بيروت- في ذروة الجدل داخل مجلس الوزراء اللبناني بشأن بند “نزع سلاح حزب الله”، خرج الأمين العام للحزب نعيم قاسم بموقف قاطع رفض فيه أي مساس بسلاح المقاومة، معتبرا أن الأولوية يجب أن تكون لوقف العدوان الإسرائيلي، وإنهاء الاحتلال، وإعادة الإعمار، وتحرير الأسرى.

وفي كلمة متلفزة، شدد قاسم على أن “الحل لا يكون بالإملاءات، ولن نقبل أن يُفرض علينا شيء من الخارج، فلبنان يُدار بالتوافق لا بالإكراه”، منتقدا تحويل النقاش من إستراتيجية الأمن الوطني إلى مسألة تسليم السلاح.

وتساءل قائلا “أين الدولة التي تدفع البلاء عن لبنان؟ وأين الجيش القادر على حماية الحدود؟”، معتبرا أن دور الدولة يجب أن ينصب على مواجهة التهديدات، لا نزع سلاح من يدافع عن الوطن.

إملاءات أميركية

وفي رد مباشر على الورقة التي تقدم بها المبعوث الأميركي الخاص، تومس باراك، وصف قاسم المقترحات الأميركية بأنها “إملاءات لصالح إسرائيل”، موضحا أنها تشمل “تفكيك أسلحة نوعية وقاذفات خلال 30 يوما”، وأضاف “يشترط المقترح تفكيك 50% من قدراتنا خلال شهر، بينما لا يعرف أصلا ما حجم هذه القدرات كي يحدّد تلك النسبة”.

وأكد قاسم أن “المقاومة ليست بندًا تفاوضيا أو موضوعا للتصويت، بل هي جزء من معادلة اتفاق الطائف ومكوّن من مكوّنات السيادة الوطنية”، مشيرًا إلى أن “الالتزام الأميركي يسعى لتجريد لبنان من أوراق قوته، ومنع الجيش امتلاك سلاح يوازي التهديد الإسرائيلي”.

وفي مشهد يُجسد ملامح التحول في نهج العهد الجديد، ترأس الرئيس اللبناني، العماد جوزيف عون، جلسة وزارية، أمس الثلاثاء، في قصر بعبدا بحضور 22 وزيرا وغياب وزيري المال والعمل، نُوقشت خلالها عدة ملفات، أبرزها بند حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية، الذي يُطرح رسميا لأول مرة منذ اتفاق الطائف على طاولة مجلس الوزراء.

نواف سلام يتحدث للصحفيين عن نزع سلاح حزب الله عقب جلسة الحكومة أمس الثلاثاء (الفرنسية)

وعُقدت الجلسة في ظل تصاعد الضغوط الدولية، خاصة من أميركا، التي تربط استمرار جهود التهدئة على الجبهة الجنوبية بصدور موقف لبناني واضح إزاء سلاح الحزب، ملوّحة بتجميد وساطتها لو تعثر المسار السياسي.

وقد انسحب من الجلسة، وزير الصحة ركان ناصر الدين، المحسوب على حزب الله، ووزيرة البيئة تمارا الزين، المحسوبة على حركة أمل، احتجاجًا على طرح جدول زمني لحصر السلاح بيد الدولة قبل نهاية العام الجاري.

وفي ختام الجلسة، أكد رئيس الحكومة، نواف سلام، أن خطاب القسم والبيان الوزاري شددا على “حق الدولة الحصري في احتكار السلاح”، معلنا أن مجلس الوزراء قرَّر استكمال مناقشة الورقة الأميركية الخميس المقبل، وكلَّف الجيش اللبناني بإعداد خطة تنفيذية لحصر السلاح قبل نهاية العام، على أن تعرض على الحكومة نهاية الشهر الجاري لنقاشها وإقرارها.

على الصعيد الميداني، باتت غالبية المواقع العسكرية التابعة لحزب الله جنوب نهر الليطاني تحت سيطرة الجيش اللبناني، الذي تمكَّن، بالتعاون مع قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل)، من تفكيك معظم هذه المواقع في منطقة جنوب نهر الليطاني، في خطوة تعكس التزام الدولة بفرض سيادتها على كامل الأراضي اللبنانية.

صواريخ كاتيوشا في عرض عسكري سابق لحزب الله اللبناني (أرشيفية)
حزب الله يرفض نزع سلاحه حتى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي (الصحافة اللبنانية)

الملف الأهم

ويؤكد الصحفي والمحلل السياسي جورج عاقوري، أن حزب الله رغم التصريحات التي أطلقها نائب أمينه العام نعيم قاسم، والاستعراضات بالدراجات النارية التي جابت شوارع الضاحية ليلا، لم يتمكن من التأثير في مضمون جلسة مجلس الوزراء اللبناني، ولا في القرارات التي خرجت بها.

ويقول عاقوري للجزيرة نت، إن أهمية الجلسة تكمن أولا في أنها خصصت لبحث ملف سلاح حزب الله، وهو الملف الذي جرى تحاشي طرحه رسميا منذ أشهر.

أما الأهم -برأيه- فهو أن الجلسة أفضت إلى مقررات واضحة، نصَّت صراحة في البيان الذي تلاه رئيس الحكومة، وتضمنت مهلا زمنية محددة، أبرزها تكليف الجيش اللبناني بإعداد خطة لنزع السلاح حتى نهاية أغسطس/آب، وتحديد نهاية العام الجاري موعدا للبت النهائي  بملف سلاح الحزب.

