يعتبر السودان سلة الوطن العربي للغذاء؛ إذ يمتلك أكثر من مليون رأس من الماشية[1]؛ وهو ما يساوي أكثر من رأسي ماشية لكل سوداني، كما يمتلك موارد زراعية ضخمة، خصوصًا في مجال الفول والسمسم ودوار الشمس، والقطن، إضافة للصمغ العربي والقمح، ويحتوي كذلك على ثروات باطنية من نفط وذهب وبعض المعادن.
وتنطلق رؤية الأطراف المتصارعة الداخلية والخارجية للسودان من هذه النقطة، أي أنه موطن للرجال الذين يجب تحويلهم إلى جنود أو عمال، وموطن الثروات الزراعية والطبيعية الواجب استغلالها.
كما تنبع أهمية السودان الجيوسياسية من تموضعه على البحر الأحمر من جهة، وكونه مدخلاً لإفريقيا من جهة أخرى، إضافة لثروته الزراعية الكبيرة، والأراضي الخصبة التي تعود جودتها لتدفق نهر النيل والمياه المطرية الكثيفة.
من الملاحظ زيادة الاهتمام بالسودان من قبل فاعلين مختلفين، حيث يمكن تقسيم الفاعلين الرئيسيين إلى أربع مجموعات، هي فاعلين دوليين، وفاعلين محليين، وفاعلين إقليمين، وفاعلين خليجين.
أولاً: مصالح الفاعلين الدوليين الاقتصادية
في إطار البيئة الدولية، يمكن الحديث عن فاعلين رئيسيين منخرطين فعليًا في السودان، وهما: روسيا والصين.
روسيا
تمتلك روسيا ثلاث مصالح اقتصادية في السودان:
- الأولى هي توريدات السلاح، وهو مايعني أن الروس يرون أن الجيش السوداني هو زبون رئيسي في توريد السلاح، إذ يمتلك السودان طائرات ميغ روسية وكلاشنكوف ويعتمد عليها بشكل رئيسي في عمليات القتال.
- النقطة الثانية هي وجود روسيا في البحر الأحمر عبر ميناء بورتسودان المتوقع أن تبدأ روسيا عملها فيه قريباً[2] وهذا يعني أنها تستطيع حماية مصالحها في منطقة حيوية للغاية، علمًا أنّ السفن الروسية التي تعبر البحر الأحمر نحو المتوسط قادمة من الصين أو الهند.
- النقطة الثالثة هي أن السودان بوابة رئيسية -بجانب ليبيا- للدخول في بقية دول إفريقيا التي تعني لروسيا مزيداً من الذهب والاستثمارات من الناحية الاقتصادية.
الصين
تبرز الصين بوصفها لاعبًا أساسيًا في إفريقيا، وهي توسع استثماراتها وتعاونها بشكل ملحوظ هناك، وتهتم الصين بأن يكون لديها حضور في البحر الأحمر والدول المجاورة في إطار مشروع الحزام والطريق الصيني.
وترغب الصين بالاستثمار في مجال الموانئ، والاستفادة من الموارد الاقتصادية الطبيعية في السودان، كما أن القروض الصينية للحكومة أصبحت أداة مهمة في السيطرة والتحكم.
ثانيًا: مصالح الفاعلين الإقلميين الاقتصادية
في الإطار الإقليمي يمكن الحديث عن كل من مصر الجارة الرئيسية للسودان والتي يجمعها معه تاريخ طويل من العلاقات المشتركة وكذلك المصير، وثانيًا تركيا، وكذلك إيران.
مصر
تمتلك مصر استثمارات جيدة في السودان، حيث تستثمر الشركات المصرية بأراض زراعية واستثمارات أخرى بقيمة 10 مليار دولار[3].
وتهتم مصر بالسودان لأسباب اقتصادية أخرى تتعلق بالوقوف في وجه المشروع الإثيوبي حول بناء سد النهضة الذي يهدد الأمن القومي المصري والسوداني.
كما يُعَدّ حجم العلاقات الاقتصادية الثنائية كبيرًا بين البلدين، فهناك 240 مليون دولار مستثمرة من السودانيين في الجارة مصر[4]، والتي ترى أن استقرار السودان سيؤمن لها موارد رخيصة جدًا، خصوصًا لتأمين الغذاء لعدد كبير من السكان المصريين.
