صنعت الولايات المتحدة حوالي 294 ألف طائرة لمصلحة جهود الحرب العالمية الثانية، وبمجرد ضمان السلام أصبح لدى الجيش الأميركي فائض ضخم من تلك الطائرات كان لزاما عليه أن يجد لها مكانا تُركن فيه.
يتم تخزين الطائرات العسكرية الأميركية الفائضة في أكبر مقبرة طائرات بالعالم، والتي تديرها مجموعة الصيانة والتجديد الفضائية رقم 309 (AMARG) في قاعدة ديفيس مونثان الجوية في توسان.
وعن هذا الموضوع طرحت مجلة إيكونوميست السؤال التالي: “ماذا تفعل 3200 طائرة دفاعية في صحراء نيفادا؟”.
وقبل الرد على هذا السؤال ارتأت المجلة البريطانية في البداية أن تبرز ما تواجهه قوات الدفاع الجوي عند التدريب، فإذا استثنيا -كما تقول المجلة- بالون التجسس الصيني العرضي، فإن السماء لا توفر كثيرا من الأشياء التي يمكن إطلاق النار عليها، وهذا على عكس من يخدمون في المشاة أو المدرعات إذ يكون تدربهم على التصويب أمرا بسيطا نسبيا.
وللتغلب على مثل هذه المعضلة تستخدم القوات المسلحة طائراتها المقاتلة، فمنذ عام 2010 قامت شركة بوينغ بتحويل طائرات إف-16 المقاتلة المتقاعدة إلى طائرات كيو إف-16 من دون طيار التي يمكن تمييزها بسهولة من خلال ذيولها البرتقالية.
وتستخدمها القوات الجوية كطائرات مطاردة أو تطلق الصواريخ بجانبها لكن ليس عليها مباشرة، وبعد نحو 300 ساعة من المطاردة وإطلاق النار عليها تنتهي مدة خدمتها كأهداف فوق خليج المكسيك، حيث يتم إسقاطها بالذخائر الحية، وينتهي المطاف بحطامها في قاع البحر.
وتعد مجموعة الصيانة والتجديد الفضائية مصدرا للدهشة في المنتديات على شبكة الإنترنت التي يرتادها المهووسون بالطيران، والذين يطالعون صور الأقمار الصناعية لطائرات يبلغ عددها 3200 طائرة من 75 نوعًا مختلفًا متناثرة على مساحة 2600 فدان في الصحراء.
وبالنسبة لعامة الناس تُعَد مقابر الطائرات مكانًا لتحللها، لكن الواقع أن المكان هو موقع تخزين مؤقت، ومصدر لقطع الغيار ومنشأة “تجديد”، حيث يعاد تجهيز الطائرات المخزنة للطيران مرة أخرى.
وتنقل المجلة عن روبرت راين المتحدث باسم مجموعة الصيانة توضيحه أن “لا شيء تراه هنا يعتبر خردة”. وحتى ما هو خردة بشكل واضح -مجموعة من قاذفات B-52 المتحللة التي تم قطع أجنحتها وذيولها- موجود هناك لسبب ما، ويحتفظ بها في تلك الحالة حتى تتمكن أقمار التجسس الروسية من التحقق من امتثال أميركا لمعاهدة الحد من الأسلحة الإستراتيجية.
وبعدما تجرد الطائرة من أجزائها القابلة للاستخدام، يطلب مالكها -القوات الجوية وخدمات الغابات وغيرها- من AMARG عادة التخلص منها، وتتلخص الخطوة الأولى في إزالة أي شيء مصنف على أنه سري و”نزع الصفة العسكرية” عن الطائرة، ثم تزال كل الأجزاء الخطرة مثل السوائل الهيدروليكية، والمواد الأخرى مثل الأسبستوس، والمتفجرات مثل تلك الموجودة في نظام مقعد القذف.
وبعد ذلك، يتولى المقاولون المهمة، فيقومون بتمرير ما تبقى من الطائرة عبر آلة التقطيع مرتين، لتخرج الطائرة من الجانب الآخر على شكل قطع يبلغ طولها نصف سنتيمتر تقريبا.
ويقول السيد راين “هذه الأشياء مصنوعة من الألمنيوم العالي الجودة، وهي تتحول على الأقل إلى أجزاء سيارات”، كما يعاد استخدام معادن أخرى مثل التيتانيوم.
وعن سبب اختيار هذه المنطقة بالذات، يقول موقع www.airplaneboneyards.com إنها تتميز بانخفاض نسبة الرطوبة إلى ما بين 10% و20%، وهطول أمطار هزيل يبلغ 11 بوصة سنويًّا، وتربة قلوية صلبة، وارتفاع شاهق يبلغ 2550 قدمًا مما يسمح بحفظ الطائرات بشكل طبيعي لاستخدامها أو إعادة استخدامها، كما أن جيولوجيا الصحراء تسمح بنقل الطائرات من مكان إلى آخر دون الحاجة إلى رصف مناطق التخزين.