وقع الرئيس السوري أحمد الشرع وقائد قوات سوريا الديمقراطية “قسد” مظلوم عبدي الإثنين اتفاقًا يقضي “بدمج” كافة المؤسسات المدنية والعسكرية التابعة للإدارة الذاتية الكردية في إطار الدولة السورية، وفق ما أعلنت الرئاسة.
ومنذ وصول السلطة الجديدة إلى دمشق، أبدى الأكراد انفتاحًا، معتبرين أن التغيير “فرصة لبناء سوريا جديدة.. تضمن حقوق جميع السوريين”، غير أنه جرى استبعادهم من الدعوة لمؤتمر حوار وطني حدد عناوين المرحلة الانتقالية، حسب وكالة فرانس برس.
وجاء توقيع الاتفاق بعد نحو أسبوعين من دعوة زعيم حزب العمال الكردستاني عبدالله أوجلان، في إعلان تاريخي، إلى حل الحزب وإلقاء السلاح، في خطوة رحب بها أكراد سوريا.
اتفاق بين الرئيس أحمد الشرع ومظلوم عبدي
ونشرت الرئاسة السورية بيانًا وقعه الطرفان الإثنين وجاء فيه أنه تم الاتفاق على “دمج كافة المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرق سوريا ضمن إدارة الدولة السورية بما فيها المعابر الحدودية والمطار وحقول النفط والغاز”.
ونص الاتفاق كذلك على “دعم الدولة السورية في مكافحتها لفلول الأسد وكافة التهديدات التي تهدد أمنها ووحدتها”.
وأكد أن “المجتمع الكردي مجتمع أصيل في الدولة السورية” التي “تضمن حقه في المواطنة وكافة حقوقه الدستورية”، في موازاة “رفض دعوات التقسيم وخطاب الكراهية ومحاولات بث الفتنة بين كافة مكونات المجتمع السوري”.
وبحسب الاتفاق، يتعين أن تعمل لجان تنفيذية على تطبيقه “بما لا يتجاوز نهاية العام الحالي”.
وتسيطر الإدارة الذاتية الكردية على مساحات واسعة في شمال وشرق سوريا، تضم أبرز حقول النفط والغاز. وشكلت قوات سوريا الديمقراطية، ذراعها العسكرية، رأس حربة في قتال تنظيم الدولة وتمكنت من دحره من آخر معاقل سيطرته في البلاد عام 2019.
قطر ترحب باتفاق الشرع وعبدي
وعلى صعيد ردود الفعل، وصفت دولة قطر، الاتفاق الذي يؤكد على وحدة الأراضي السورية ورفض التقسيم، بـ”خطوة مهمة نحو توطيد السلم الأهلي وتعزيز الأمن والاستقرار وبناء دولة المؤسسات والقانون”.
وأكدت الدوحة في بيان لوزارة الخارجية على أن “استقرار سوريا وازدهارها يتطلب احتكار الدولة للسلاح في جيش واحد يعبّر عن كافة المكونات السورية، بما يضمن الحفاظ على سيادة البلاد واستقلالها وسلامة أراضيها”.
وجددت الخارجية القطرية دعم بلادها “الكامل لسيادة سوريا وتطلعات شعبها الشقيق في الحرية والتنمية والازدهار”.
“ترتيب البيت السوري”
وفي هذا الإطار، رأى الباحث والأكاديمي عصمت عبسي أن الاتفاق الموقع لم يكن مفاجئًا، لأنه جاء بعد مخاض طويل من المفاوضات وحسن النية والثقة المتبادلة وسلسلة من اللقاءات.
وفي حديث للتلفزيون العربي من العاصمة دمشق، أشار عبسي إلى أن الاتفاق جاء ليؤكد على وحدة التراب السوري، وعلى حصر السلاح بمؤسسة الجيش السوري، وانخراط كل الفصائل التي قاتلت الأسد تحت مظلة وزارة الدفاع لتحمي البلاد، معتبرًا أن هذا الاتفاق إعلان حقيقي لوحدة الأراضي السورية كاملة.
وقال عبسي: إن “الضمانات التي يمكن أن يقدمها هذه الاتفاق هي تضحيات الشعب السوري، وخوف السوريين من أن تسرق منهم ثورتهم وتضحياتهم”.
وفيما أشار إلى وجود تحديات كبيرة أمام هذا الاتفاق، لفت عبسي إلى وجود دول إقليمية لا يروقها ما يحصل، وتحاول زعزعة الاستقرار في البلاد، كما تحاول الاستحواذ على القرار السوري، لمحاولة زعزعة أي اتفاق أو تقارب بين مكونات الشعب السوري.
الرئيس السوري أحمد الشرع وقائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي – وكالة الأنباء السورية
وتابع أن الجميع حريص على ترتيب البيت السوري، موضحًا أن الخلاف الموجود يتمثل في آليات ترتيب هذا البيت.
وبشأن دمج القوات الكردية ضمن مؤسسات الجمهورية السورية، أوضح عبسي أن هذه القوات لن تكون مستقلة أو رديفة، وإنما ستكون ضمن تشكيلات الجيش السوري.
وأعرب عن اعتقاده أن المطلب الأساسي للأكراد هو الحقوق الكاملة غير المنقوصة، وهذا ما يتفق مع مبادئ الثورة السورية، مستبعدًا أن تكون قضية الحكم الذاتي للأكراد فكرة مطروحة، أو باتت مقبولة.
“مسار المفاوضات”
من جهته، أشار الباحث في مركز “جسور” للدراسات وائل علوان، إلى أن الإدارة الجديدة في سوريا منذ أن استلمت الحكم كانت واضحة بأن مسار التعامل مع شمال شرق سوريا ومع الإدارة الذاتية هي المفاوضات، ولم تنخرط في مواجهات وكانت حريصة على أن لا تنزلق نحوها.
وأضاف في حديث للتلفزيون العربي من دمشق أن الاتفاق المصور والمعلن اليوم ليس الأول من نوعه، لكنه الأول الذي أنتج اتفاقًا مكتوبًا وموقعًا ومعلنًا، لافتًا إلى انعقاد اجتماعات سابقة على مستويات متعددة.
وقال علوان: “كانت هناك شروط، لا تنازل فيها عن مبدأ سيادة الدولة، ووحدة أراضيها، وسلامتها، وأن يكون المشروع مبنيًا على أسس وطنية، دون أن تكون هناك تأثيرات للأجندات الخارجية”.
وأشار إلى وجود بعض التفاصيل التي تحتاج إلى الوقت وبوادر حسن النية والتزام من الطرفين، كي تحل الكثير من المشكلات.
ما هي العوامل التي أثرت على قسد؟
من ناحيته، تحدث الكاتب والباحث السياسي عبد الرحمن الحاج عن سياق دولي وإقليمي ومحلي، وتبدل جذري للسلطة وبدء مرحلة جديدة في سوريا، غيرت موازين القوى والمعادلة التي كانت بالبلاد، ما فرض على قسد التفكير من الجديد.
وبالإضافة إلى هذه العوامل، أشار الحاج في حديث للتلفزيون العربي من دمشق، إلى أن الإدارة الأميركية الجديدة لديها موقف من بقاء قواتها في سوريا، وحرصها على تقليل أعداد قواتها.
وأضاف الحاج أن هذه التغيرات تشير إلى أن خيارات قسد أصبحت أضيق، ولم يعد لديها الكثير من الوقت لكي تستمر في الصيغة نفسها، لافتًا إلى أن قسد أدركت أن هناك هشاشة، وفي الوقت نفسه مد الرئيس السوري يده إليهم بالتفاوض.