وصف الأكاديمي السوري والرئيس الأسبق للمجلس الوطني السوري المعارض الدكتور برهان غليون، ما حدث في سوريا بـ”المعجزة”، التي تمثلت بفرار الرئيس المخلوع بشار الأسد، وخروج الناس إلى الشوارع لأول مرة في تاريخهم منذ عقود لبناء دولتهم من جديد.
وأوضح غليون في مقابلة مع التلفزيون العربي، أن ما سماه بالإنجاز العظيم الذي حققه الشعب السوري أنتج ديناميكية جديدة في البلاد بين الشعب والسلطات الحاكمة.
“التطلع إلى المستقبل بأمل كبير”
وقال إن الشعب السوري وجد نفسه في المستقبل دفعة واحدة، وبينما ارتفع الشعب إلى مستوى هذا التحدي بمدنية ردود فعله المتحضرة، حيث لا أعمال تخريبية ولا أحقاد.
وأضاف أن على النخبة الحاكمة أن ترتقي إلى مستوى تطلعات هذا الشعب، ببناء مؤسسات تنقل البلاد من مرحلة التفكك والميليشيات الحاكمة إلى الدولة الحديثة.
وقال غليون إنه لم توجد عائلة في البلاد لم تعان من قتل أحد أفرادها أو تعذيبه في الحقبة السابقة، ما أوصل السوريين إلى نتيجة واحدة، وهي عدم تكرار تلك التجربة المرّة ثانية، وأضاف أن هذا ما يفسر مدنية ردود الفعل الشعبية في أعقاب فرار الأسد، وتطلعهم إلى المستقبل بأمل كبير.
الأولوية لبناء مؤسسات الدولة
وفي مقابلته مع التلفزيون العربي، أوضح غليون، وهو عالم اجتماع سياسي، أن تمسك السوريين بالحرية بعد أن دفعوا ثمنها، تدفعهم لعدم التوقف أو الرجوع إلى الوراء، وإن على النخبة الحاكمة أن تقابل هذا الوضع بما يوازيه، بأن تنفتح على الشعب وتتفاعل معه.
وقال إنه مطلوب من النخبة التي تدير السلطة حاليًا إعادة بناء الدولة ومؤسساتها، وفي المقابل فإنه مطلوب من الفاعلين والنشطاء إعادة بناء مؤسسات المجتمع المدني، وخلق تفاعل بين طرفي المعادلة الشعب والنخب الحاكمة، لتحصين سوريا من الاستبداد.
يرى غليون أن حرية السوريين بعد معاناتهم تحصنهم من العودة للوراء-غيتي
وقال غليون إن النزعة التسلطية موجودة حتى في الدول الديمقراطية، مشيرًا إلى النيات الطيبة لقائد الإدارة الجديدة وأركانه، ومحذّرًا من أن أخطاء قد تصدر من الطرف الآخر تتحدى السلطات الحالية وتدفع إلى العنف حتى لو كان بسيطًا.
وقال غليون إن تحصين هذه الإدارة من احتمالات ذلك تكون بالوعي والتماسك والثقة بالنفس وإبقاء قنوات الاتصال مفتوحة مع الجميع.
الائتلاف أصبح جزءًا من الماضي
وبشأن الائتلاف الوطني السوري وهيئة التفاوض التي كانت تديرها المعارضة السياسية في الفترة السابقة، قال غليون إن تلك المرحلة أصبحت من الماضي ووراء ظهور السوريين.
وأكد غليون أن على الشعب السوري أن يبدأ الآن ببناء مؤسسات المجتمع المدني، واستعادة النقابات والمنتديات التي اختطفها النظام السابق، وانتخاب قيادات حرة لها لقطع الطريق عن أي نزعات دكتاتورية قد تنشأ في البلاد.
وثمّن غليون عاليًا قرار قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع حل الميليشيات أو المجموعات المسلحة التي كانت تقودها أطراف أصبحت جزءًا من المشهد السوري الراهن، معتبرًا إياها خطوة مهمة.
ثمن غليون خطوة الشرع بحل المجموعات المسلحة – غيتي
حل المجموعات المسلحة خطوة كبيرة
وقال غليون إن النظام السابق كان ميليشيويًا، وحوّل الأجهزة الأمنية والجيش إلى ميليشيات تعمل لصالح أفراد وليس لخدمة الدولة والشعب.
وأوضح أن نجاح هذه الخطوة مرهون بالقطيعة مع المرحلة السابقة تمامًا، ومغادرة ذهنية السيطرة على منطقة معينة لصالح مفهوم الدولة التي تحتكر العنف للحفاظ على المجتمع.
وقال غليون إن دوره الحالي يتمثل بالإضاءة على الراهن السياسي، وتقديم المساعدة للأطراف الفاعلة في المعادلة السياسية، لخلق ديناميكيات تدفع الشعب إلى الأمام وتبني دولة المؤسسات التي يحتاجها السوريون.
والدكتور غليون مفكر وأستاذ علم الاجتماع السياسي ومدير مركز دراسات الشرق المعاصر في جامعة السوربون، وترأس عام 2011 المجلس الوطني السوري السابق.