مع استمرار حالة الفوضى والحواجز الأمنية غير المرخصة، أعلن مدير أمن محافظة ريف دمشق بدء نشر القوات داخل مدينة جرمانا لفرض الأمن.
ويأتي نشر القوات بعد حادث أمني أدى إلى مقتل عنصر من القوات الحكومية على يد مجموعة مسلحة، في المدينة الواقعة على بعد عشرة كيلومترات من العاصمة دمشق.
وبعد ساعات من الاشتباكات، انتشرت مجموعة مسلحة تعرف باسم “درع جرمانا”، في الطرقات وعلى أسطح البنايات، كما أُطلقت دعوات مجهولة لحشد الطائفة الدرزية للتوجه إلى المدينة.
وشهدت التطورات الأخيرة في جرمانا تحركًا إسرائيليًا سريعًا لوّح من خلاله رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الأمن يسرائيل كاتس، بالتدخل عسكريًا في سوريا، إذا أقدمت الحكومة على المساس بالدروز، وفق الوصف الإسرائيلي.
وتتسق التهديدات الإسرائيلية بالإمعان في انتهاك السيادة السورية، مع الخطط التوسعية التي تباشرها إسرائيل على طول حدودها مع سوريا، خصوصا بعد كشف وسائل إعلام إسرائيلية عن تشييد سبع قواعد عسكرية من جبل الشيخ شمالًا إلى غاية الحدود الجنوبية.
وخلفت التحركات ردودًا مستنكرة، آخرها تحذيرات زعيم الطائفة الدرزية في لبنان، وليد جنبلاط، من استغلال إسرائيل للطوائف لتفتيت المنطقة.
وأكد جنبلاط الأحد في مؤتمر صحفي من منزله، أن دروز سوريا لن يستجيبوا لمخطط نتنياهو الرامي إلى تقسيم البلاد، وتهديد الأمن القومي العربي.
“إفساح المجال للقوى المجتمعية”
وفي هذا الإطار، يرجع الأكاديمي والباحث السياسي عصمت العبسي تفاقم الإشكال إلى وجود “متربصين يحاولون الاصطفاف خلف طائفة أو عرق”.
وأضاف العبسي في حديث إلى التلفزيون العربي من دمشق أن القيادة السورية الجديدة تنتهج سياسة ترك المجال للقوى المجتمعية لمحاولة فرض الأمن في مناطقها، ما دفع قوى الأمن العام إلى التريث بمسألة تطويق المشكلة بسهولة منذ اللحظات الأولى.
وعلّل العبسي نهج القيادة السورية الجديدة بأن السوريين خرجوا من تحت حكم نظام بوليسي استبدادي ولّد لديهم حساسية تجاه استخدام أي قوة مفرطة ومباشرة، فكان هذا النهج من باب سد الذرائع أمام المتربصين.
ويؤكد الأكاديمي والباحث السياسي أن تشكيلة الحكومة المرتقبة هي من ستنزع هذا الإشكال الحاصل اليوم، وأن التوجه اليوم هو توجه وطن ومواطنة.
مسؤولية الجميع
وعن الاستغلال الإسرائيلي السريع للحادثة، يرى القيادي في الحزب التقدمي الاشتراكي اللبناني خضر الغضبان أن تصريحات نتنياهو تعكس المخطط الإسرائيلي القائم على تفتيت الدول المحيطة بالاحتلال إلى كيانات طائفية مذهبية تشبه دولة إسرائيل.
ويشدد الغضبان في حديث إلى التلفزيون العربي من بيروت على أن الطائفة الدرزية في سوريا بعيدة عن تحقيق هذه الأوهام الإسرائيلية، وأنه لا يمكن قياس الدروز كأقلية في سوريا، بل هم أكثرية في تاريخهم ودورهم في بناء سوريا وفي لبنان وفق قوله.
ويضيف أن رسالة الزعيم الدرزي اللبناني وليد جنبلاط كانت واضحة للأكثرية الساحقة من الدروز في سوريا، بأن هناك قلقًا مما يجري في المنطقة التي شهدت حروبًا مدمرة في غزة ولبنان في ظل الدعم الأميركي الغربي لنتنياهو.
ويؤكد القيادي في الحزب التقدمي الاشتراكي اللبناني أن “دور جنبلاط مع الأحرار من جبل العرب هو تفويت الفرصة على الاحتلال في تحقيق مخططاته”، مشيرًا إلى أن المسؤولية تقع على عاتق جميع القوى الوطنية الفاعلة في سوريا والإدارة السورية الجديدة.
الدروز وتأسيس الكيان السوري الحديث
بدوره يجزم رئيس تحرير موقع عرب ثمانية وأربعين رامي منصور أن إسرائيل تدرك أنها لا تستطيع اختراق الدروز في سوريا لكونهم جزءًا أساسيًا في تأسيس الكيان السوري الحديث.
وفي حديثه للتلفزيون العربي من حيفا يعتقد منصور أنه رغم إصرار إسرائيل على زرع الفتنة وتقديم بعض الإغراءات في هيئة حماية ووصاية للدروز في سوريا، إلا أن هناك وعيًا سوريًا وطنيًا عروبيًا خصوصًا لدى الدروز في سوريا.
ويشير إلى أن إسرائيل تسعى إلى تحويل الدروز في سوريا إلى ذراع أمني تستخدمه لاحتلال المزيد من الأراضي في جنوب سوريا وصولا إلى العاصمة دمشق، رغم إدراكها عدم إمكانية اختراق الطائفة الدرزية.
ويبين منصور أن التصريحات الإسرائيلية الأخيرة لا تعدو كونها تصريحات سياسية فقط، استجابة للضغوطات التي يمارسها الدروز في فلسطين.
“المزاج الشعبي يرفض المنطق الطائفي”
من جانبه، يؤكد الباحث السياسي مضر الدبس أن السوريون اليوم يخوضون المعترك السياسي كأفراد وبوصفهم مواطنين، وهو ما نراه في الحوار الوطني، مضيفًا أن المزاج الشعبي العام يرفض المنطق الطائفي في العمل السياسي كجماعات.
ويضيف الدبس في حديث إلى التلفزيون العربي، أن ما حصل يعتبر درسًا كبيرًا يبين للجميع مسؤولية الكلمة، وخصوصًا لدى من تصدروا مواقع المسؤولية السياسي والاجتماعية، بحسب قوله.
ويؤكد أنه لا يمكن لإسرائيل أن تفكر في احتلال أي دولة ما لم تكن هناك قابلية للاحتلال في ذاك البلد، مشددًا على ضرورة القضاء على هذه القابلية من خلال التحلي بمسؤولية الكلمة والقناعة بأن عهد العمل السياسي كجماعات على أساس عرقي أو طائفي قد انتهى.
ويوضح الدبس أن الجماعات في سوريا كانت تستخدم هذه التنظيمات الأهلية لعدم وجود إمكانية تشكيل كيانات سياسية إبان عهد النظام السابق، أما اليوم فالوضع مختلف تمامًا.