بالإضافة إلى دورها وقطر في مفاوضات تبادل الأسرى بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية “حماس” التي تُوجّت باتفاق وقف إطلاق النار بينهما في 15 يناير/ كانون الثاني الماضي، فإن تصدّر القاهرة وعمّان صفوف الرافضين مشاريع تهجير الغزّيين من قطاع غزة، أعادت إلى مصر دورًا رئيسيًا مفترضًا في الشأن الفلسطيني، بعد سنوات من الانسحاب والاكتفاء بدور الوسيط بين حماس وإسرائيل في قضايا محض أمنية.
وتعاظم هذا الدور بعد القمة العربية المصغرة التي عُقدت في العاصمة السعودية الرياض في 21 فبراير/ شباط الماضي، وأجمعت على دعم القاهرة في خطتها لإعداد ردّ عربي على مقترح دونالد ترمب، تهجير الغزّيين إلى دول مجاورة منها مصر والأردن، وهو ما رفضته الدولتان.
وتقوم الخطة العربية لإعمار غزة التي تبنتها القمة العربية التي استضافتها القاهرة (الثلاثاء) على إعادة إعمار قطاع غزة من دون تهجير الفلسطينيين منها.
قمة القاهرة اعتمدت خطة عربية لإعادة إعمار غزة ورفض تهجير سكانها-رويترز
على أن استعادة هذا الدور أخيرًا لم تحظ برضا إسرائيلي، خاصة أن خطط تل أبيب تتمحور منذ خمسينيات القرن الماضي حول دور وظيفي للقاهرة فيما يخص قطاع غزة تحديدًا، يقوم على حل على حساب مصر، بتهجير الغزّيين إليها.
وتكثّفت الضغوط الإسرائيلية على مصر قبل القمة العربية الأخيرة وخلال العدوان على غزة لتوطين سكان القطاع في سيناء التي توصف بأرض الفيروز، كما تعدّدت المقترحات في هذا الصدد التي طرحها أو تبناها مسؤولون إسرائيليون، وصل بعضها إلى التهديد باحتلال سيناء نفسها.
دعوة لاحتلال سيناء
وفي يوليو/ تموز الماضي أعاد وزير التراث الإسرائيلي، عميحاي إلياهو الذي سبق له أن دعا لقصف غزة بقنبلة نووية، نشر تغريدة على منصة التواصل الاجتماعي “إكس”، تروّج لمنتجات تدعو إلى احتلال سيناء، ما فُهم منه تهديدًا غير مباشر لمصر.
ورغم أن تلك الحادثة لم تؤخذ بجدية في حينه إلا أن سياسيين آخرين لم يتوقفوا عن تقديم مقترحات لتصدير الأزمة إلى مصر، معطوفة على تهديدات صريحة أو إغراءات معلنة، فقبل أيام من قمة القاهرة، شن أفيغدور ليبرمان زعيم حزب “إسرائيل بيتنا” اليميني المعارض، هجومًا على مصر، داعيًا إياها لتوطين سكان قطاع غزة في شبه جزيرة سيناء، قائلًا: إن “تهجير معظم الفلسطينيين من غزة إلى سيناء المصرية هو حل عملي وفعّال”.
وشغل ليبرمان منصب وزير الخارجية ما بين عامي 2009 و2015، ووزير الدفاع بين عامي 2016 و2018، وهو عضو حالي في الكنيست.
يدعو ليبرمان لتوطين سكان غزة في سيناء “الشاسعة وغير المستغلة”-غيتي
ليبرمان والتوطين في سيناء
وقال ليبرمان في مقابلة مع صحيفة “جيروسالم بوست”: إن على “مصر استيعاب معظم فلسطينيي غزة، ولن يستلزم ذلك هجرة الملايين عبر مسافات كبيرة، حسب مقترح ترمب”.
وبنى ليبرمان مقترحه على عدة اعتبارات، أولها الكثافة السكانية العالية في قطاع غزة ووجود أراض قال ليبرمان إنها “شاسعة وغير مستغلة” في سيناء.
وثانيها وفق رواية الوزير الإسرائيلي السابق أن الغزّيين يشتركون مع أهالي سيناء “في اللغة والثقافة والعلاقات العائلية، ما يجعل عملية الاستيعاب طبيعية”، كما قال.
أما ثالثها بحسب ليبرمان فهي أن “مصر تستفيد اقتصاديًا من الوضع السياسي الحالي، إذ تلعب دور الوسيط بين إسرائيل وحماس، كما تجني أرباحًا من عمليات التهريب عبر الأنفاق ومعبر رفح”.
