تصعيدٌ يتواصل في شرق الكونغو الديمقراطية مع توسع حركة «23 مارس (آذار)»، المعروفة باسم «إم23»/ (M23) المتمردة، في عمليات السيطرة والاختطاف، منذ أكثر من شهرين، وسط انتقادات أممية ومساعٍ أفريقية للتهدئة.
يرى خبراء في الشؤون الأفريقية، تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، أن أزمة شرق الكونغو معقدة، إذ تتدخل أطراف خارجية في دعم الحركة المتمردة، وسط توقعات بألا تسفر فرص التفاوض في تلك البلد الأفريقية عن حل قريب.
الحركة المتمردة، التي تقودها عرقية التوتسي، تعود تسميتها إلى تاريخ توقيع اتفاق في الشهر نفسه عام 2009، مع الحكومة الكونغولية لإنهاء التمرد الذي قادته تلك العرقية بالمنطقة، قبل أن تعود لمواجهات ضد سلطات كينشاسا منذ 2012، وسط تقديرات أممية بأن لدى الحركة أكثر من 8 آلاف مقاتل.
وبعد صعود وهبوط في المواجهات ازدادت، في السنوات الثلاث الأخيرة، وبلغت ذروتها في 26 يناير (كانون الثاني) الماضي، حين أعلنت حركة «23 مارس» سيطرتها على مدينة غوما، ثاني أكبر مدينة في شرق الكونغو الديمقراطية، وعاصمة إقليم شمال كيفو، الذي يضم مناجم للذهب والقصدير.
وتطوَّر الأمر، في 4 فبراير (شباط) الماضي، بإعلان حركة «23 مارس» وقفاً لإطلاق النار من جانب واحد؛ لأسباب إنسانية، بعد اشتباكات أودت بحياة 900 شخص، وإصابة 2880 آخرين، وفقاً للأمم المتحدة، قبل أن تعلن، بعد 10 أيام، وذلك في 14 من الشهر نفسه، السيطرة على مدينة بوكافو الاستراتيجية؛ كبرى مدن شرق الكونغو، وعاصمة إقليم جنوب كيفو، ما يُعدّ أكبر توسّع في الأراضي الخاضعة لسيطرة الحركة، منذ أن بدأت أحدث تمرد لها في عام 2022.
وبالتزامن، ذكرت بعثة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في الكونغو الديمقراطية «مونوسكو» أنها تُواصل إيواء وحماية نحو 1400 شخص في مقراتها بمدينة غوما، بينما انتقل ما يقرب من 56 ألف نازح إلى 34 مركزاً جماعياً أُنشئت أخيراً في جميع أنحاء المدينة نفسها، معظمها مدارس وكنائس ومستشفيات، ولا يزال نحو 390 ألف رجل وامرأة وطفل في مواقع النزوح الحالية داخل المدينة والمناطق المجاورة لها.
وبالنسبة للمرافق، لحقت أضرار جسيمة البنية التحتية، بعد تخريب أو تدمير ما لا يقل عن 80 مدرسة، و27 مركزاً صحياً، ما أدى، وفقاً للبعثة، إلى تعطيل الوصول إلى التعليم والرعاية الصحية، وتأثَّر ما يقرب من 400 ألف طالب بالقتال الأخير في غوما ومحيطها.
ولم تهدأ الانتهاكات، وكشف مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، في 3 مارس، عن القلق بشأن سلامة ما لا يقل عن 130 رجلاً مريضاً وجريحاً اختطفهم متمردو حركة «23 مارس» من مستشفيين في غوما، شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية.
ويرى عبد المنعم أبو إدريس، الخبير بالشؤون الأفريقية، في حديث مع «الشرق الأوسط»، أن التصعيد في شرق الكونغو ينذر بخطر على كل الإقليم؛ لسببين، أولهما للامتدادات الإثنية للجماعات المشارِكة في الصراع داخل 4 دول هي رواندا وأوغندا والكونغو الديمقراطية وبوروندي. وثانيهما التدخلات الخارجية المتمثلة في دعم رواندا للمتمردين.
