أكد الرئيس السوري أحمد الشرع، أن مستقبل بلاده سيستند إلى نظام جمهوري يضم حكومة تنفيذية وبرلمانًا يعملان ضمن إطار قانوني يحقّق المصلحة العامة.
وشدّد الشرع في إطلالة على شاشة تلفزيون سوريا من دمشق، على أن شكل نظام الحكم في سوريا سيكون منسجمًا مع القيم التي أُسستْ عليها الدولة منذ نشأتها، حيث ستتعاون السلطات الثلاث لضمان تحقيق العدالة والمساءلة.
وقال: “في المرحلة الأولى سيكون هناك برلمان مؤقت لأن البرلمان المنتخب متعذّر الآن”.
وبرأيه، فإن “الحالة الانتخابية في سوريا متعذّرة، فنصف الشعب موجود خارج سوريا وكثير منهم لا يملك وثائق”.
وأضاف الشرع: “في سوريا ولادات كثيرة غير مسجلة، وفيها وفيات كثيرة غير مسجلة، وهناك مفقودون، كما أن بعض الأجزاء من سوريا ما تزال خارج سيطرة الدولة، فبالتالي، الانتخابات تحتاج إلى بنية تحتية”، وهذا قد يستغرق وقتًا طويلًا.
والأربعاء الماضي، أعلنت الإدارة السورية الجديدة تعيين الشرع رئيسًا للبلاد بالمرحلة الانتقالية، بجانب قرارات أخرى منها حل الفصائل المسلحة والأجهزة الأمنية القائمة في العهد السابق، ومجلس الشعب، وحزب البعث الذي حكم البلاد على مدى عقود، وإلغاء العمل بالدستور السابق.
وفي 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024، بسطت فصائل سورية سيطرتها على العاصمة دمشق بعد أيام من السيطرة على مدن أخرى، لينتهي بذلك 61 عامًا من نظام حزب البعث و53 سنة من حكم عائلة الأسد.
المؤتمر الوطني
وعن المؤتمر الوطني، أعلن الرئيس السوري أحمد الشرع في حديثه لتلفزيون سوريا أنه سيتم تشكيل لجنة تحضيرية، ستجري مشاورات موسّعة مع مختلف الأطياف السورية قبل انعقاد المؤتمر.
وأردف بأن هذا المؤتمر سيصدر بيانًا ختاميًا يمهّد الطريق نحو إعلان دستوري يحدّد مستقبل البلاد، مضيفًا أن صياغة الإعلان الدستوري لن تكون قرارًا فرديًا، بل نتيجة مشاورات واسعة تعكس إرادة الشعب.
وفيما إذا كان هناك جدول زمني لهذه المراحل وصولًا إلى مرحلة الانتخابات، قال الشرع: “لديّ تقدير أن المدة ستكون تقريبًا بين أربع إلى خمس سنوات وصولًا إلى الانتخابات، لأن هناك بنية تحتية تحتاج إلى إصلاحات واسعة كما ذكرت، وهذا يحتاج إلى وقت”.
العدالة الانتقالية
إلى ذلك، أشار الرئيس السوري إلى أن العدالة الانتقالية ستوازن بين الحفاظ على السلم الأهلي وضمان حقوق الضحايا، مشدّدًا على أن العفو لن يشمل مرتكبي الجرائم المنظّمة.
وأكد متابعة القضايا المتعلقة بالمفقودين ومحاسبة المسؤولين عن الجرائم الجسيمة، لضمان تحقيق العدالة دون المساس باستقرار المجتمع.
الشرع الذي لفت إلى أن معركة إسقاط نظام الأسد لم تكن ضربة حظ، قال إنها نتيجة تخطيط إستراتيجي استمر لخمس سنوات في إدلب.
وأوضح أن القوى الثورية وحّدت صفوفها ونظّمت جهودها العسكرية لمواجهة قوات النظام، مشيرًا إلى أن التحضير للمعركة شمل مراقبة دقيقة للأوضاع في مناطق سيطرة النظام، مع المتابعة الحثيثة للحالة السياسية والأمنية للنظام.
وأشار الرئيس السوري إلى أن جزءًا كبيرًا من تفاصيل المعركة لم يُكشف حتى الآن، ربما يشكّل نحو 30 إلى 40% من مجريات الأحداث.
واعتبر أن “النجاح تحقّق من خلال استخدام تكتيكات عسكرية مبتكرة وتضليل العدو بمعلومات مغلوطة عن التحركات العسكرية”.
وأضاف: “نقلنا دبابات ومدرعات وقوات كبيرة، لكن أخفينا نقطة الهجوم الرئيسية، التي بدأت من منطقة الشيخ عقيل، حتى المقربون مني لم يكونوا على علم بهذه النقطة، باستثناء عدد محدود جدًا”.
