إذا كانت الحزازيات غير مرغوب فيها بالنسبة لكثير منا فإنها ليست كذلك بالنسبة للعلماء، إذ تحمس لدراستها الباحث ديفيد إلدردج من جامعة نيو ساوث ويلز فكوّن فريقا من 50 باحثا وأجروا دراسة ضخمة نشرت نتائجها في الثاني من مايو/أيار الجاري في دورية “نيتشر جيوساينس” (Nature Geoscience).
وقال إلدردج في بيان صحفي نشر على موقع الجامعة في التاريخ المذكور إنهم وجدوا أن الحزازيات بالغة الأهمية للكوكب ككل، فهي تقاوم التغيرات المناخية، إذ تمتص ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي، وتهيئ التربة لنمو النباتات عن طريق تخزين النيتروجين والكربون والحد من وجود الكائنات الدقيقة الممرضة، وكذلك تحمي التربة من التآكل.
ما هي الحزازيات؟
تعتبر الحزازيات أبسط صور النباتات، ولها أوراق وتركيبات تشبه الجذور التي توجد في النباتات المتقدمة (المسماة الوعائيات)، لكنها تختلف عنها في أن الحزازيات تفتقر إلى الأنابيب الدقيقة التي توجد في الوعائيات، والتي ينتقل فيها الماء الذي تمتصه من التربة.
وفي الواقع لا تحتاج الحزازيات لهذه الأنابيب، إذ تستمد الماء من رطوبة الجو، والجذور بالنسبة لها مجرد وسيلة للتثبيت في التربة وليس لها دور في امتصاص الماء.
يتطلب نمو الحزازيات الرطوبة والظل، وتنمو في الأماكن البرية وكذلك الحضرية، ويمكن رؤيتها على الأسطح الصلبة، إذ دائما ما تجد تجويفا في قطعة قرميد أو على جدار أو على سطح تمثال به قليل من التربة فتنمو فيه، كما تنمو في التربة اللينة كالحدائق والغابات.
وفي الأماكن السكنية يسعى الناس لإزالتها من الأرض، لكنها دائما ما تعود بعد التنظيف، وإذا تم تجاهلها فقد تؤدي للانزلاق، لذلك فهي خطيرة في هذا السياق.
وتعيش الحزازيات في بيئات شديدة التباين، في الغابات الاستوائية والصحارى القاحلة والقطبين لكنها لا تنمو في المياه المالحة، وتبدي قدرة كبيرة على الصمود في وجه معوقات النمو التي قد تقضي على غيرها.
فبعض الحزازيات تجف أوراقها وتدخل في حالة كمون لا نهائية إذا عم الجفاف، فإذا تحسنت الظروف البيئية عادت لتنمو مرة أخرى، بل إن بعضها استطاع أن يرجع لينمو في بيئة دمرها ثوران بركاني قضى على معظم الكائنات الحية وكانت من أول ما استطاع النمو مرة أخرى وأعادت الاتزان للنظام البيئي المدمَّر.
ربما يمكن القول إن الحزازيات لا يمكن الاستغناء عنها، فهي تمثل مأوى للحيوانات الصغيرة وكذلك تتغذى عليها الماشية، وعلى المستوى الصناعي تستخدم لتنقية المياه، وتستخرج منها أصباغ صديقة للبيئة.
كيف أجريت الدراسة؟
جمع الباحثون عينات من 123 موقعا حول العالم تتفاوت في درجة حرارتها ومستوى الرطوبة فيها وتقع على خطوط عرضية مختلفة، بلغت مساحة البيئات التي أخذت منها العينات نحو 9.4 ملايين كيلومتر مربع (ما يقارب مساحة الصين)، وقارنوا التربة التي نمت فيها الحزازيات بتلك التي خلت منها.
ووجد الفريق البحثي أنه حيثما وجدت الحزازيات زاد محتوى التربة من النيتروجين والكربون، إذ إنها تخزن نحو 6.43 مليارات طن من الكربون تمتصها من الغلاف الجوي، وهي بذلك تعادل ما يطلقه الرعي الجائر وإزالة الغابات.
كما زاد معدل تحليل المواد العضوية وقل محتوى التربة من الكائنات الدقيقة الممرضة، وهو ما يجعلها مناسبة لنمو الأشجار والحشائش، في حين لاحظ الباحثون أنه بعدما هيأت الحزازيات التربة تلاشت تاركة المكان لغيرها من النباتات لتنمو.
مستقبل الدراسة
كان المحرك الأساسي للدراسة هو رغبة الباحثين في معرفة الفارق بين الأنظمة النباتية الطبيعية وتلك التي اصطنعها الإنسان كالحدائق والبساتين، وبعد أن تبينت الآثار المهمة لوجود الحزازيات في البيئات الطبيعية سيسعى الباحثون إلى أن يعرفوا ما إذا كانت تقوم بنفس الدور في المساحات الخضراء التي استحدثها الإنسان، كما سيعملون على إيجاد أمثل الطرق لإدخال الحزازيات للتربة المتآكلة كوسيلة لإصلاحها.