تكثّفت الضغوط الإسرائيلية على مصر قبل القمة العربية الأخيرة وخلال العدوان على غزة لتوطين سكان القطاع في سيناء التي توصف بأرض الفيروز، كما تعدّدت المقترحات في هذا الصدد التي طرحها أو تبناها مسؤولون إسرائيليون، وصل بعضها إلى التهديد باحتلال سيناء نفسها
وعليه فإن على القاهرة وفقًا لليبرمان، أن “تتحمل مسؤولية قطاع غزة كما كان عليه الحال قبل عام 1967، ضمن تفويض من الجامعة العربية”، وإلا فإن على إسرائيل إعادة تقييم علاقاتها مع مصر.
ولم تكن هذه المرة الأولى التي يدعو فيها ليبرمان إلى تصدير الأزمة الإسرائيلية في غزة إلى مصر، فقد دعا في فبراير/شباط الماضي إلى إحياء ما يُسمى الدور المصري في غزة والأردني في الضفة الغربية، وقال إنه “يجب أن تسيطر مصر على غزة، وعلى الأردن أن يتولى مسؤولية المنطقة (أ) وجزء صغير من المنطقة (ب) في الضفة الغربية”.
لابيد.. حل مصري مقابل الديون
وإذا كانت دعوة ليبرمان لتهجير الغزّيين وتوطينهم في سيناء تأتي في سياق التهديد، فإن مقترحًا آخر تقدّم به زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد يأتي في سياق آخر، هو الإغراء بإعفاء القاهرة من ديونها مقابل تولّيها إدارة قطاع غزة.
والمقترح قديم ويتردّد بين الفترة والأخرى، ويقضي بعودة الإدارتين المصرية لقطاع غزة والأردنية للضفة الغربية، على غرار ما فعلته الدولتان بين عامي 1948 و1967.
ويتلخص مقترح لابيد الذي عرضه في نهاية فبراير/ شباط الماضي في جلسة نقاشية بمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات للأبحاث في واشنطن، بأن تقوم مصر بإدارة قطاع غزة لمدة زمنية ما بين 8 إلى 15 سنة، مقابل إعفائها من الديون الخارجية.
وبحسب مقترح لابيد، فإن العالم يحتاج إلى حل جديد في قطاغ غزة بعد 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، آخذًا بعين الاعتبار عدة عوامل: أولها أن “إسرائيل لا يمكنها السماح ببقاء حماس في السلطة”، وثانيها أن “السلطة الفلسطينية غير مستعدة أو قادرة على إدارة غزة في المستقبل القريب”، وثالثها أن احتلال القطاع “ليس خيارًا مرغوبًا ولا ممكنًا”، ورابعها بحسب لابيد أن استمرار الأوضاع على حالها “يشكّل تهديدًا أمنيًا وكارثة إنسانية”.
مقترح يائير لابيد يقوم على إدارة مصر قطاع غزة مقابل اسقاط ديونها-غيتي
إدارة مصرية لقطاع غزة
في المقابل يرى لابيد أن “مصر شريك استراتيجي رئيسي وحليف موثوق به منذ ما يقرب من 50 عامًا”، وهي “دولة قوية معتدلة وبراغماتية، ولاعب أساسي في المنطقة، والرئيس السيسي يمثل قوة استقرار في الشرق الأوسط وإفريقيا، وهو يحارب التطرف الديني منذ فترة طويلة”.
لكن اقتصادها بحسب لابيد “على وشك الانهيار” جرّاء ارتفاع ديونها الخارجية إلى أكثر من 155 مليار دولار، وتلاشي قدرتها على الاقتراض، وهذه مشكلة تهدد بانهيار مصر ووقوعها في أيدي جماعة الإخوان المسلمين أو ربما جهة أسوأ، ما يعني “دخول الشرق الأوسط بأكمله في حالة من الفوضى وعدم الاستقرار، كما حدث في الماضي”.
وللتصدي للمشكلة التي يمثلها قطاع غزة لإسرائيل، وتجنيب مصر المخاطر المحدقة بها، فإن الحل هو أن “تتولى مصر مسؤولية إدارة قطاع غزة لمدة ثماني سنوات، مع خيار التمديد إلى 15 عامًا”، مقابل قيام المجتمع الدولي والحلفاء الإقليميين بسداد ديونها.
ويوضح لابيد أن بإمكان مصر والحال هذه، قيادة قوة حفظ سلام في غزة بالتعاون مع دول الخليج والمجتمع الدولي، وإدارة القطاع وإعادة إعماره، وخلال هذه الفترة (8 سنوات) يجري وضع الأسس لحكم ذاتي في غزة، واستكمال عملية نزع السلاح الكامل، على أن تكون مصر اللاعب الرئيسي والمشرف على إعادة الإعمار”.
