انتشرت قوات الأمن الجزائرية بكثافة، منذ مساء أمس (الخميس)، في شوارع العاصمة ومحاورها الرئيسية، استعداداً للتعامل مع دعوات مجهولة لتنظيم مظاهرات مناوئة للحكومة، اليوم (الجمعة)، وسط مخاوف رسمية من تجدد الحراك الشعبي الذي توقّف منذ عام 2021.
ومنذ أسبوع والسلطات تبدي تخوفاً من حدوث انفلات في الشارع، بسبب تداول رسائل مجهولة عبر منصات الإعلام الاجتماعي، تشجع على تنظيم احتجاجات في الشارع للتعبير عن التذمر من سياسات الحكومة في مجال تسيير الاقتصاد، والتقييد الذي تشهده الحريات في السنين الأخيرة، خصوصاً منذ أن أوقفت السلطات في 2021 مظاهرات الحراك الشعبي، الذي أجبر الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة على التنحي في 2 أبريل (نيسان) 2019.
ولوحظ في شارع «ديدوش مراد» بقلب العاصمة، و«ساحة البريد المركزي» القريبة من قصر الحكومة، استنفار أمني واسع، تحسباً للتصدي إلى مظاهرات مفترضة، أشيع في الأيام الأخيرة أنها ستنطلق من المساجد بعد صلاة الجمعة.
كما لوحظ وجود نقاط مراقبة كثيرة على الطرق السريعة، حيث أوقف رجال الدرك عدداً من السيارات وفتشوها بدقة. وكان الهدف هو التأكد من عدم وجود ملصقات أو شعارات مناوئة للسلطات.
خوف من عودة «العشرية السوداء»
علّق خمسيني صادفته «الشرق الأوسط» في شارع «فرنكلين روزفلت»، الذي يقود إلى وسط العاصمة، على الحالة غير العادية التي يعيشها هذه الأيام سكان العاصمة والمدن الكبيرة، قائلاً: «من الواضح أن الخوف من تجدد الحراك هو ما يفسر هذا الاستنفار، ويعود هذا ربما إلى شعور الناس بالخيبة لأن مطالبهم بالحرية والديمقراطية وفي عيش أفضل، التي حملها الحراك قبل 6 سنوات، لم تتحقق».
وأكد شاب، قال إنه طالب في كلية الحقوق، كان في مقهى بـ«شارع عميروش»، حيث مقر أمن العاصمة المركزي، أن «الانسياق وراء الحسابات المجهولة التي تدعو إلى الاحتجاج يشكل خطراً على الأمن. صحيح أن السلطة لم تستجب لكل مطالب الحراك، لكن الحفاظ على الاستقرار أهم من أي شيء آخر، بلدنا يوجد في منطقة تحيط بها الأهوال والاضطرابات الأمنية والسياسية، وعلينا أن نكون يقظين».
ويسود البلاد هذه الأيام هاجس يتمثل في الخوف من «العودة إلى العشرية السوداء»، وهي فترة التسعينات، التي شهدت مقتل الآلاف في مواجهات مع جماعات مسلحة متشددة.
وكتب الناشط الحقوقي، زكي حناش، المقيم بكندا لاجئاً سياسياً، بحسابه على «فيسبوك»، أن حملة اعتقالات واسعة شهدتها مناطق بالبلاد في المدة الأخيرة، طالت، حسبه، نشطاء سياسيين من الحراك، واشتبهت الشرطة في أنهم وراء «هاشتاغ… انزل إلى الميدان بقوة للتظاهر يوم 8 أغسطس (آب) 2025»، مؤكداً أن الأمن أطلق سراحهم «بعد أن أمضوا تعهداً مكتوباً بعدم الخروج يوم الجمعة في مظاهرة».
وفي اتجاه عكسي، حذر ناشطون مؤيدون للحكومة، عبر حساباتهم، من «مجهولين يقفون وراء محاولات يائسة لزرع الفوضى في البلاد، مدفوعين من طرف جهات تموَلهم»، بحسب ما جاء في بيان سمي «رابطة الوطن»، نشره صحافي بالتلفزيون العمومي.
ومن أهم ما تضمنه البيان: «نهيب بكل المواطنين، خصوصاً شبابنا الواعي، أن يكونوا حصناً منيعاً في وجه هذه المخططات العدائية، وأن يُفشلوها بالوعي لا بالعاطفة، وبالحكمة لا بالتهور، فالمعارك الكبرى لا تخاض في الشارع؛ بل تربح بالعقول والإرادة والصبر».
وتأتي هذه الدعوات المجهولة للتظاهر بعد أيام قليلة فقط من خطاب حاد، ألقاه الفريق أول سعيد شنقريحة، رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي ووزير الدفاع الوطني بالنيابة، بمناسبة الاحتفالات السنوية بـ«اليوم الوطني للجيش»، أكد فيها أمام عدد من العسكريين وأسر ضحايا الإرهاب، أن الجيش «يتعهد بصون وحدة الوطن، ومواصلة مكافحة الإرهاب»، مشيداً بـ«المجاهدين القدامى وأبناء الوطن الأوفياء، الذين تصدّوا للإرهاب الهمجي بعزم وبسالة».
وشدد شنقريحة على أن «تلك التضحيات أجهضت محاولات تدمير البلاد»، لافتاً إلى «الدور المحوري للجيش الوطني الشعبي، باعتباره الامتداد الطبيعي لجيش التحرير الوطني، في صون الدولة الجمهورية وحماية مؤسساتها».
وكان الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، قد انتقد نهاية 2024 حملة رقمية بعنوان «مانيش راضي» (لست راضياً)، انتشرت على وسائل التواصل، للتعبير عن التذمر من أوضاع الحريات والاقتصاد، وعدّها حملة «أجنبية المنشأ تستهدف ضرب الاستقرار ونشر اليأس»، مؤكداً أن الجزائر «لن تُفتَرس بهاشتاغات».
وفي مقابلها، أطلق مؤيدون للحكومة حملة مضادة باسم «أنا مع بلادي»، حظيت بانتشار واسع في الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي.