رام الله- صعدت قوات الاحتلال الإسرائيلي في العامين الأخيرين من سياسة هدم وإغلاق آبار وينابيع المياه في الضفة الغربية، في وقت يعاني فيه الفلسطينيون نقصا كبيرا في كميات المياه، وسط تحذيرات من عواقب وخيمة على قطاع الزراعة.
وتجاوزت ملاحقات الاحتلال للآبار سواء بالهدم أو الإغلاق، المناطق المصنفة “ج” والتي تشكل نحو 60% من مساحة الضفة وتخضع لسيطرته، إلى مناطق تخضع لسيطرة السلطة الفلسطينية الكاملة أو الجزئية كما جرى في مناطق متفرقة في الأسابيع الأخيرة.
وتشير معطيات مكتب الدفاع عن الأرض التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية إلى تدمير 500 بئر منذ عام 1967، حيث صدر في حينه أمر عسكري يحمل الرقم 158، يُمنع بموجبه الفلسطينيون من إنشاء أية تمديدات مياه جديدة بدون الحصول أولا على تصريح من الجيش الإسرائيلي، وهو إجراء من شبه المستحيل الحصول عليه.
إغلاق بمناطق السلطة
وبين 2019 ويوليو/تموز 2025 أصدر الجيش الإسرائيلي 108 أوامر عسكرية للسيطرة على المياه الفلسطينية في الضفة الغربية، وفق تقرير لمعهد الأبحاث التطبيقية-أريج صدر في 7 أغسطس/آب الجاري.
وتنقسم الآبار في الضفة إلى عدة أصناف: آبار ارتوازية تُمد لعشرات ومئات الأمتار في عمق الأرض وآبار تعتمد على ينابيع سطحية وآبار وبرك لتجميع مياه الشتاء.
في الخامس من أغسطس/آب الجاري فوجئ المزارع الفلسطيني محمد أبو شرخ، من بلدة الظاهرية جنوب مدينة الخليل، جنوبي الضفة الغربية، بقوة كبيرة من جيش الاحتلال ترافقها مضخات أسمنت تداهم منطقة “الباحة” حيث يسكن ويستثمر في الزراعة.
وقال أبو شرخ لمراسل الجزيرة نت إن جيش الاحتلال أغلق 7 آبار مياه ارتوازية تمكن من حفرها على عمق مئات الأمتار قبل نحو عامين ودفع في ذلك مبالغ كبيرة، لغرض الزراعة وتوفير مياه الشرب، لكنها أغلقت بصب الأسمنت داخلها.
أقام المزارع الفلسطيني بمحيط الآبار بيوتا بلاستيكية لزراعة الخضار على مساحة تقدر بـ10 آلاف متر مربع، لكن تم إعدامها جميعا بإغلاق مصادر المياه وحرمان 40 فردا كانوا يعتمدون عليها بشكل مباشر من مصدر دخلهم، إضافة إلى عشرات آخرين بشكل غير مباشر منهم أصحاب صهاريج نقل المياه.
استهداف متزايد
ووفق مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع الأمم المتحدة فإن السلطات الإسرائيلية أغلقت في 31 يوليو/تموز، بئريْ مياه ارتوازيتين تقعان في المنطقة “ب” شرق مدينة نابلس (تخضع لسيطرة مدنية فلسطينية وأمنية إسرائيلية)، وتخدمان بلدتي بيت دجن وبيت فوريك.
وفي تقرير نشره يوم 7 أغسطس/آب الجاري قال المكتب الأممي إن إحدى البئرين بعمق حوالي 400 متر وظلت تعمل بكامل طاقتها بين عامي 2022 و2025، وتزود البلدتين بمياه الشرب والري، بينما البئر الأخرى بعمق حوالي 370 مترا، وكانت في مرحلة التجربة لدعم الري الزراعي وشبكة المياه المحلية.
وفقا لبلدية بيت فوريك، أدى إغلاق البئرين إلى انخفاض توافر المياه بنسبة 20%، مما ألحق الضرر بحوالي 23 ألفا من سكان البلدتين.
وبين يناير/كانون الثاني 2023 و 4 أغسطس/آب 2025، وثّق مكتب الأمم المتحدة إغلاق السلطات الإسرائيلية 12 بئرا ارتوازية في أنحاء الضفة الغربية.
كما رصد المكتب الأممي عدة هجمات شنها مستوطنون إسرائيليون واستهدفت البنية التحتية وخزانات المياه في محافظات رام الله وأريحا ونابلس وطولكرم وجنين والقدس، بين 15 و 21 يوليو/تموز 2025.
تغطية صحفية: الاحتلال يردم بئرين للمياه في بيت دجن وبيت فوريك شرق نابلس ويستولي على مضخة pic.twitter.com/dG5tPt8S0h
— Shabab FM راديو شباب اف ام (@ShababFM1014) July 31, 2025
سيطرة واسعة
وفي 26 يوليو/تموز، كشف المكتب الوطني للدفاع عن الأرض، التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية أن اعتداءات المستوطنين على بئر عين سينيا حرمت آلاف الفلسطينيين من المياه، خاصة في منطقة عين سامية شرق قرية كفر مالك شمال شرق مدينة رام الله.