ويضيف لابيد أن قيام مصر بتولي إدارة القطاع سيكون بموجب قرار من مجلس الأمن الدولي، على أن تشرف (مصر) على الأمن والشؤون المدنية هناك، وبهدف “تسليم غزة إلى السلطة الفلسطينية خلال فترة 8 إلى 15 عامًا، بعد تنفيذ الإصلاح وإزالة التطرف”.
تبادل أراض ودولة في سيناء
وإضافة إلى مقترحي ليبرمان ولبيد، وهما حديثان، هناك أيضًا خطة إقامة دولة فلسطينية، جزء منها في سيناء، وهي تعرف باسم واضعها الجنرال الاحتياط غيورا آيلاند الذي كان يرأس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي.
وقدّم آيلاند خطته هذه عام 2000، تحت عنوان “البدائل الإقليمية لفكرة دولتين لشعبين”، ونشرت في مركز بيغن-السادات للدراسات الاستراتيجية.
ووفقاً للخطة، تقدّم مصر 720 كيلومترًا مربعًا من أراضي سيناء لصالح الدولة الفلسطينية المقترحة، وتتألف هذه الأراضي من مستطيل يبلغ طول ضلعه الأول 24 كيلومترًا، يمتد على طول الساحل من مدينة رفح إلى حدود مدينة العريش في سيناء.
والضلع الثاني طوله 30 كيلومترًا من غرب معبر كرم أبو سالم، ويمتد جنوبًا بالتوازي مع الحدود المصرية الإسرائيلية، وبموجب الخطة تتضاعف مساحة قطاع غزة البالغة 365 كيلومترًا مربعًا إلى نحو 3 مرات.
ومقابل ذلك، يتنازل الفلسطينيون عن 12% من أراضي الضفة الغربية التي ستضمها إسرائيل إليها، وتشمل الكتل الاستيطانية الكبرى، وغلاف مدينة القدس، في حين ستحصل مصر مقابل الأراضي التي ستتنازل عنها، من إسرائيل على منطقة جنوب غربي النقب، توازي تقريبًا مساحة المنطقة التي ستتنازل عنها.
وبعد ذلك تسمح إسرائيل لمصر بارتباط بري بينها وبين الأردن، من خلال حفر قناة بينهما، بطول نحو 10 كيلومترات تكون خاضعة للسيادة المصرية.
خطة آيلندا بتبادل الأراضي لمضاعفة مساحة غزة واقتطاع أراض من سيناء-غيتي
خطة الجنرالات
وعادت الخطة إلى التداول مجدّدًا في سبتمبر/ أيلول الماضي، خلال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، عندما اقترح آيلاند ما سُمّيت في حينه خطة الجنرالات، وتبناها عدد كبير من جنرالات الجيش.
وتهدف الخطة إلى تهجير سكان شمال قطاع غزة قسرًا، وفرض حصار كامل على المنطقة، ومنع دخول المساعدات الإنسانية إليها، وتحويلها غير قابلة للحياة، لإجبار المقاومة في شمال القطاع على الموت أو الاستسلام، ثم تحويله إلى “منطقة عسكرية مغلقة” بهدف القضاء بشكل كامل على أي وجود لحركة “حماس” في المنطقة.
قامت خطة الجنرالات على التجويع والحصار لاجبار الغزيين على النزوح-غيتي
وكان آيلند الذي يوصف بواضع الخطتين قد وجّه نقدًا شديدًا لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، منتصف الشهر الماضي، قائلًا إن “إسرائيل فشلت فشلًا ذريعًا في حرب غزة”، وأوضح أن هزيمة إسرائيل في حرب غزة يمكن قياسها من خلال معرفة من حقق أهدافه وأي جانب فرض إرادته على الآخر.
وقال: “بالنظر إلى اتفاق غزة، فإن إسرائيل فتحت معبر رفح وانسحبت من محور نتساريم بينما عاد آلاف الفلسطينيين إلى الشمال”، ما يعني فشلًا إسرائيليًا.
ويشكّل اعتراف آيلند هذا، الاعتراف أيضًا بفشل خطة الجنرالات التي وضعها، وخطته السابقة لإقامة دولة فلسطينية على جزء من سيناء، في مصير مشابه لخطط عديدة لتهجير قطاع غزة قد لا تكون خطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب آخرها.
أما أولاها فتعود إلى مطلع خمسينيات القرن الماضي، حين خططت الأمم المتحدة لتوطين عشرات آلاف الفلسطينيين من غزة في سيناء، لكن انتفاضة شعبية عارمة في قطاع غزة انطلقت في مارس/ آذار 1955، وعرفت باسم “هَبّة آذار”، أجبرت مسؤولي الأمم المتحدة على التخلّي عن خططهم تلك.