أعادت الحرب بين إسرائيل وإيران إلى الأذهان حقيقة جيواقتصادية تقول إن بضعة كيلومترات من الماء كفيلة بزعزعة الاقتصاد العالمي، فسيطر قلق واقعي على أسواق النفط من احتمال إغلاق طهران مضيق هرمز.
وقالت مجلة لوبوان -في مقال بقلم شارل سرفاتي- إن الإيرانيين يهددون بانتظام بإغلاق مضيق هرمز، الذي تمر عبره 20% من نفط العالم، ولكن درس قناة السويس ينبغي أن يثنيهم عن ذلك.
وذكرت الصحيفة بأن 20 مليون برميل من النفط تمر يوميا عبر هذا المضيق، وهو ما يمثل خُمس استهلاك النفط العالمي، وقد ارتفع سعر برميل النفط بأكثر من 10% عندما سرت الشائعات عن هجوم وشيك، وهددت إيران بإغلاق الممر الذي لا يتجاوز عرضه 50 كيلومترًا بين أراضيها وسلطنة عُمان.
هرمز قفل الذهب الأسود
ورغم تشكيك بعض الخبراء في قدرة القوات الإيرانية على إغلاق المضيق تماما، فإن قدرة الحوثيين من اليمن المجاورة، وهم أقل تسليحًا بكثير، على إغلاق شبه كامل للمدخل إلى البحر الأحمر، تعني أن إيران قادرة على الحد من حركة المرور عبر هرمز.
ويتميز هرمز بكونه المنفذ الوحيد للنفط والغاز الطبيعي المسال من الخليج العربي رغم أن السعودية تمتلك خط أنابيب يمتد من الخليج إلى البحر الأحمر، ولكن الموانئ على ساحلها الغربي غير مصممة لنقل مثل هذه الكميات، وبالتالي فإن إغلاق مضيق هرمز سيحرم العالم من نحو 20% من إمداداته النفطية، حتى ولو تم تفعيل الحقول الأميركية.
دروس السويس
وذكّرت المجلة بإغلاق مصر قناة السويس لمدة 9 سنوات بعد حرب عام 1967، ضمن المواجهة مع إسرائيل، والضغط على المجتمع الدولي، ومع أن ذلك كان يتوقع أن يسبب زلزالا في الأسواق، فإن المفاجأة كانت أن سعر البرميل ارتفع بنسبة 2% فقط، ولأن النفط كان رخيصًا فإن الإبحار حول أفريقيا عبر رأس الرجاء الصالح لم يدمر أحدا.

لم يكن الممولون هم الضحايا، بل الدول، إذ يقال إن إسرائيل والأردن وسوريا، وكذلك باكستان والهند، قد خسرت ما يعادل 5 إلى 10% من ناتجها المحلي الإجمالي بسبب انخفاض التجارة الناجم عن هذا الإغلاق، فانهارت تجارتها، مما تسبب في تباطؤ نموها حتى أعيد فتح قناة السويس عام 1975، ولم تتأثر أوروبا إلا قليلا.
ومن المفارقات -حسب المجلة- أن الضحية الرئيسية لهذا الحصار كانت مصر ذاتها التي حُرمت من عائدات القناة، وظهرت آثار الحصار على تجارتها، وبالتالي فشلت في استقطاب دعم المجتمع الدولي ضد منافستها.
إيران أسيرة جغرافيتها
وتجد إيران نفسها اليوم في وضع مختلف تمامًا عن وضع مصر عام 1967، وإن بدا مشابها له نظريا، لأن إغلاق مضيق هرمز سيكون بمنزلة انتحار اقتصادي وجيوسياسي، إذ تسحب الصين دعمها وتصبح مجبرة على البحث عن إمدادات أخرى أكثر تكلفة، كما ستتحد ضد طهران قوى الخليج الأخرى المحرومة من منافذها.
إغلاق مضيق هرمز سيكون بمنزلة انتحار اقتصادي وجيوسياسي بالنسبة لإيران
وعلى هذا الأساس سينهار الاقتصاد الإيراني المعتمد على المضيق وصادراته من الطاقة، وذلك ما يفسر قبولَ طهران في النهاية للهدنة التي اقترحها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، واكتفاءها بالتفاخر العلني، رغم أنها اضطرت إلى التراجع.
ومن المفارقات -وفق المجلة- أن الحوثيين اليمنيين، الأقل ثراءً من إيران، ما فتئوا يكررون نهج مصر منذ عدة أشهر، وقد أدت هجماتهم بالطائرات المسيرة وقرصنتهم إلى تقليص حركة الملاحة عبر مضيق باب المندب بنسبة 70%، مما أجبر التجارة العالمية على الالتفاف حول أفريقيا مرة أخرى.