وأوضح أن المنطقة تضم 5 آبار مياه بعمق يتراوح بين 100 و500 متر، وبطاقة إنتاجية تبلغ 12 ألف متر مكعب يوميا تغذي 33 تجمعا سكانيا، ويستفيد منها نحو 110 آلاف فلسطيني، وتتعرض لاعتداءات مستمرة.
وقبل ذلك في مايو/أيار الماضي، قام مستوطنون بتجفيف نبع العوجا شمالي مدينة أريح، وفق ما أعلنته منظمة البيدر للدفاع عن حقوق البدو، وهو ما اضطر التجمعات الفلسطينية المعتمدة على تربية الماشية إلى البحث عن مصادر بديلة ومكلفة.
في المقابل تواصل سلطات الاحتلال الإسرائيلي إصدار قرارات بحفر آبار لصالح المشروع الاستيطاني بينها بئر مياه جوفية في الأغوار الشمالية لصالح شركة “ميكروت” الإسرائيلية، بعمق 600 متر، تقرر حفرها الأسبوع الماضي.
وبشكل عام يؤكد المكتب الوطني أن الاحتلال يسيطر على أكثر من 84% من المياه الفلسطينية في الضفة، ويترك فقط 16% للفلسطينيين.
أزمة حادة تعيشها قرية كفر مالك بالضفة الغربية المحتلة جراء أزمة انقطاع مياه الينابيع بعد أن استولى مستوطنون إسرائيليون على آبار عدة ومضخات مياه pic.twitter.com/GleRHtGHwL
— الجزيرة مباشر (@ajmubasher) July 22, 2025
استهداف الأغوار
بدورها، تقول منظمة “البيدر للدفاع عن حقوق البدو والقرى المستهدفة” إنها وثقت تدمير 40 نبعا وبئرا ارتوازية في مناطق متفرقة من الأغوار خلال النصف الأول من 2025، مما أدى إلى انقطاع مصدر المياه الدائم للكثير من القرى.
وقال المشرف العام على المنظمة حسن مليحات للجزيرة نت إن سياسة هدم الآبار إلى جانب سرقة المواشي شكلتا معا “ضربات تؤثر بشكل مباشر على قدرة السكان على الصمود والبقاء في مناطقهم”.
وبين أن التجمعات البدوية في الأغوار، بشكل خاص، تعتمد على نوعين من الآبار: الآبار الارتوازية وآبار تجميع مياه الينابيع.
وذكر أن الآبار الارتوازية تُعد مصدرا أساسيا للمياه الجوفية العميقة، وتغذي الشبكة الزراعية في التجمعات البدوية والزراعية عبر ضخ المياه باستخدام مضخات ميكانيكية وكهربائية، وتم هدم 25 منها، بينها آبار تجميع مياه الينابيع التي تعتمد على التقاط المياه من الينابيع السطحية أو المناطق القريبة من سطح الأرض، وتم تدمير 15 بئرا منها.

تدمير ممنهج
عن استخداماتها، قال مليحات إن الآبار المستهدفة كانت تُستخدم لري الماشية وحوالي 3 آلاف دونم من الأراضي المزروعة بالبساتين والمحاصيل الحقلية، فضلا عن استخدامها للشرب حيث تؤمن هذه الآبار مياه الشرب لما يقارب 10 آلاف نسمة في التجمعات البدوية.
ولفت إلى “تأثيرات سلبية مباشرة كزيادة معاناة السكان وانخفاض الإنتاج الزراعي والحيواني وزيادة تكاليف الحصول على المياه من مصادر بديلة وبعيدة وبالتالي تفاقم ظاهرة النزوح”.
وبالتوازي مع تدمير الآبار تنتهج سلطات الاحتلال سياسة تدمير خطوط نقل المياه، إضافة إلى البنية التحتية كما في مخيمات جنين وطولكرم ونور شمس.
وتفيد معطيات نشرها الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني في يونيو/حزيران بأن الجيش الإسرائيلي دمر في مخيمات جنين وطولكرم وطوباس شبكات مياه يصل طولها إلى نحو 50 كيلومترا.
وبالتزامن مع كل ما سبق فقد قلّصت قوات الاحتلال هذا الصيف كميات المياه الواردة إلى مدينة الخليل جنوبي الضفة الغربية بنحو 55% وفق ما أعلنته بلدية الخليل، كما قلصت الكميات المخصصة لمحافظة رام الله والبيرة الأسبوع الماضي بنحو 30 ألف كوب (متر مكعب)، ما يعني حرمان 60 ألف منزل فلسطيني من المياه وفق ما أعلنته مصلحة مياه محافظة القدس.