قدّم جنود وضباط إسرائيليون شهادات صادمة عن جرائم ارتُكبت في قطاع غزة، إضافة إلى تعليمات تلقوها من قادتهم خلال حرب الإبادة المستمرة لإقامة منطقة عازلة على حدود القطاع المحاصر، حيث شبه أحدهم الوضع بالدمار في هيروشيما.
وجاءت الشهادات في تقرير نشرته منظمة “يكسرون الصمت” اليسارية الإسرائيلية، وهي من جنود نفذوا قرار الجيش بإقامة منطقة عازلة على طول الحدود بين قطاع غزة وإسرائيل.
ولا يذكر الضباط والجنود أسماءهم لكن شهاداتهم كانت بالإجمال صادمة.
وقالت “يكسرون الصمت”: “كانت إحدى المهمات هي إنشاء منطقة عازلة داخل قطاع غزة، وهو ما يعني عمليًا تدمير المنطقة بالكامل”.
وأضافت: “ظلت هذه العملية – مع الإجراءات اللازمة لتنفيذها، والمخاطر التي تنطوي عليها، وتداعياتها، والتكاليف المترتبة عليها – طي الكتمان إلى حد كبير”.
“ليسوا مدنيين، إنهم إرهابيون”
وتابعت: “من خلال التدمير المتعمد والواسع النطاق، مهد الجيش الطريق للسيطرة الإسرائيلية المستقبلية على المنطقة”، وكان من أهم عناصر هذه السيطرة إنشاء منطقة عازلة جديدة تفصل غزة عن إسرائيل، والتي أطلق عليها الجنود ببساطة اسم المحيط”.
وأشارت إلى وجود شهادات لجنود وضباط شاركوا في إنشاء “المحيط” وتحويله إلى منطقة دمار شامل.
ويصف الشهود بكلماتهم الخاصة كيف قاموا هم ووحداتهم بتحويل الأراضي الزراعية المزروعة والمناطق السكنية إلى المنطقة العازلة الجديدة، وأهداف المهمة التي أُعطيت لهم، وكيف سارت هذه المهام على الأرض.
وقبل العدوان الإسرائيلي على غزة في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023 امتدت المنطقة العازلة بين إسرائيل وقطاع غزة لحوالي 300 متر داخل الأراضي الفلسطينية، وكان الوصول إليها محدودًا.
بحسب الشهادات لم يكن عرض المحيط الجديد موحدًا، حيث تراوح بين 800 و1500 متر، ولإنشاء هذه المنطقة، شنت إسرائيل عملية هندسية عسكرية واسعة النطاق، أعادت من خلالها عبر التدمير الشامل، تشكيل حوالي 16% من قطاع غزة (حوالي 55-58 كيلومترًا مربعًا)، وهي منطقة كانت تضم سابقًا حوالي 35% من الأراضي الزراعية في غزة.
و”يمتد هذا “المحيط” من الساحل شمالًا إلى الحدود المصرية جنوبًا، وكل “ذلك داخل أراضي قطاع غزة وخارج الحدود الدولية لإسرائيل”.
وضمن هذا السياق، قال ضابط برتبة رائد من فرقة غزة الشمالية بالجيش عن فترة نوفمبر/ تشرين الثاني 2023: “ما قالوه (القادة) في غرفة العمليات في نوفمبر 2023 هو أن الحرب من المتوقع أن تستمر عامًا، وأنها ستكون مثل الضفة الغربية، مع عمليات محلية في جميع أنحاء القطاع. وتحدثوا عن المحيط في شمال قطاع غزة، وأننا سنحتل منطقة خالية من كل شيء، وستكون منطقة عازلة بين إسرائيل وقطاع غزة”.
“هيروشيما”
من جهته قال ضابط صف من سلاح المدرعات عن الفترة ما بين يناير/ كانون الثاني وفبراير/ شباط 2024 وردًا على سؤال ما إذا كان قد قيل لهم خلال الإحاطات إن هناك مدنيين فلسطينيين بالمنطقة العازلة على حدود غزة: “لا يوجد مدنيون. إنهم إرهابيون، جميعهم”، وأضاف: “لا يوجد أبرياء”.
وعن ما يقوله القادة للجنود، قال: “ندخل، وإذا حددنا هوية المشتبه بهم، نطلق النار عليه”.
وبشأن هدم المباني في المناطق العازلة، أضاف أن “الجرافة المدرعة D9، تقود وتسحق كل شيء في طريقها”.
