في انتكاسة جديدة لبرنامج صواريخ “ستارشيب”، فشلت شركة “سبيس إكس” في إتمام أهداف رحلتها التجريبية التاسعة، رغم وصول المركبة إلى الفضاء للمرة الأولى، وهو ما لم يتحقق في محاولتين سابقتين.
ورغم إشادة الشركة بتحقيق بعض التقدم، انتهت المهمة بخسارة كل من المرحلة الأولى من الصاروخ “سوبر هيفي” والمركبة العلوية “شيب”، في ضربة مؤلمة لجهود تطوير الصاروخ الأضخم في تاريخ رحلات الفضاء.
وكتب الرئيس التنفيذي لشركة سبيس إكس، إيلون ماسك، على منصة “إكس” (تويتر سابقا): “وصل ستارشيب إلى نقطة الإطفاء المجدول لمحركاته، وهو تحسّن كبير مقارنة بالرحلة السابقة، لكن تسربات أدت إلى فقدان ضغط الخزان الرئيسي خلال مرحلة الانجراف وإعادة الدخول، ما تسبب في فقدان المركبة”.
وأشار ماسك إلى أن الرحلات الثلاث التالية قد تنطلق بفاصل زمني يتراوح بين 3 إلى 4 أسابيع، في إطار سعي الشركة لتسريع وتيرة التجارب.
وتعمل سبيس إكس على تطوير “ستارشيب”، وهو أكبر وأقوى صاروخ بُني على الإطلاق، بهدف دعم خطط استيطان القمر والمريخ ونقل الحمولات الضخمة إلى الفضاء.
ويتكون صاروخ “ستارشيب” الذي يبلغ طوله 122 مترا (أكبر وأقوى صاروخ في العالم) من مرحلتين، الأولى تسمى “سوبر هيفي”، وهي الجزء السفلي الكبير الذي يحتوي على المحركات الأساسية ويقوم برفع الصاروخ عن الأرض، والأخرى، تمثل الجزء العلوي الذي يكمل الرحلة إلى الفضاء، ويسمى “شيب”.
— Elon Musk (@elonmusk) May 28, 2025
علامة فارقة في رحلة “ستارشيب 9”
وانطلقت الرحلة من موقع “ستاربيس” في جنوب تكساس الساعة 6:37 مساء بالتوقيت المحلي، وشكلت انطلاقتها لحظة تاريخية باعتبارها أول رحلة يتم فيها إعادة استخدام “سوبر هيفي”، الذي سبق أن طار في رحلة يناير/كانون الثاني.
وأجرت الشركة تعديلات تقنية كبيرة قبل الرحلة، بما في ذلك استبدال 4 محركات فقط من أصل 33، في خطوة تهدف لتقليل فترات الصيانة مستقبلا، كما اختبرت “سبيس إكس” أساليب جديدة للتحكم في عودة الدافع، منها زاوية دخول جديدة إلى الغلاف الجوي تهدف لتقليل سرعته وتوفير الوقود.
لكن “سوبر هيفي” لم يتمكن من تنفيذ الهبوط المخطط له في خليج المكسيك، وتحطم بعد نحو 6 دقائق و20 ثانية من الإقلاع، بعد بداية احتراق الهبوط مباشرة.
أما المركبة “شيب”، فقد أظهرت أداء أفضل من الرحلات السابقة، حيث بلغت الفضاء وسارت في مسار شبه مداري فوق المحيط الأطلسي، لكن سلسلة من المشكلات التقنية منعتها من تنفيذ المهام المخططة، منها فشل في فتح باب الحمولة بشكل كامل، مما حال دون نشر نماذج الأقمار الاصطناعية “ستارلينك”.
كما تسبب تسرب في نظام خزانات الوقود بفقدان المركبة لقدرتها على التحكم في الاتجاه، مما أدى إلى توقف اختبار إشعال أحد المحركات في الفضاء، وانتهى بها المطاف بالتفكك فوق المحيط الهندي.
وكانت “سبيس إكس” تأمل في نجاح المهمة هذه المرة، لتكون المرة الأولى التي تقوم فيها الشركة باستغلال المرحلة الأولى (سوبر هيفي)، التي سبق أن طارت من قبل، بدلا من استخدام واحدة جديدة، وهي خطوة مهمة نحو تقليل تكلفة الرحلات الفضائية، لأن الهدف النهائي هو صنع صواريخ تستخدم مرات عديدة مثل الطائرات، بدلا من التخلص منها بعد كل رحلة.
مزايا أخرى توارت بفشل الرحلة
ولم يكن إعادة الاستخدام، هو الاختلاف الوحيد عن المحاولات السابقة، بل قامت الشركة بإطلاق 8 نماذج تجريبية لأقمار “ستارلينك”، وهذه “نماذج محاكاة”، أي أنها مجرد نسخ غير كاملة أو غير عاملة من الأقمار، مصممة لتجربة طريقة الإطلاق والنشر في الفضاء، وكان سيتم إطلاقها على مسار شبه مداري، أي أنها لن تدخل في مدار كامل حول الأرض، بل ستسير في مسار قصير في الفضاء قبل أن تعود.
وعند عودتها، تدخل الغلاف الجوي للأرض وتتحطم بفعل الحرارة والضغط، أي أنها لن تبقى في الفضاء ولن تؤدي وظيفة، وهذا جزء من اختبار تقني لمعرفة مدى قدرة الصاروخ “ستارشيب” على نشر أقمار صناعية بدقة، وكان نجاحه سيثبت أن الصاروخ يمكن استخدامه في المستقبل لإطلاق أقمار “ستارلينك” الحقيقية أو أقمار أخرى تجارية أو علمية.
والميزة الأخرى في هذه الرحلة التجريبية التي لم تحقق النجاح المطلوب، هي أن شركة “سبيس إكس”، كانت ستجري أثناء الرحلة تجربة لإعادة تشغيل أحد محركات “رابتور” بعد أن تكون المركبة قد وصلت إلى الفضاء.
وعادة، تعمل محركات الصاروخ عند الإقلاع فقط، لكن في المهمات الفضائية المتقدمة (مثل الذهاب إلى القمر أو المريخ)، من الضروري إعادة تشغيل المحركات في الفضاء لتنفيذ مناورات مثل تغيير المسار أو الارتفاع، والدخول في مدار حول كوكب، وتوجيه المركبة نحو هدف معين.
لذلك، فإن إعادة إشعال محرك “رابتور” في الفضاء هو اختبار تقني بالغ الأهمية، لأنه يثبت أن المركبة قادرة على تنفيذ هذه المناورات المعقدة، مما كان سيقرب الشركة من تحقيق هدفها النهائي، وهو إرسال البشر إلى القمر والمريخ باستخدام “ستارشيب”.