يُعتبر الأدب أصدق من التاريخ في فهم الشعوب والدول، والرواية لا تهتم بمن انتصر أو انهزم في المعارك القديمة، بل تهتم بالحقيقة دائما، بينما يمجد التاريخ السلاطين والحروب التي يموت فيها الإنسان العادي.
عبّر عن هذه الآراء الروائي السوداني الدكتور أمير تاج السر في حديثه لحلقة (2025/8/10) من برنامج “المقابلة”، حيث عرّف نفسه كإنسان بسيط مهتم بالهامشيين والبسطاء، مؤكدا أن كتابته منحازة للإنسان وتنشد الحرية وتتعرض لآليات القهر التي يتعرض لها الإنسان.
وأوضح أن مهمة الروائي تختلف عن المؤرخ، حيث يبتعد الروائي عن المركز ويؤرخ لحياة الإنسان العادي كنوع من التأريخ للبشر.
وفي هذا السياق، أكد الكاتب السوداني أن قناعاته الشخصية تجعله منحازا للإنسان الهامشي والبسيط، وأنه ينجز في مشروعه الكتابي تسليط الضوء على أشياء كثيرة غير مسلط الضوء عليها. وحتى في رواياته التاريخية، ابتعد فعلا عن المركز وركز على الكتابة عن الهامشيين.
وحول نشأته الأدبية، كشف تاج السر المولود عام 1960 في قرية كرمكول السودانية أن أسرته من الحكواتيين، حيث كان والده حكاء شفاهيا يشبه كتاب الرواية لكن بدون تدوين، ووالدته أيضا حكواتية تقلد الأصوات عندما تحكي عن أشخاص معينين.
وأشار إلى أن جدته لأمه كانت تنشد شعرا جميلا فيه خيال، مؤكدا أن خاله الأديب الطيب صالح هو الحكواتي الأكبر في العائلة وفي السودان كله.
وفيما يتعلق بعلاقته بالطيب صالح، أوضح الروائي السوداني أن خاله “ساعده جدا حين لم يساعده”، مشيرا إلى أنه لم يلجأ للطيب ليساعده في النشر، ولو فعل ذلك لعلقت به صفة “ابن أخت الطيب صالح” حتى الآن.
وأكد أن الطيب قدم له خدمة كبيرة بأن لم يرتبط مساره الأدبي والروائي به، مشددا على أن عالمه مختلف تماما عن عالم خاله ولغته مختلفة والمواضيع التي يطرقها مختلفة جدا.
وحول غزارة إنتاجه الروائي، أوضح تاج السر -الذي كتب أكثر من 26 رواية- أن لديه أفكارا فائضة وقدرة عالية، نافيا أن يكون الأمر استسهالا لأن كل رواية عنده لها فكرة مختلفة تماما عن الأخرى.
وأكد أن لديه مشروعا اندمج به ودخل فيه بعنف، وأصبحت كتابة الرواية شيئا مهما في حياته مثل الأكل، حيث يكتب تقريبا رواية سنويا.
مشروع خسارات
وفي موضوع آخر، وصف الكاتب السوداني الكتابة بأنها “مشروع خسارات”، موضحا أن الكاتب يخسر أوقاتا طيبة يمكن أن يقضيها مع الأسرة والأحباء، ويخسر أشياء اجتماعية أخرى، بالإضافة للخسارة المادية حيث يصرف أحيانا على الكتابة.
وروى كيف رهن ساعة غالية أهداها له والده لطباعة روايته الأولى “كرمكول”، وكيف باعها لاحقا في الدوحة لدفع مقدم سيارة.
وبشأن تجربة الترجمة، كشف تاج السر أن رواياته ترجمت إلى 12 لغة، مؤكدا أن الترجمة للفارسية حققت نجاحا كبيرا حيث طُبعت إحدى رواياته أكثر من 6 مرات، بينما الترجمة للإنجليزية لم تنجح كثيرا باستثناء رواية “إيبولا 76” عن الحمى النزيفية.
وفسر عدم نجاح الترجمة الإنجليزية بأن الإنجليز معتدون بآدابهم وفيهم استخفاف بالأدب المترجم.
وحول الواقعية السحرية في كتاباته، أوضح أنه كان عاشقا للروايات اللاتينية خاصة غابرييل غارسيا ماركيز الذي يعتبره معلمه، لكنه أكد أن كتابته ليست واقعية سحرية بل “واقعية غرائبية وعجائبية” تعتمد على اللغة لتحويل الأمور إلى أشياء عجائبية.
وفيما يخص القراءة في العصر الحديث، أعرب تاج السر عن اعتقاده أن الناس أصبحت تقرأ أكثر الآن رغم انطباع البعض أنها تقرأ أقل، مشيرا إلى أن الهواتف أصبحت وسيلة للقراءة وظهرت مجموعات القراءة التي ساعدت في انتشار الكتب.
وانتقد الروائي السوداني دور النشر الحديثة بوصفها “سلاحا ذا حدين”، فهي أفادت الرواية بتسهيل الوصول وسرعة النشر، لكنها أضرت بها لأنها تنشر لأي شخص جيد أو غير جيد، حيث أصبح أي واحد يمكن أن يدفع ألفا أو 1500 دولار وينشر عمله، وأشار إلى أن الموضوع أصبح بزنس حتى في أوروبا.
وعن السودان والحرب الحالية، أكد تاج السر أنه لا يفقد الأمل أبدا في وطنه الذي وُلد وعاش فيه، معربا عن أمله أن يأتي يوم تُفرج على هذا الشعب المسكين وترجع الحياة كما كانت ويواصل الناس حياتهم.
وحول مشاريعه المستقبلية، كشف عن مشروعين مستقبليين يشغلانه: كتابة سيرة عن تجربته في قطر والأشخاص الذين ساعدوه في البلد، وربما كتابة رواية عن قطر نفسها، مؤكدا أنه حتى الآن كاتب محلي لم يخرج من المحلية في كتاباته.