أثارت دراسة جديدة شكوكا حول أحد أكثر الأدلة إثارة على إمكانية وجود ماء سائل على سطح المريخ في الوقت الحاضر. فعلى مدى سنوات، رصد العلماء خطوطا غريبة تمتد على جوانب المنحدرات وجدران الفوَّهات على سطح المريخ.

فسّر بعض الباحثين هذه الخطوط على أنها آثار لتدفقات سائلة، مما يثير احتمال وجود بيئات صالحة للحياة حاليا على الكوكب الأحمر.

لكن الدراسة الجديدة التي نشرت يوم الاثنين 19 مايو/أيار في مجلة “نيتشر كوميونيكيشنز”، اعتمدت على تقنيات التعلم الآلي لإنشاء وتحليل قاعدة بيانات ضخمة من هذه الميزات الجيولوجية، وأشارت إلى تفسيرٍ مختلف تماما: عمليات جافة ناتجة عن نشاط الرياح والغبار.

يقول الباحث المشارك في الدراسة “أدوماس فالانتيناس” -الباحث في مرحلة ما بعد الدكتوراه في جامعة براون- في تصريحات لـ”الجزيرة.نت”: “يركز جزء كبير من أبحاث المريخ على فهم العمليات الجارية حاليا على سطحه، بما في ذلك احتمال وجود ماء سائل”

ويضيف “لقد قمنا بمراجعة هذه العمليات، لكننا لم نجد أي دليل على وجود ماء. نموذجنا يرجح أن تكون العمليات الجافة هي المسؤولة عن نشأتها”.

لغز الخطوط الغامضة

رُصدت هذه الخطوط الغريبة لأول مرة في صور أرسلتها بعثة “فايكنج” التابعة لوكالة ناسا في سبعينيات القرن الماضي. وتتميز هذه الظواهر بأنها أكثر ظلمة من التضاريس المحيطة، وتمتد على المنحدرات لمئات الأمتار.

يدوم بعض هذه الخطوط لسنوات أو عقود، بينما يظهر البعض الآخر لفترات أقصر. النوع الأقصر عمرا منها، والذي يعرف باسم الخطوط المنحدرة المتكررة، يميل إلى الظهور في نفس المواقع خلال الفترات الأكثر دفئا من السنة المرّيخية.

ظل أصل هذه الخطوط موضع جدل بين علماء الكواكب، فالمريخ الحديث يعد كوكبا جافا بدرجة كبيرة، ونادرا ما تتجاوز درجات الحرارة فيه نقطة التجمد.

ومع ذلك، يرى باحثون أن كميات ضئيلة من الماء التي قد تكون ناتجة عن جليد مدفون، أو خزانات مياه جوفية، أو حتى رطوبة غير عادية في الغلاف الجوي، يمكن أن تمتزج بكمية كافية من الأملاح لتشكل تدفقا مائيا على السطح المتجمد. وإذا صح هذا التفسير، فإن هذه الخطوط قد تشير إلى جيوب نادرة صالحة للحياة على كوكب صحراوي.

لكن باحثين آخرين ظلوا يشككون في هذا التفسير، ويفترضون أن هذه الخطوط ناتجة عن عمليات جافة مثل الانهيارات الصخرية أو هبوب الرياح، وأنها تبدو سائلة فقط في الصور الملتقطة من المدار.

نداء المريخ

الصورة الكاملة

يوضح “فالانتيناس” أن الفريق استخدم خوارزمية تعلم آلي لتصنيف أكبر عدد ممكن من الخطوط المنحدرة. وبعد تدريب الخوارزمية على مشاهدات مؤكدة، تم تطبيقها على أكثر من 86 ألف صورة فضائية عالية الدقة، أسفرت هذه الخطوة عن خريطة مرّيخية عالمية هي الأولى من نوعها تضم أكثر من 500 ألف ميزة من هذه الخطوط.

“بمجرد أن حصلنا على هذه الخريطة، بدأنا بمقارنتها مع قواعد بيانات أخرى تتعلق بدرجات الحرارة، وسرعة الرياح، والرطوبة، ونشاط الانهيارات الصخرية، وغيرها من العوامل. وبذلك تمكنا من البحث عن علاقات إحصائية بين مئات الآلاف من الحالات لفهم ظروف تشكل هذه الظواهر” كما أوضح الباحث المشارك في الدراسة.

وأظهرت التحليلات الجيو-إحصائية أن هذه الخطوط لا ترتبط عادة بعوامل تشير إلى أصل مائي أو جليدي، مثل اتجاه ميل معين، أو تذبذبات حادة في درجات الحرارة، أو مستويات رطوبة عالية. في المقابل، وجد أنها تظهر غالبا في المناطق التي تتسم بسرعة رياح أعلى من المتوسط وتراكم كبير للغبار، مما يدعم فرضية الأصل الجاف.

خلص الباحثون إلى أن الخطوط غالبا ما تتشكل عند انزلاق طبقات من الغبار الناعم من منحدرات شديدة الانحدار، وقد تختلف المحفزات من حالة إلى أخرى. فالخطوط الطويلة شائعة بالقرب من الفوَّهات الناتجة عن اصطدامات حديثة، حيث قد تتسبب الصدمات في زعزعة الغبار السطحي. أما الخطوط القصيرة المتكررة، فغالبا ما تظهر في مناطق تنشط فيها الدوامات الترابية أو الانهيارات الصخرية.

شاركها.
Exit mobile version