نابلس- ضمن سياق السيطرة على الأرض والهوية، وباستخدام الآثار ذريعة للضم والتهويد، كشف تقرير فلسطيني عن تصنيف قوات الاحتلال الإسرائيلي 63 موقعا في الضفة الغربية المحتلة “مواقع تاريخية وأثرية إسرائيلية”، من بينها 59 موقعا تقع في محافظة نابلس شمالي الضفة و3 مواقع في محافظة رام الله وموقع واحد في محافظة سلفيت.
وفقًا لتقرير معهد الأبحاث التطبيقية (أريج) الذي نشره على موقعه الإلكتروني اليوم الخميس، فإن أمرا عسكريا إسرائيليا بهذا الخصوص صدر يوم 10 أغسطس/آب 2025 عن الإدارة المدنية (تابعة للجيش)، معتبرا إياه “خرقًا واضحًا للقانون الدولي، ولا سيما اتفاقية لاهاي لعام 1954 لحماية الممتلكات الثقافية أثناء النزاعات المسلحة واتفاقيات جنيف التي تحظر على قوة الاحتلال تغيير الطابع التاريخي والثقافي للأراضي المحتلة أو استغلاله لأغراض سياسية وعسكرية”.
ويوضح التقرير أن غالبية المواقع المستهدفة تقع قرب بؤر استيطانية ومستوطنات إسرائيلية أو مواقع استيطانية أخرى في محافظة نابلس على وجه التحديد.
إستراتيجية السيطرة
وقال خبير الآثار عبد الرحيم حمران للجزيرة نت إن إسرائيل تختار فترات زمنية محددة في المواقع الأثرية الفلسطينية لتسويق سيادتها عليها كما في موقع سبسطية، رغم عدم وجود أي صلة فعلية في الفترات التاريخية الأخرى، موضحا أن “هذه الروايات غالبًا غير موضوعية وغير دقيقة تاريخيا”.
وأضاف أن المواقع التي يسيطر عليها الاحتلال غالبًا تكون مواقع إستراتيجية على قمم أو في مناطق ريفية مهمة، يمكن استغلالها لإقامة مستوطنات أو بؤر استيطانية تكمل السيطرة على المناطق المحيطة، كما يتم اختيار مواقع قليلة الوجود الفلسطيني لتسهيل السيطرة.
وتؤدي السياسات الإسرائيلية إلى تأثيرات واسعة على الفلسطينيين المحيطين بهذه المواقع اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا. فيُحرم المزارعون من استصلاح أراضيهم، كما يُمنع التوسع السكاني الفلسطيني في مناطق واسعة حول هذه المواقع. إلى جانب ذلك، تُستهدف الروابط الثقافية والأثرية بين الفلسطينيين وأرضهم، مما يضعف الهوية التاريخية ويحد من النشاط الاقتصادي المحلي، حسب حمران.
الخارجية تطالب اليونسكو تحمل مسؤولياتها في حماية المواقع الأثرية الفلسطينية من مخاطر التهويد والضم
تشدد وزارة الخارجية والمغتربين على أن إعلان سلطات الاحتلال تصنيف 63 موقعاً في الضفة الغربية المحتلة “كمواقع تاريخية وأثرية إسرائيلية”، انتهاك صارخ للقانون الدولي واتفاقيات جنيف… pic.twitter.com/NHlFUqiPBQ
— State of Palestine – MFA 🇵🇸🇵🇸 (@pmofa) August 21, 2025
ترسيم تعسفي
من جهته، قال ضرغام فارس مدير مديرية السياحة والآثار بوزارة السياحة والآثار الفلسطينية بمدينة نابلس للجزيرة نت إن ترسيم الاحتلال لهذه المواقع الأثرية هو “ترسيم غير مهني وتعسفي يشمل ضم أراض واسعة لا توجد فيها آثار للموقع الأثري، مما يدل على أن هدف الاحتلال ليس الآثار والحفاظ عليها، وإنما يستخدمها ذريعة لضم هذه الأراضي وتهويدها”.
وأشار إلى أن “الإجراءات الأخيرة التي اتخذها الاحتلال ليست معزولة أو جديدة، بل تأتي في سياق نهج استعماري إحلالي مستمر يهدف إلى الاستيلاء على الأرض وإفراغها من سكانها عبر أدوات متعددة كالقتل والتهجير والاعتقال المستمر لعشرات السنين”.
وبيّن أن الأوامر العسكرية الإسرائيلية الأخيرة “ترجمة عملية لسياسة معلنة تبنّاها الاحتلال في السنوات الأخيرة، حيث شهدنا العام الماضي مثلًا قرارًا بضم موقع أثري يوم 10 يوليو/تموز 2024، تلاه بأيام قرار للكنيست الإسرائيلي عبّر فيه بوضوح عن رفض إقامة دولة فلسطينية غرب نهر الأردن”.
ولفت إلى أن “إعلان مواقع أثرية وترسيمها بطريقة تعسفية، أو ضمها للإدارة المدنية الإسرائيلية في الضفة الغربية، ليس سوى خطوات تهدف إلى فرض واقع جديد على الأرض يمنع أي إمكانية لقيام دولة فلسطينية مستقبلًا”.

سبسطية والمسعودية
وتُعدّ منطقتا سبسطية والمسعودية، شمال مدينة نابلس، من أكثر المواقع الأثرية استهدافا بالضم والتهويد، إذ تشمل الأخيرة محطة القطار التاريخية، وهي سكة حديدية أنشأها العثمانيون لتصل بين دمشق والمدينة المنورة، إضافة إلى مواقع أخرى مثل خربة برناط في أراضي عصيرة الشمالية، وموقع العرمة في بلدة بيتا، فضلًا عن الاقتحامات المتكررة لمقام يوسف في نابلس.
ويقول المسؤول الفلسطيني إن وزارة السياحة والآثار “تعمل على رصد هذه الانتهاكات وتوثيقها بشكل متواصل قبل رفعها إلى الجهات الرسمية المختصة، وعلى رأسها اليونسكو”، مشيرا إلى محدودية إمكانات وصلاحيات الوزارة على الأرض لكنها مع ذلك تعمل بالتنسيق مع المؤسسات الرسمية ومؤسسات المجتمع المدني على تعزيز الوجود الفلسطيني في المواقع المهددة.
ويضيف أن وزارة السياحة والآثار تواجه قيودا إسرائيلية صارمة تمنعها من القيام بأبسط أعمال الصيانة أو الترميم في المواقع الأثرية الواقعة ضمن المناطق المصنفة (ج) الخاضعة لسيطرة الاحتلال، منها سبسطية حيث أوقف جنود الاحتلال موظفي الوزارة لساعات خلال تنفيذ أعمال تنقيب إنقاذي، وصادروا أدواتهم وسرقوا تابوتا حجريًا من الموقع. وفي حالات أخرى، تمت عرقلة عمليات تنظيف الأعشاب أو تثبيت لوحات تعريفية بالمعالم الأثرية، بل أزيلت اللافتات التي تحمل أسماء المواقع.
وفق معهد أريج، فإن سلطات الاحتلال الإسرائيلية تصنف ما يزيد عن 2400 موقع أثري فلسطيني في الضفة الغربية المحتلة على أنها “مواقع أثرية إسرائيلية”، حيث تعلن أنها مناطق يجب حمايتها وصيانتها ولكن عمليًا يتم استخدامها للسيطرة على مساحات شاسعة من الأرض الفلسطينية.ي