اجتمع القادة الأوروبيون في لندن أمس الأحد، لصياغة خطة للمساعدة في إنهاء الحرب على أوكرانيا. ووعدت بريطانيا وفرنسا بحشد “تحالف للدول الراغبة” لتأمين اتفاق سلام بين أوكرانيا وروسيا.
لكنّ الاختبار الحاسم لأوروبا يكمن في عدد الدول التي قد تتقدّم للانخراط في هذا التحالف، وما إذا كان التحالف سيُشكل أهمية كبيرة، نظرًا لرفض روسيا لمثل هذا التحالف كجزء من أي تسوية.
وحتى رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر ترك هذه الأسئلة دون إجابة بعد انتهاء قمة لندن. واعترف بأنّه “لن تشعر كل الدول بالقدرة على المساهمة”، رغم أنّه أعرب عن تفاؤله بأن العديد من الدول ستفعل ذلك، وهو ما من شأنه أن يرسل إشارة إلى الرئيس الأميركي دونالد ترمب بأنّ أوروبا مستعدة “للقيام بالعبء الثقيل”.
ونقلت صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية عن محلّلين قولهم إنّ إعادة ترمب إلى العملية السياسية لا تقلّ أهمية عن مهمة ونطاق التحالف الأوروبي.
ففي الوقت الحالي، تبدو الولايات المتحدة عازمة على التوصّل إلى اتفاق مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين رغمًا عن أوروبا وأوكرانيا ومن دون أي ضمانات أمنية.
وقدّم ستارمر تحالفه كواحد من الخطوات المتعدّدة، التي تضمّنت استمرار المساعدات العسكرية لأوكرانيا لتحسين موقفها في ساحة المعركة، ومقعدًا لكييف على الطاولة في أي مفاوضات سلام، ومزيدًا من المساعدة في قدراتها الدفاعية بعد التسوية.
وبالإضافة إلى بريطانيا وفرنسا، تبدو دول شمال أوروبا مثل الدنمارك وهولندا مرشّحة واضحة للمشاركة. وكلا البلدين من الداعمين الماليين الأقوياء للمجهود الحربي في أوكرانيا، كما أنّهما عضوان في حلف شمال الأطلسي “الناتو”، وساهما في “حملات أمنية” أخرى.
وتُعدّ ألمانيا ثاني أكبر مُساهم في المساعدات العسكرية وغيرها من المساعدات لأوكرانيا، بعد الولايات المتحدة.
عقبات سياسية واقتصادية
لكن كل دولة تُواجه عقبات سياسية واقتصادية، مثل الحاجة إلى إقرار إجراءات برلمانية مُحدّدة في هولندا، وعدم تشكيل حكومة جديدة في ألمانيا بعد الانتخابات الأخيرة.
وقالت رئيسة وزراء الدنمارك ميتي فريدريكسن، إنّها تتمتّع بـ”عقل منفتح”، بينما قال رئيس الوزراء الهولندي ديك شوف إنّه “لم يُقدّم بعد تعهّدات ملموسة”.
أما المستشار الألماني المنتهية ولايته أولاف شولتس، فقال بعد اجتماع الأحد في ما بدا وكأنه أقلّ من مجرد دعوة مثيرة لحمل السلاح: “سنُعيد التفاوض بشأن هذه القضايا بالتحديد”، مضيفًا أنّ زيادة الإنفاق العسكري “ستتطلّب جهدًا لم يستعد له الكثيرون بعد بشكل كافٍ”.
ويسعى فريدريش ميرز، خليفة شولتس، جاهدًا للحصول على مبلغ ضخم من التمويل للدفاع في البرلمان الألماني الحالي، ربما لا يقلّ عن 200 مليار يورو أي نحو 207 مليار دولار، لأنّه يُواجه احتمال وجود أقليّة معارضة في البرلمان المقبل تكون كبيرة بما يكفي لمنع الإنفاق الإضافي.
كما قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في مقابلة مع صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية مساء الأحد، إنّ الخطة البريطانية-الفرنسية الناشئة ستبدأ بهدنة لمدة شهر بين أوكرانيا وروسيا، مشيرًا إلى أنّ نشر قوات حفظ السلام لن يكون إلا بعد المفاوضات.