وردًا على سؤال عن ما يعنيه بـ”كل شيء”، أضاف: “كل شيء هو كل شيء. كل ما بُني”.
ورد بالإيجاب إذا ما كان الهدم يطال البساتين وحظائر الأبقار وأقفاص الدجاج وكل هيكل مبني وقال: “كل شيء”.
وعن سؤال بشأن كيف تبدو المنطقة لاحقًا، قال: “هيروشيما. هذا ما أقصده، هيروشيما”.
مهمة التفجير
من جهته، يقول رقيب أول من كتيبة الاحتياط 5 خدم في خزاعة بخانيونس بالفترة ما بين ديسمبر/ كانون أول 2023 ويناير/ كانون الثاني 2024: “في الأساس، كانت مهمتنا الرئيسية هي تفجير الأشياء، وأنا أتحدث عن مئات الوحدات الهيكلية (المباني). إنها ليست كأبراج الشاطئ (مخيم للاجئين في مدينة غزة). إنها مكعبات من طابق واحد أو طابقين. لكن الدمار شامل”.
وأضاف: “في المجمل، استغرق الأمر ثلاثة أسابيع، لأنه بعد مرحلة الغزو، جاءت مرحلة تدمير المنازل وهي لم تُنفذ في وقت واحد”.
وتابع: “أولًا، كانت هناك خطوط تقدم لهجمات الألوية والكتائب، ولم يبدأ التطهير إلا بعد ذلك. هناك خريطة رسمتها فرقة غزة لمضلعات على طول سياج القطاع مُعلمة بالأخضر والأصفر والبرتقالي والأحمر”.
وأردف: “الأخضر يعني أن أكثر من 80% من المباني قد هُدمت – مبانٍ سكنية، دفيئات زراعية، مصانع”.
هدم ممنهج
من جانبه، قال رقيب أول احتياط من سلاح الهندسة القتالية، خدم في شمال قطاع غزة في نوفمبر/ تشرين الثاني 2023: ” نهدم المنازل. كل شيء هناك خراب”.
وأضاف: “أصبح الأمر أشبه بعمل يومي: تستيقظ في الصباح، وتحدد المواقع: واحد، اثنان، ثلاثة، أربعة، خمسة تهدمها هذه الفصيلة. ستة، سبعة، ثمانية، تسعة، عشرة تهدمها فصيلة أخرى”.
وردًا على سؤال إن كان هذا هو الروتين اليومي قال: “كل يوم، إلا إذا نفدت المتفجرات. وكان هناك أيضًا وقف إطلاق نار لمدة أسبوع”.
وفي رد على سؤال “هل يمكن أن يصل العدد، خلال أسبوع، إلى 50 منزلًا لكل فصيلة؟ ” أجاب: “نعم، يمكن أن يصل إلى 40-50. في الأيام التي كانت لدينا فيها ذخيرة، كان الأمر يستغرق نصف ساعة لكل منزل”.
بدوره، قال ضابط احتياط من سلاح المدفعية خدم في شمال قطاع غزة بالفترة ما بين أكتوبر/ تشرين الأول ونوفمبر/ تشرين الثاني 2023: “يتخذ قادة السرايا قرارات متنوعة بهذا الشأن، لذا يعتمد الأمر في النهاية بشكل كبير على هويتهم. لكن لا يوجد نظام محاسبة بشكل عام. كل من يتجاوز حدودًا معينة وضعناها، يُعتبر تهديدًا ويُحكم عليه بالإعدام”.
“جرائم حرب”
وعمليات جيش الاحتلال لإنشاء منطقة عازلة على طول قطاع غزة، كشفت عن ممارسات تندرج ضمن جرائم الحرب الدولية.
وتعد ممارسات الاحتلال لإنشاء المنطقة العازلة جريمة بحسب القوانين الدولية، إذ تحظر المادة 53 من اتفاقية جنيف الرابعة أن تقوم دولة الاحتلال بتدمير أي ممتلكات خاصة ثابتة أو منقولة تتعلق بأفراد أو جماعات إلّا إذا كانت لضرورة أمنية.
كما تنص المادة 54 من البروتوكول الأول لاتفاقيات جنيف على أنه يحظر مهاجمة أو تدمير أو نقل أو تعطيل الأعيان والموارد التي لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين.
وتنص المادة 55 من اتفاقية لاهاي على أنه يُنظر لدولة الاحتلال أنها مجرد مدير منتفع من المباني العامة وعليها المحافظة على رأس مال هذه الأملاك والتعامل معها باعتبارها أملاكًا خاصة.