أما محمد تورشين، المتخصص أيضاً في الشؤون الأفريقية، فيقدّر، لـ«الشرق الأوسط»، أن «الأزمة في شرق الكونغو الديمقراطية تسير بوتيرة متصاعدة ومتسارعة نحو مزيد من التعقيدات، والانزلاق نحو الأسوأ، والفوضى الشاملة، وذلك في ظل إخفاق سلطات كينشاسا وكيغالي (عاصمة رواندا) الداعمة للحركة، في التوصل إلى تفاهم يسهم بشكل مباشر في تسوية الأوضاع».
تورشين يرى أن «رفع الدعم الرواندي عن الحركة التي تتقدّم في مناطق مهمة، سيكون عامل حسم في وقف ذلك التصعيد الذي يُلقي بظلاله على الأوضاع الإنسانية في المناطق التي سيطرت عليها».
وخلال اجتماع طارئ لمجلس حقوق الإنسان، التابع للأمم المتحدة، عُقد في جنيف يوم 7 فبراير الماضي، حذّر فولكر تورك، المفوض السامي لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة، من تفاقم الأزمة في شرق الكونغو الديمقراطية، قائلاً إنه «لم يحصل أي شيء، فالأسوأ لم يأتِ بعدُ لشعب شرق الكونغو الديمقراطية… وأيضاً خارج حدود البلاد يتوجب على كل من لديه نفوذ أن يتحرك بشكل عاجل لإنهاء هذا الوضع المأساوي».
ورفض المبعوث الرواندي لدى الأمم المتحدة، جيمس نغانغو، وقتها، الاتهامات عن مسؤولية بلاده في اضطرابات المنطقة، مدَّعياً أن «لدى بلاده أدلة على أن الدولة المجاورة تخطط لهجوم وشيك واسع النطاق على رواندا».
وفي اليوم التالي، دعت قمّة طارئة لقادة أفريقيا الجنوبية والشرقية، عُقدت في دار السلام بتنزانيا، حركة «إم 23» لوقف مزيد من التقدم، والانسحاب، والقوات المسلّحة في الكونغو الديمقراطية لوقف جميع إجراءات الرد.
وبعد نحو أسبوع، حذّر بانكول أديويي، مفوض السلم والأمن في الاتحاد الأفريقي، من «تقسيم» شرق الكونغو الديمقراطية، ودعا إلى الإبعاد الفوري لـ«إم 23» وأنصارها من جميع البلدات والمدن، بما في ذلك مطار غوما، وهو ما عزَّزه اعتماد مجلس الأمن الدولي قراراً، في 21 فبراير الماضي، أيده جميع الأعضاء الخمسة عشر يطالب الحركة المتمردة بوقف الأعمال القتالية فوراً، والانسحاب من المناطق التي سيطرت عليها، وسط مباحثات تُجريها مجموعة شرق أفريقيا، ومجموعة تنمية الجنوب الأفريقي «سادك»، لإمكانية نشر قوات لتأمين مناطق في شرق الكونغو، وفق ما نقلته «رويترز».
لكن، وسط التطورات المتلاحقة، يستبعد تورشين أن تكون فرص الوساطة والتفاوض «فعّالة في ظل صراع نفوذ كبير وواضح». ويرى أن الخيار العسكري سيكون حاضراً بقوة، بينما تتلاشى المفاوضات الحالية، وقد تستعين سلطات كينشاسا بروسيا؛ أبرز حلفائها، لتحقيق انتصارات.
لكن أبو إدريس يرى أن «فرص التفاوض ضعفت، ما يفتح الباب لكارثةٍ تتدحرج مثل كرة الثلج في ظل ازدياد أعداد الفارّين، واحتمالات تمدد القتال إلى دول مجاورة». وعليه فإن السيناريو الأقرب، وفق أبو إدريس، «توسع المعارك جغرافياً، ما يفتح باب احتمال دخول أطراف أخرى في الصراع، في ظل التاريخ الطويل لشرق الكونغو الديمقراطية مع الصراعات».