وقال ماكرون إنّ “السؤال هو كيف سنستغلّ هذا الوقت لمحاولة التوصّل إلى هدنة من خلال مفاوضات ستستغرق عدة أسابيع؟”، مضيفًا أنّه “بعد التوقيع على السلام، سيتمّ نشر القوات”.
وأردف: “نُريد السلام، ولا نريده بأي ثمن وبدون ضمانات”.
ولا تزال رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، التي أقامت علاقات ودية مع إدارة ترمب، تُشكّك في دور قوة حفظ السلام.
وأشارت إلى أنّ نشر القوات الإيطالية “لم يكن مطروحًا على الطاولة على الإطلاق”، مضيفة أنّ مثل هذه العملية تنطوي على خطر أن تكون “مُعقّدة للغاية وأقلّ فعالية”.
دول غير راغبة
وهناك دول أخرى غير راغبة بشكل علني في الانضمام إلى الخطة الفرنسية – البريطانية. وأبرز هذه الدول هي المجر التي حاولت في الماضي وقف المساعدات الأوروبية الإضافية لأوكرانيا.
وشكر رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، ترمب على معاملته العدائية للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي خلال اجتماعهما في المكتب البيضاوي الأسبوع الماضي.
وطالب أوربان ونظيره السلوفاكي روبرت فيكو الاتحاد الأوروبي بالضغط من أجل وقف فوري لإطلاق النار في أوكرانيا. وهدّد كلاهما بمنع بيانات الدعم لأوكرانيا خلال اجتماع للاتحاد الأوروبي هذا الأسبوع. ولم تتمّ دعوة أي منهما إلى قمة لندن.
ويخشى القادة الأوروبيون من أن يتمكن أوربان من عرقلة الجهود الرامية لتجديد قرار الإبقاء على تجميد نحو 200 مليار دولار من الأصول الروسية هذا الصيف.
وأقرضت لندن أوكرانيا للتو نحو 2.8 مليار دولار، تقول إنّها ستُسدّدها من فوائد الأصول الروسية المُجمّدة الموجودة في بريطانيا.
وعن التصويت على إبقاء الأصول الروسية مجمّدة، قال رئيس الوزراء البولندي دونالد تاسك: “الأمر يتطلّب إجماعًا، ونحن نعرف ما هو موقف المجر وما قد يكون عليه”.
وحتى لو قامت أوروبا بتنظيم تحالف قوي، فليس من الواضح ما إذا كان ذلك سيُرضي ترمب الذي من المتوقّع أن يجتمع اليوم مع كبار مساعديه لمناقشة تعليق أو إلغاء المساعدات العسكرية الأميركية لأوكرانيا.
مخاطر دبلوماسية مرتفعة
وبالنسبة لستارمر، الذي صوّر نفسه كجسر بين أوروبا والولايات المتحدة، فإن المخاطر الدبلوماسية مرتفعة.
وأثار السفير البريطاني لدى الولايات المتحدة بيتر ماندلسون احتجاجات داخلية، بعد أن أخبر شبكة “إي بي سي نيوز” أنّ زيلينسكي بحاجة إلى تقديم “دعمه المُطلق للمبادرة التي يتّخذها ترمب لإنهاء الحرب وتحقيق سلام عادل ودائم في أوكرانيا”.
وكتب وزير الخارجية المحافظ السابق جيمس كليفرلي على وسائل التواصل الاجتماعي: “ليس على سفير المملكة المتحدة في واشنطن توصيل رأيه الخاص، بل المقصود منه توصيل رأي حكومة المملكة المتحدة”. وحثّ ستارمر ووزير الخارجية الحالي ديفيد لامي على “السيطرة على هذا الأمر”.
لكنّ ستارمر رفض أيضًا الدعوات المُوجّهة إلى أوروبا بأن تنأى بنفسها عن ترمب، وقال إنّه ناقش خطط أوروبا هاتفيًا مع الرئيس الأميركي مساء السبت. ومن المرجّح أن يُواجه ستارمر استجوابًا وثيقًا بشأن إستراتيجيته في البرلمان بعد ظهر اليوم الإثنين.
وبعد يومه الحافل بالدبلوماسية في لندن، قال ستارمر: “لم أكن لأتخذ هذه الخطوة على هذا الطريق إذا لم أكن أعتقد أنّها ستُؤدي إلى نتيجة إيجابية فيما يتعلّق بضمان تحركنا معًا”.