طغت المواجهات الدموية التي تشهدها محافظة السويداء السورية على المشهد السياسي اللبناني، واستحوذت على اهتمام القيادات السياسية والروحية التي تصدّرها الرئيس السابق للحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط، لاستيعاب تداعياتها ومحاصرتها للحؤول دون ارتدادها على الداخل اللبناني؛ لما يترتب عليها من تهديد للاستقرار، في حين ينشغل لبنان الرسمي بإعداده للرد على المقترحات التي تسلمها من السفير الأميركي لدى تركيا المبعوث الخاص للرئيس الأميركي إلى سوريا توم برّاك، رداً على الأفكار التي طرحها لمساعدته على وضع آلية متكاملة لتطبيق اتفاق وقف النار، ويواكب، في نفس الوقت، الإجراءات والتدابير التنظيمية التي اتخذتها قيادة «منظمة التحرير» الفلسطينية لإصلاح ذات البين في حركة «فتح»، على نحو يعيد تأهيلها لملاقاة الحكومة اللبنانية في منتصف الطريق لجمع السلاح في داخل المخيمات.
فوليد جنبلاط يتصدر مروحة الاتصالات لمنع تداعيات المواجهات في السويداء من أن ترتد على الساحة اللبنانية، بدءاً بالجبل، وهو عهِد في هذا الخصوص إلى نجله رئيس «اللقاء الديمقراطي» تيمور بلقاء قائد الجيش العماد رودولف هيكل بحضور نواب «اللقاء»، وتلقى اتصالات من رئيس الجمهورية العماد جوزيف عون، ومفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان، ورؤساء الحكومة السابقين فؤاد السنيورة ونجيب ميقاتي وتمام سلام الذين سيلتقونه لاحقاً في دارته في كليمنصو في بيروت، في حين لم ينقطع عن التواصل مع شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الدكتور سامي أبو المنى استعداداً للاجتماع الموسع للمجلس المذهبي الدرزي لوأد الفتنة في السويداء، والتركيز على وحدة سوريا، وقيام حوار شامل تحت كنف الرئيس أحمد الشرع، وكان تلقى اتصالاً من المفتي دريان أكدا فيه على وحدة الموقف بين الدروز والسنّة لمنع الوقوع في فخ الفتنة.
تدابير الجيش و«الاشتراكي»
وبالنسبة إلى تطويق ما يترتب من تداعيات للمواجهات الدموية في السويداء، أبدى مصدر بارز في «اللقاء الديمقراطي» لـ«الشرق الأوسط» ارتياحه للأجواء التي سادت اجتماع وفده برئاسة تيمور جنبلاط مع العماد هيكل. وقال إن قيادة الجيش كانت استبقته برزمة من الإجراءات والتدابير غير المسبوقة نفذتها على نطاق واسع في قضاءَي الشوف وعاليه في ضوء الإشكال الذي حصل في بلدة شارون الواقعة في منطقة الجرد في عاليه.
ولفت إلى أن التدابير كانت تلازمت مع انتشار سياسي غير مسبوق لعدد من مسؤولي ونشطاء «التقدمي» في هذين القضاءين، وتعاونهم مع وحدات الجيش المنتشرة فيهما لمنع الاحتكاك بين دروز السويداء الوافدين إليهما والعمال السوريين الذين هم في غالبيتهم من الطائفة السنية. وأكد أن وحدات الجيش تطبق حالياً سيطرتها على المنطقة، وهي تتعاون مع مجالسها البلدية التي تجاوبت ورغبتها في إصدار تعميم يبقى مفعوله سارياً حتى إشعار آخر، يقضي بمنع العمال السوريين من التجول في البلدات والقرى الدرزية، بدءاً من السابعة مساء، لقطع الطريق على من يحاول الاصطياد في الماء العكر باستهدافهم رداً على ما يحصل في السويداء.
وأكد المصدر نفسه أن قضاءَي راشيا وحاصبيا مشمولان بتدابير قيادة الجيش التي أوعزت إلى وحداتها المنتشرة فيهما بضرورة تشديدها أمام المساجد التي يرتادها السوريون لتأدية الصلاة، وشدد على التعاون بين دار الإفتاء ومشيخة العقل لوأد الفتنة وتطويق ارتدادات المواجهات في السويداء على العلاقة الوطيدة بين الدروز والسنّة.
وكشف أن «التقدمي» لا يزال في حالة استنفار بالمعنى السياسي للكلمة، ويبدي انفتاحاً على القيادات السياسية والروحية في الطائفة السنية لقطع الطريق على من يحاول نقل الفتنة إلى لبنان. وقال إن الحفاظ على وحدة سوريا بات مطلوباً أكثر من أي وقت مضى، ويجب أن يحظى برعاية لبنانية شاملة وجامعة للبنانيين بلا استثناء. وهذا ما تجلى في ردود الفعل على ما يحصل في السويداء، بدءاً برئيسَي الجمهورية العماد عون والحكومة نواف سلام اللذين شددا في اتصالهما بجنبلاط على وحدتها.
ورأى أن الحل الذي يدعو له «التقدمي» يكمن في وأد الفتنة والعودة للحوار برعاية الرئيس الشرع مدعوماً بحاضنة عربية، و«أن لا مكان لدينا لطلب الحماية الدولية للدروز، وتحديداً من إسرائيل التي لا تتدخل عسكرياً لحمايتهم، وإنما لتقسيم سوريا، ويخطئ من يخالفنا الرأي، وفي المقابل لا بد من التدخل لإنهاء خطوط التماس، سواء بداخل السويداء أو مع جوارها، وإيجاد الحلول للذيول التي خلفتها المواجهات الدامية؛ لأن لا بديل عن الدولة لتوفير الحماية للجميع، بمن فيهم الدروز».
الحفاظ على السلم الأهلي
وفي هذا السياق، قال مصدر وزاري إن «وحدة الموقف اللبناني مطلوبة اليوم قبل الغد، ليس لتحييد لبنان عن المواجهات الدامية وتطويق مضاعفاتها على الداخل فحسب، وإنما لتحصين ساحتنا الداخلية للحفاظ على السلم الأهلي»، وتمرير رسالة إلى المجتمع الدولي بضرورة الضغط لإلزام إسرائيل بالانسحاب من الجنوب، وأن رهانها على تهديد وحدته، كما يقول لـ«الشرق الأوسط»، ليس في محله، في مقابل أن «نحسم أمرنا ونلتف جميعاً حول حصرية السلاح بيد الدولة، وهذا يتطلب من (حزب الله) أن يقدم بلا تردد على اتخاذ موقف شجاع يقضي بتخلّيه عن سلاحه وتسليمه للدولة؛ لأنه لم يعد من جدوى للاحتفاظ به بعد أن أصبح عبئاً عليه قبل الآخرين».
وختم المصدر الوزاري بقوله: «لا خيار أمام اللبنانيين جميعاً سوى الوقوف إلى جانب جنبلاط الأب الذي أخذ على عاتقه النزول بكل ثقله السياسي لتحييد لبنان عن تداعيات السويداء، وهو الآن صمام الأمان لتطويق مضاعفاتها».