“تركة ثقيلة”
وقال الرئيس السوري أحمد الشرع إن التحديات لم تنتهِ بسقوط النظام، إذ واجهت الحكومة الجديدة تركة ثقيلة من مؤسسات منهارة واقتصاد متفكك، مشدّدًا على أهمية إعادة بناء الدولة من الصفر وتعزيز الثقة بين الشعب والحكومة من خلال إصلاحات شاملة.
وأفاد بأن المرحلة المقبلة ستعتمد على الموارد البشرية السورية، معتبرًا أن التنوع والخبرات الواسعة لدى السوريين ستكون الركيزة الأساسية لإعادة إعمار البلاد.
شدد الرئيس الشرع على متابعة القضايا المتعلقة بالمفقودين ومحاسبة المسؤولين عن الجرائم الجسيمة- غيتي
وأكد الرئيس السوري أن تشكيل حكومة تشاركية في البلاد سيكون خطوة أساسية نحو إعادة بناء المؤسسات وتعزيز مفهوم المواطنة، مشيرًا إلى أهمية الكفاءات الوطنية في إدارة الشؤون العامة.
ورأى أن سوريا تمر بمرحلة إعادة بناء للقوانين وتفعيل دور المؤسسات، مذكرًا بأن البلاد تفتقر حتى الآن إلى قانون ينظم عمل الأحزاب السياسية بشكل فعال.
وأكد رفضه لفكرة المحاصصة في توزيع المناصب الحكومية، محذرًا من أن هذا النهج يؤدي إلى تعطيل مؤسسات الدولة ويهدد استقرارها.
وأشار إلى أن توزيع السلطة بناءً على الانتماءات الطائفية أو العرقية يخلق حالة من الانقسام، ويمنح كل طرف حق الفيتو الذي يعطل سير العمل.
رسائل طمأنة
وأكد الرئيس السوري إرسال رسائل طمأنة للجميع بأن “هدفنا هو إعادة الأمن والاستقرار”.
وقال: “اليوم تشكل الدولة ضمانة لكل الطوائف. السلم الأهلي ليس رفاهية اليوم في سوريا، بل هو واجب على السوريين أن يبذلوا ما استطاعوا من قوة للحفاظ على وحدتهم، لأن هذا هو العنصر الأساسي الذي سيكون الداعم الحقيقي لنهضتهم”.
وأعلن الشرع، استمرار عملية التفاوض مع “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، مؤكدًا أن الهدف الأساسي هو الحفاظ على وحدة سوريا وضبط السلاح تحت سيطرة الدولة.
وأوضح الشرع أن المفاوضات مع “قسد” تهدف إلى تحقيق توافق يضمن أن تكون سوريا موحدة، وأن يكون السلاح منضبطًا، مشيرًا إلى أن “قسد” أبدت استعدادها لهذا الأمر، لكن هناك خلاف على بعض الجزئيات.
وأكد أن جميع الأطراف، سواء الإقليمية أو الدولية، تدعم فكرة وحدة الأراضي السورية وترفض أي محاولات للانفصال أو الانقسام.
وأوضح الشرع أن جيش النظام السوري السابق لم يكن جيشًا سوريًا كما يتصوره البعض، بل خضع لتفكك كبير ونفوذ خارجي، فضلًا عن ارتباطه بعائلة أو بأشخاص محددين، لا بمصلحة الوطن ككل.
وأضاف أن قرار حلّ الجيش السابق جاء نتيجة افتقاره للقدرة العسكرية الاحترافية التي تخدم المصلحة الوطنية.
ولفت إلى أنه مع الإعلان عن هذا القرار، كانت هناك بدائل، ففي إدلب، يُعمل منذ سنوات على هذا الملف، وتمثّل ذلك في كلية حربية خرّجت ضباطًا أكفاء، إضافةً إلى ضباط منشقين امتلكوا خبرة عسكرية عالية طوال السنوات الماضية.
وفي سياق متصل، تحدّث الشرع عن تراكم خبرات قتالية كبيرة لدى الفصائل التي عملت تحت ظلّ الثورة، مشيرًا إلى أنهم حازوا احترافًا عاليًا خلال السنوات الماضية، الأمر الذي يجعلهم مؤهلين ليكونوا نواة جيش وطني جديد.
وعن المراحل التي يمرّ بها مشروع الجيش الوطني، أوضح الرئيس السوري أن الخطوة الأولى تتمثّل في ضبط السلاح داخل الثورة وضمان توحيد القوى تحت قيادة مركزية، موضحًا أن هذا الأمر يخضع لمشاورات متواصلة منذ انطلاق الثورة وحتى انطلاق المعركة، حتى وصولا إلى المرحلة الحالية، وهو ما يعد الآن أولوية.
وشدد على أن الجيش الوطني سينبثق من رحم الثورة التي عمِل مقاتلوها على إسقاط النظام السابق، مشيرًا إلى أن ذلك دليلٌ كافٍ على وطنيتهم وحرصهم على مصالح الشعب السوري.