إيران
يتوقع أن مصالح إيران الاقتصادية أقل من غيرها، ولكن إيران تركز على أنشطة أخرى تتعلق بقدرة التاجر الإيراني وكذلك تجار حزب الله والتجار اليمنيين المقربين من الحوثيين على العمل في السودان.
وتُعتبَر التحويلات المالية في إفريقيا والشبكات المالية التي بنتها إيران مهمة للتهرب من العقوبات من جهة، ومن جهة أخرى لخلق موارد لأنصارها في لبنان واليمن.
تركيا
تعتقد تركيا أن الدخول إلى السودان يشكّل فرصة للتاجر التركي للوجود في سوق عربي جديد، كما أن البحر الأحمر يعني لتركيا قدرة أكبر على التحرك التجاري.
ومن ناحية أخرى، ترى تركيا أن هناك فرص لتقديم خدمات في مجال البنى التحتية في السودان في مرحلة ما بعد الحرب.
ثالثًا: مصالح الفاعلين الخليجيين
تعد دول الخليج صاحبة الاستثمارات الأكبر في السودان، فالدول الخليجية استثمرت أكثر من 50 مليار دولار في السودان[5]. وتتصدّر السعودية قائمة المستثمرين في السودان، تليها الإمارات، والكويت وقطر.
السعودية
يُعتبر السودان دولة مجاورة للسعودية، حيث يمتلك البلدان حدودًا بحرية طويلة من خلال البحر الأحمر الذي يبلغ عرضه بالمتوسط حوالي 250 كم، أي ما يعد مسافة قصيرة لقطعها بحرًا بين البلدين.
تنظر السعودية إلى السودان على أنه موطن للقوى العاملة ومساحات زراعية واسعة يمكن استثمارها، وبالتالي فإن السعودية حصلت على الموارد البشرية من السودان الذي يعد سادس جالية أجنبية في السعودية في 2024 حيث يبلغ عدد السودانين 820 ألف نسمة تقريبًا[6]، وهو ما يشكّل حوالي 2.5% من سكان المملكة.
تنبع أهمية السودان الجيوسياسية من تموضعه على البحر الأحمر من جهة، وكونه مدخلاً لإفريقيا من جهة أخرى، إضافة لثروته الزراعية الكبيرة، والأراضي الخصبة التي تعود جودتها لتدفق نهر النيل والمياه المطرية الكثيفة.
على جانب آخر، استفادت السعودية من السودان بالقتال ضد الحوثيين، حيث يتوقع أن أكثر من 30 ألف جندي سوداني شارك في الحرب اليمنية[7]، وهؤلاء شاركت بهم السعودية فعليًا في القتال ضد الحوثيين، وساندوها في معركتها وحماية حدودها.
وفي الجانب الأخر كانت الزراعة (بشقيها الحيواني والنباتي) في السودان تمثل أهمية عالية للسعودية التي تمتلك قطاع صناعة ألبان ضخمًا، حيث تساهم صناعة الألبان بحوالي 12% من الناتج المحلي السعودي غير النفطي؛ بالتالي يحتاج لكميات كبيرة من الحليب الطازج الذي يُعَدّ السودان مصدره الرئيسي.
يمتلك السودان موارد زراعية ضخمة، خصوصًا في مجال الفول والسمسم ودوار الشمس، والقطن – غيتي
الإمارات
تُعَدّ الإمارات من أهم الباحثين عن مصلحة اقتصادية في المنطقة، حيث تمتلك رصيدًا كبيرًا من الذهب الذي تسعى لتعزيزه عن طريق وجودها في إفريقيا، فالإمارات تعتبر السودان بوابتها الرئيسية لتهريب الذهب إلى أراضيها، والحصول على ذهب رخيص من جهة.
وتعد الإمارات المشتري الرئيسي للذهب من السودان، حيث تقدر التعاملات التجارية الإماراتية السودانية بأكثر من ملياري دولار معلنة، إضافة لمبالغ أخرى غير معلنة بصيغة ذهب يتم تهريبه لشركات تعمل في الإمارات.
من جهة أخرى ترى الإمارات أن الزراعة السودانية تشكل موردًا مهمًا لصناعاتها الغذائية، وتسعى إلى تثبيت حضورها في البحر الأحمر عبر السودان، لذا فهي ستكون سعيدة لو حصلت على ميناء أو مؤسسات تديرها عبر مؤسساتها.