ويعتقد عاقوري أن حزب الله يواصل سياسة الإنكار، محاولا رمي المسؤولية على الدولة اللبنانية، ومُطلقا تهديدات لإسرائيل بإمطارها بالصواريخ خلال ساعة، في خطاب يرى فيه محاولة مكشوفة لإبقاء لبنان رهينة التصعيد.

ويضيف أن التحدي الأكبر اليوم هو تنفيذ مقررات الجلسة، في ظل احتمالات بتحركات ميدانية من جمهور الحزب، قد تتخذ طابع “التنفيس” عن الاحتقان، لكنها لن ترقى إلى مستوى التحركات الكبرى، وفق عاقوري.

ويختم بقوله “لا أتوقع تكرار سيناريو 7 مايو/أيار (حيث اندلعت بمثل هذا اليوم عام 2008 مواجهة مسلحة في بيروت ومناطق أخرى بعد ردّ حزب الله على قرارات حكومية اعتبرها موجهة ضده، أبرزها تفكيك شبكة اتصالاته)، فالحزب لم يعد يمتلك أوراق القوة ذاتها سياسيا وأمنيا، كما أن أي تصعيد جديد لن يجد من يترجمه سياسيا، على غرار ما حدث مع اتفاق الدوحة في 2008”.

غياب المبررات

بدوره، يرى الكاتب والمحلل السياسي نقولا ناصيف، أن المشهد بات واضحا من جهة الحكومة اللبنانية التي حسمت موقفها بتكليف الجيش اللبناني إعداد خطة إجرائية وتنفيذية لحصر السلاح بيد الدولة.

ويعتبر ناصيف، في حديثه للجزيرة نت، أن هذا القرار يشكل أول موقف رسمي لا يمكن للحكومة التراجع عنه، مشيرا إلى أن السؤال الجوهري لم يعد متعلقا بموقف الدولة، بل بكيفية تعاطي حزب الله مع هذا القرار، وهل سيمضي بهذا المسار أم يسعى إلى تعطيله؟

ويضيف “الامتحان اليوم ليس أمام الدولة اللبنانية التي جزمت أمرها، بل أمام حزب الله الذي يجد نفسه أمام خيارين لا ثالث لهما: إما التماشي مع القرار الرسمي، وإما الذهاب نحو التصعيد وتحريك الشارع لنسف التوافق”.

ويؤكد ناصيف أن هذا القرار ليس وليد اللحظة، بل يعود إلى خطاب القَسَم الرئاسي، وأُعيد تثبيته في البيان الوزاري لحكومة الرئيس تمام سلام، وقد نال موافقة مجلس الوزراء، بمشاركة جميع القوى السياسية، دون أي اعتراض، رغم أن التهديدات الإسرائيلية كانت قائمة آنذاك.

وبالتالي، وفق ناصيف، فإن المبررات التي كانت تُستخدم سابقا لرفض هذا المسار لم تعد قائمة، “والمعادلة الآن مختلفة: لقد قالت الدولة كلمتها، ويبقى أن نترقّب ما سيقوله الحزب”.

ويعلّق ناصيف على ما ورد بتصريحات الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم، الذي قال إن “المقاومة جزء من الدستور”، معتبرا أن هذا الادعاء “لا يصمد أمام القراءة الدستورية الدقيقة”.

ويشرح أن الميثاقية، كما ينص عليها الدستور اللبناني، تُعنى بقواعد التوازن الطائفي، كالمناصفة في مجلس النواب، وتمثيل الطوائف في مجلس الوزراء، وليس بالمقاومة، التي هي فعل عسكري وسياسي “لا يحظى بإجماع اللبنانيين”، ولا يتبع للدولة لا في السلاح ولا في القرار، “بل يرتبط بإيران في التدريب والتسليح، وفق اعترافات قادة الحزب أنفسهم”.

ويتابع “عندما يُقال إن المقاومة ميثاقية، فذلك ليس توصيفا قانونيا بل سياسيا، ويهدف لتعطيل أي قرار رسمي بحجة غياب الميثاقية، مما يمنح الفيتو لحزب الله في كل ما يتعلق بمستقبل سلاحه”.

احتمالات مفتوحة

أما الكاتب والمحلل السياسي قاسم قصير، فيرى أن حزب الله لم يُصدر حتى الآن أي موقف رسمي بشأن ما جرى في الجلسة الوزارية أمس، حيث انسحب الوزير المحسوب عليه، إلى جانب الوزيرة المحسوبة على حركة “أمل”، احتجاجا على طريقة مقاربة ملف السلاح.

ويُذكّر قصير في حديثه للجزيرة نت، بأن الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم، كان قد حسم موقف الحزب مسبقًا، مؤكدًا أن “سلاح المقاومة” ليس مطروحا للنقاش قبل انسحاب إسرائيل من الأراضي اللبنانية المحتلة.

ويرى أن السيناريوهات المحتملة متعددة، وتشمل: مقاطعة الحكومة، أو الاستقالة منها، أو حتى تحركا شعبيا احتجاجيا، لكن جميع هذه الخيارات تبقى معلقة بانتظار القرار الرسمي.

ويختم قصير مشيرا إلى وجود حالة من الغضب داخل البيئة الحاضنة لحزب الله، غير أن الأمور لا تزال رهينة الموقف الذي سيتّخذه الحزب في الساعات أو الأيام المقبلة.

شاركها.
Exit mobile version