ارتفاع درجات الخطورة بسبب ارتفاع الحرارة أو انخفاضها في بعض المدن لا يعني أن باقي المدن ستكون آمنة، لأن هناك عدة عوامل يجب وضعها في الحسبان.
كشفت دراسة علمية جديدة حول آثار التغيرات المناخية في أوروبا أن العاصمة الفرنسية ستصبح المدينة الأكثر خطورة وفتكا بالناس بسبب الجفاف وارتفاع درجات الحرارة، بينما ستصبح لندن المدينة التي يزداد فيها خطر الموت بسبب انخفاض درجات الحرارة.
وأجرى الدراسة -التي نُشرت في مجلة “لانسيت بلانيتاري هيلث” (The Lancet Planetary Health) مطلع أبريل/نيسان الجاري- باحثون من إنجلترا، وكان هدفها تحديد المناطق التي ستشكل خطرا على سكان القارة العجوز بسبب التغيرات المناخية، ومن ثم الاستعداد لاحتمال حدوث أي كوارث طبيعية لها علاقة بها.
وشملت الدراسة 854 مدينة أوروبية تم من خلالها تحليل معطيات علمية جمعت طوال 20 سنة، أي ما بين أول يناير/كانون الثاني 2000 و31 ديسمبر/كانون الأول 2019، من طرف هيئات علمية دولية على غرار شبكة التعاون في البحوث ما بين المدن (Multi-city Collaborative Research Network) وهيئة مراقبة المناخ في أوروبا “كوبرنيكوس” (Copernicus) وهي المعطيات التي مكنت هؤلاء الباحثين من إعداد مقاربات لتحديد أماكن الخطر الناجمة عن درجات الحرارة القصوى.
منطقة غرب أوروبا الأكثر هشاشة
وبحسب التقرير -الذي نشرته موقع “فوتورا” (Futura)- وجد الباحثون أن منطقة غرب أوروبا هي الأكثر هشاشة وعرضة لآثار التغيرات المناخية من شرقها، وأن خطر الموت فيها بسبب ارتفاع درجات الحرارة أو انخفاضها هو الأعلى.
وحدد الباحثون سببين رئيسين في إمكانية تحوّل باريس إلى مدينة خطيرة، وهما طبيعة العمارة وهندسة شوارعها التي لا تمكنها من التأقلم مع الحرارة وموجات الجفاف، وأيضا تسجيل معدلات عالية في ارتفاع درجات الحرارة سابقا مقارنة بباقي المدن حيث بلغ الفارق عام 2003 نحو 10 درجات وهو رقم عال جدا.
وشمال أوروبا، وجد الباحثون أن لندن هي المدينة التي سيرتفع فيها خطر الموت بشدة البرد أكثر من غيرها، وقد سجل من قبل حدوث أكثر من 200 ألف وفاة بسبب البرد خلال فترة الدراسة (2000-2019).
وليس انخفاض متوسط درجات الحرارة السبب الذي سيجعل لندن المدينة الأكثر خطرا من حيث الموت من شدة البرد، لأن هناك مدنا أكثر برودة منها، وإنما بسبب الفقر وافتقاد الكثير من السكان لوسائل التدفئة.
خصائص المدن محلّ الدراسة
وبحسب ما جاء بالدراسة، تم إقصاء حوالي 40% من سكان أوروبا ممن يعيشون في مناطق لا يزيد سكانها على 50 ألف نسمة، وأيضا المدن الواقعة خارج الرقعة الجغرافية لهذه القارة حيث تم اعتماد المدن التي يفوق تعداد سكانها هذا الرقم فقط.
وتقع المدن -التي تم اعتمادها والبالغ عددها 854 مدينة- في 30 دولة أوروبية، 232 منها تتوفر على معطيات جيدة بخصوص متوسط درجات الحرارة، وتم تسجيلها بصورة دورية. أما باقي المدن فقد جاءت المعطيات فيها متقطّعة في فترات الزمن لكن ذلك لا يُنقص من قيمتها العلمية.
أما عدد السكان الذين كانوا محلّ الدراسة فقد بلغ حوالي 200 مليون نسمة حيث جاءت المملكة المتحدة على رأس الدول الأكثر تمثيلا بحوالي 35 مليون نسمة يعيشون في 135 مدينة، بينما جاءت لوكسمبورغ في ذيل الترتيب بحوالي 90 ألف نسمة.
وخلصت الدراسة إلى أن ارتفاع درجات الخطورة بسبب ارتفاع الحرارة أو انخفاضها في بعض المدن لا يعني أن باقي المدن ستكون آمنة، لأن هناك عدة عوامل يجب وضعها في الحسبان خاصة العُمر، فكبار السن والأطفال هم الأكثر عرضة من غيرهم، والعيش خارج باريس أو لندن ليس مرادفا للخروج من دائرة الخطر.