قطر
ترى قطر أن السودان بلد غني بالموارد يمكن الاستثمار فيه، خاصة لصالح الزراعة النباتية والحيوانية، ومع الحصار الذي فرض عليها، وجدت قطر أن الاستثمار في السودان كان قرارًا استراتيجيًا.
وترى قطر أن دعم البنى التحتية في السودان سينعكس على استثماراتها بشكل مباشر، كما سينعكس على استقرار السودان الذي سيضمن لها موارد جيدة.
الكويت
تعتبر الكويت دائنًا رئيسيًا للسودان بحوالي 10 مليار دولار[8]، وتمتلك استثمارات جيدة في القطاع الزراعي، وهي ترى أن الاستقرار في السودان سينعكس على الأمن الغذائي وتعزيز الاستثمار من قبلها.
وتمارس الكويت دورًا خيريًا في السودان حيث تقدّم مساعدات للشعب بشكل مباشر، وتعزز حضورها في مجال التدريب والدورات.
رابعًا: المصالح الاقتصادية للأطراف السودانية المتصارعة
يمكن الحديث عن طرفين رئيسيين في الصراع السوداني، هما قوات الدعم السريع، والجيش السوداني.
قوات الدعم السريع
تمتلك قوات الدعم السريع فكرًا ميليشيويًا يعتمد على الاستفادة الاقتصادية من كل حدث عسكري أو سياسي، حيث سيطرت قوات الدعم السريع على مناجم ذهب، وقامت بعمليات تهريب للذهب من وإلى السودان أو عبره نحو الإمارات، كما قاتلت في السعودية مقابل مبالغ مالية ممنوحة لكل مقاتل.
ويمثل استمرار الحرب قدرة أكبر لقوات الدعم السريع على الاستفادة المالية، فعمليات الاستثمار الحالية للقوات تشكل ثروات حقيقية للقيادات في قوات الدعم السريع والمقربين منهم، ويستفيد الأفراد من هذه المبالغ بشكل كبير.
ويمكن تلخيص وجهة نظر الدعم السريع الاقتصادية بأنها كميليشيا يمكن أن تقوم بأدوار وظيفية مقابل المال، ويمكن أن تسيطر على موارد مهمة للغاية كجبل عامر المليء بالذهب، وكذلك قتال قواتها خارج السودان الذي يمكن أن يمثل موارد مالية جيدة لمقاتليها.
يمثل استمرار الحرب قدرة أكبر لقوات الدعم السريع على الاستفادة المالية – غيتي
الجيش السوداني
يُعَدّ الجيش السوداني متضرّرًا فعليًا من الاقتتال من الناحية الاقتصادية، حيث خرج جزء كبير من الموارد من يده، وعلى الرغم من أن بعض القيادات في الجيش لديها شركات واستثمارات تدر عليهم الربح، كما أنها تستفيد من المقدرات السودانية في الصرف على الجيش، إلا أنها ترى أن حالة الاستقرار أفضل من حالة استمرار الحرب، فالاستقرار يمكن أن يعيد تشغيل مؤسسات الجيش وهو مايوفر موارداً أفضل له.
في الملخص
يمكن القول إن الفاعلين الرئيسين في السودان يفضلون السلم على الحرب، باستثناء بعض الفاعلين الخارجيين الذين يعتبرون الاستقرار غير مفيد في هذه المرحلة.
وتُعتبَر السعودية أكبر المتضررين من الحرب في السودان، ومعها سائر الدول الخليجية التي خسرت استثماراتها ومخزن الغذاء الرئيسي لها.
كما تُعَدّ مصر التي تدعم الجيش حاليًا من أبرز المتضررين من النزاع، حيث ترى أن استمرار النزاع يقوض حل أزمة سد النهضة لصالحها، كما أن عدم استقرار السودان يعني موارد زراعية أقل يمكن الاعتماد عليها من أراضيه.
ويتضرر كذلك القطاع الاستثماري المصري الموجود في السودان فلدى مصر استثمارات كبيرة نسبيًا في البلد المجاور، لذا فإن مصر تفضل سودانًا مستقرًا بأقرب وقت.
كما تعد روسيا ذات مصلحة في سودان مستقر يعطيها أفضلية الولوج للبحر الأحمر، وكذلك الصين بدرجة مماثلة، كما تطمح تركيا أن تتواجد في السودان بشكل أكبر خاصة مع زيادة اشتباكها السياسي مع اسرائيل وقضايا المنطقة.