماع الطارئ لمجموعة لاهاي بأنه “متحيز وخطِر”.

في المقابل، ترى الصحفية الكولومبية ديانا ألفونسو، التي كانت ضمن المشاركين في “أسطول الحرية”، أن الاجتماع المرتقب “ليس مجرد حدث دبلوماسي، بل هو نقطة تحول في مواجهة إفلات إسرائيل من العقاب”.

وكتبت ألفونسو في مقال بصحيفة “لا راد” أن “وجود بيترو وجاسر في مقدمة المشهد، يبرز كولومبيا كلاعب دولي يقود الدفاع عن العدالة الدولية، ويتحدى القوى التقليدية، ويؤكد أنه لا توجد دولة فوق القانون”.

ورغم ما يشهده الشارع الكولومبي من توتر سياسي وغضب شعبي تغذيه حملات الشيطنة الممنهجة ضد الرئيس بيترو، تقودها المعارضة اليمينية بدعم خفي من واشنطن، فإن الأخير يبدو مصرا على المضي قدما في الضغط من أجل محاسبة إسرائيل، وإجبارها على الامتثال للقانون الدولي، من خلال أدوات دبلوماسية وقضائية متنامية في أميركا اللاتينية وخارجها.

شاركها.
Exit mobile version