تخيَّل أن تدخل إلى متجرك المفضل، تأخذ ما تريد، وتغادر… دون أن تفتح محفظتك، أو تخرج هاتفك، أو تقف في طابور.
الآن، تخيَّل أن يحدث ذلك أيضاً عبر الإنترنت؛ حيث تكون عملية الشراء بسهولة التمرير نفسها. هذا المستقبل الخالي من الاحتكاك المدعوم بالذكاء الاصطناعي الذي لم يعد خيالاً علمياً بل يحدث الآن.
في إعلان كبير بعنوان: «إطلاق منتج جديد» (The Product Drop)، كشفت شركة «فيزا» عن رؤيتها للمرحلة التالية من التجارة. إنها عبارة عن تجارة ذكية ومؤتمتة يقودها الذكاء الاصطناعي، من خلال بطاقات ائتمانية محسّنة بالذكاء الاصطناعي، وأجهزة ذكية، وخوارزميات تعلم آلي، تهدف «فيزا» إلى إعادة تشكيل الطريقة التي نشتري بها، ونشترك بها، ونتفاعل بها مع العلامات التجارية.
من المعاملة إلى النية
في قلب رؤية «فيزا» للتجارة الذكية، يكمن تحول كبير من المعاملات السلبية إلى التوقعات النشطة، فبدلاً من أن تكون بيانات الدفع مجرد أدوات تُستخدم عند الطلب، تعمل «فيزا» على مستقبل تكون فيه هذه البيانات مثل «وكلاء رقميين»، يفهمون تفضيلاتك، ويتوقعون احتياجاتك، ويكملون عمليات الشراء نيابة عنك.
قال أحد مسؤولي الشركة: «تخيل عالماً تشتري فيه بطاقتك فنجان قهوتك الصباحي قبل أن تطلبه»، وهذا ليس خيالاً؛ بل خطوة منطقية في عالم أصبح فيه 75 في المائة من المستهلكين يتوقعون تجارب مخصصة، وفقاً لدراسة من «ماكنزي». تسعى «فيزا» إلى تجاوز مفاهيم مثل «الدفع التلقائي» أو «الشراء بنقرة واحدة»، وتقديم تجربة تعتمد على لحظات دفع ذكية؛ حيث تلعب البيانات السياقية مثل الموقع، والجدول الزمني، وحتى المقاييس الحيوية، دوراً في اتخاذ القرار.
بطاقات مدعومة بالذكاء الاصطناعي
واحدة من المبادرات العملية التي تعمل عليها «فيزا» هي تطوير بطاقات ائتمان مدعومة بالذكاء الاصطناعي، قادرة على التفاعل مع واجهات برمجة التطبيقات الخاصة بالمتاجر وأجهزة الاستشعار لإتمام عمليات الشراء دون تدخل بشري. على سبيل المثال، تتخيل الشركة سيناريو يقترح فيه نظام السيارة أنك بحاجة إلى الوقود، فيقوم بالبحث عن الأسعار، ويختار الأرخص ويدفع تلقائياً بمجرد وصولك إلى المحطة، وكل ذلك باستخدام بيانات بطاقة «فيزا»، فلا حاجة للسحب أو النقر. وفي المنازل الذكية، يمكن لثلاجتك أن ترصد نقص الحليب، وتقوم بطلبه تلقائياً من المتجر الإلكتروني، وتؤكد الدفع باستخدام بطاقتك الذكية، وهذه ليست مجرد راحة؛ بل نظام دفع ذكي يتفاعل بسرعة الأجهزة وليس بسرعة البشر.
الدفع في كل مكان
لتحقيق هذا التصور، تستثمر «فيزا» في البنية التحتية اللازمة عبر شبكة متنامية من واجهات برمجة التطبيقات وخدمات «التوكن» (Tokenization)، ما يمكّن التجار ومطوري التكنولوجيا من دمج خيارات الدفع بعمق في منصاتهم. وبفضل ذلك، ستتمكن تطبيقات وخدمات متنوعة -من تطبيقات اللياقة البدنية إلى الساعات الذكية- من الوصول إلى شبكة «فيزا»، ما يجعل كل جهاز متصل نقطة بيع محتملة، وكل لحظة للمستخدم فرصة للشراء. وبلغة «فيزا» نفسها، لم تعد المسألة مجرد أن تكون «في كل مكان تريد أن تكون فيه»، بل أن تكون «في كل مكان توجد فيه أجهزتك بالفعل».
الأمان والثقة… أولوية
لكن الدفع المؤتمت بهذا المستوى يأتي مع تحديات، خصوصاً فيما يتعلّق بالخصوصية والموافقة ومنع الاحتيال. أكدت «فيزا» أن التحكم بيد المستخدم أولاً، مع خيارات للإعداد، وتنبيهات لحظية، وإمكانية ضبط حدود الإنفاق. كما تعتمد الشركة على أنظمة ذكاء اصطناعي لرصد الاحتيال، تُساعد بالفعل في مراقبة أكثر من 500 مليون معاملة يومياً. باستخدام خوارزميات متطورة، تهدف إلى حماية التجارة الذكية بقوة تمكينها نفسها.
لكن يبقى السؤال: «على ماذا تراهن (فيزا) بهذا الحجم في مجال الأتمتة والذكاء الاصطناعي؟».
وفقاً لـ«ستاتستا» (Statista)، من المتوقع أن يتجاوز حجم التجارة الإلكترونية العالمي 8 تريليونات دولار بحلول عام 2027، في حين تعالج «فيزا» أكثر من 14 تريليون دولار سنوياً في حجم المدفوعات.
الأمر لا يتعلّق بالحجم فقط بل أيضاً بالتوقعات، فقد كشف استطلاع رأي أجرته «فيزا» أن 64 في المائة من المستهلكين يشعرون بالراحة تجاه السماح للذكاء الاصطناعي بمساعدتهم على اتخاذ قرارات الشراء، خاصة فيما يخص المشتريات المتكررة أو الروتينية، وتزداد هذه النسبة بين جيل «زد» (Z). هذا يُشير إلى تغيُّر في نظرة الناس للمال والتسوق والثقة الرقمية، فالذكاء الاصطناعي لم يعد مجرد أداة توصية، بل أصبح مساعداً مالياً، وأداة للتخطيط، وحتى منفّذاً للشراء.
الدفع وفقاً للنية
رؤية «فيزا» للتجارة الذكية ليست مجرد إطلاق منتج جديد، بل هي إعادة تعريف للعلاقة بين المستهلك والبائع. ولم تعد عملية الدفع الخطوة الأخيرة في الشراء؛ بل أصبحت مدمجة منذ البداية مدفوعة بالنية، والسياق، والأتمتة.
ورغم أن تطبيق هذه الرؤية بالكامل سيستغرق وقتاً، وأن الخصوصية والتنظيم سيلعبان دوراً في تشكيل مسارها، فإن شيئاً واحداً بات واضحاً، طوابير الدفع في طريقها للاختفاء، وبدلاً منها، سيظهر عالم تتولّى فيه أجهزتنا الذكية عمليات الشراء نيابة عنا، في الوقت والمكان المناسبين. وإذا كانت «فيزا» ترسم اليوم ملامح هذا المستقبل، فهي لا تسأل فقط عن شكل الدفع التالي، بل عن شيء أعمق: ماذا لو لم تعد بحاجة إلى الدفع بنفسك، لأن عالمك أصبح يدفع عنك؟