موسكو ترفض اتهامات بانتهاك مسيّراتها أجواء بولندا وتعلن استعدادها لمناقشتها مع وارسو
رفض الكرملين، الأربعاء، ما وصفها بأنها «مزاعم قادة غربيين» حول انتهاك مسيّرات حربية روسية أجواء بولندا خلال شن هجمات واسعة في الليلة السابقة على مواقع في أوكرانيا. واتهم الناطق الرئاسي الروسي ديمتري بيسكوف الغرب بافتعال «استفزازات جديدة». وقال إن القادة الغربيين اعتادوا «توجيه اتهامات لروسيا من دون تقديم أدلة تؤكد مزاعمهم». وتعليقاً على اتهامات رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك، قال بيسكوف إن قيادة الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي «تواصل توجيه اتهامات يومياً لروسيا بالقيام باستفزازات. وفي أغلب الأحيان، من دون حتى محاولة تقديم أي حجج تثبت صحة اتهاماتهم».
وكان رئيس وزراء بولندا دونالد توسك قال إن بلاده رصدت 19طائرة مسيّرة ليلاً، معظمها، قادمة من بيلاروسيا. وحمّل موسكو مسؤولية الحادث.
وأعلنت الشرطة المحلية العثور على بقايا سبع طائرات مسيّرة، وشظايا صاروخ واحد، قرب بلدة تشوسنوكا. كما وردت معلومات تفيد بسقوط حطام طائرة من دون طيار على مبنى سكني في قرية ويريكي القريبة. كما عُثر على مسيرة أخرى في قرية منيسكو، وكلها مناطق قريبة من الحدود.
أثار الاختراق موجة ردود فعل أميركية شديدة، دفعت وزارة الدفاع (البنتاغون) إلى التنديد بهذا التصعيد وطمأنة الحلفاء بالالتزام الكامل تجاه أمنهم. وأدانت الولايات المتحدة بشدة الحادث، عادّة الاختراق «انتهاكاً خطيراً لأول مرة لدولة حليفة في الناتو» على يد قوات روسية. هذا ما أكده مسؤولون في البنتاغون، إذ جرى التشديد على أهمية حماية كل شبر من أراضي الحلفاء، في رسالة مباشرة لروسيا مفادها أن الحلف جاهز للرد بحزم.
واستدعت السلطات البولندية القائم بأعمال السفارة الروسية أندريه أورداش وسلمته مذكرة شديدة اللهجة. وقال الدبلوماسي الروسي لوكالة أنباء «نوفوستي» الرسمية، إن وارسو «لم تُقدّم أي تأكيد على أن الحديث يدور عن مسيّرات روسية المنشأ». وأوضح أنها انطلقت على ما يبدو جواً من جانب أوكرانيا. لكن السلطات البولندية رفضت الحجج الروسية المقدمة، وأكد توسك أن بلاده طلبت من حلفائها تفعيل المادة الرابعة من ميثاق حلف شمال الأطلسي (الناتو). وقال في مجلس النواب: «اتخذت المشاورات مع الحلفاء شكل طلب رسمي لتفعيل المادة الرابعة من ميثاق الناتو».
ينص الميثاق على أن يبدأ أعضاء الحلف مشاوراتهم إذا رأوا أن سلامة أراضي إحدى الدول أو استقلالها السياسي أو أمنها، كل ذلك معرض للخطر. لكن وفقاً لوكالة «رويترز» فإن حلف شمال الأطلسي لا يعدّ الحادث «هجوماً».
قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الأربعاء، إن ثماني مسيّرات روسية كانت «موجهة نحو بولندا في هجوم ليلي شنته موسكو، ما أجبر وارسو على تشغيل دفاعاتها الجوية»، عادّاً ذلك «سابقة خطرة لأوروبا».
وقالت المتحدثة باسم الناتو أليسون هارت على منصة «إكس»: «دخلت الكثير من المسيّرات المجال الجوي البولندي خلال الليل وواجهتها الدفاعات الجوية البولندية والأطلسية»، مشيرة إلى أن الأمين العام للحلف مارك روته على تواصل مع وارسو. وأفاد قائد الناتو في أوروبا، الجنرال الأميركي أليكسوس غرينكويتش، بأن التحالف استجاب «للوضع بشكل سريع وحاسم». وأكد متحدث باسم الحلف في بيان أن الحادثة كانت «هي المرة الأولى التي تواجه طائرات الناتو تهديدات محتملة في المجال الجوي لدولة عضو في الحلف». وقال البيان إن مقاتلات من سلاح الجو الهولندي استجابت وتعاملت مع التهديدات المحتملة.
ووضعت أنظمة الدفاع الجوي الألمانية من طراز «باتريوت» على أهبة الاستعداد في بولندا وأُطلقت طائرة إيطالية للتحذير المبكر. وأفاد البيان بأن «الناتو ملتزم بالدفاع عن كل شبر من أراضي الناتو، بما في ذلك مجالنا الجوي».
وهذه أحدث أزمة تفاقم التوتر الموجود أصلاً في علاقات موسكو مع وارسو وحلف الأطلسي عموماً، ووقعت عدة انتهاكات حدودية خلال الفترة الماضية، كان أبرزها في أواخر عام 2022، عندما سقطت قذائف قرب الحدود مع أوكرانيا في بولندا، مما أسفر عن مقتل شخصين. وفي البداية، أعلنت السلطات أن القذائف روسية المنشأ، لكن أندريه دودا، الرئيس آنذاك، أقرّ لاحقاً بأنها على الأرجح انطلقت من الجانب الأوكراني، خصوصا بعد أن أظهرت التحقيقات وجود شظايا صاروخ أوكراني من طراز «إس 300». ورأت موسكو في التصريحات دليلاً إضافياً على تكرار «مزاعم لا تستند إلى أدلة حول اتهام موسكو».
بدورها، علقت وزارة الدفاع الروسية، الأربعاء، على الاتهامات البولندية، وقالت في بيان إن قواتها شنت خلال الليل غارات على منشآت تابعة للمجمع الصناعي العسكري الأوكراني، و«لم تكن هناك أي خطط لمهاجمة أهداف في بولندا». وأوضحت الوزارة أن «المدى الأقصى للطائرات المسيّرة التي يُزعم أنها عبرت الحدود لا يتجاوز 700 كيلومتر» ما يعني عدم قدرتها على التحليق وانتهاك الحدود بين بولندا وبيلاروسيا. في الوقت نفسه، أبدت الوزارة استعدادها لإجراء مشاورات حول هذه المسألة مع وزارة الدفاع البولندية.
فيما أكدت بيلاروسيا، حليفة موسكو، أنها أبلغت بولندا وليتوانيا الليلة الماضية عن طائرات دون طيار تحلق باتجاه أراضيهما. وقال رئيس الأركان العامة في بيلاروسيا بافيل مورافيكو، في بيان، تم نشره
على «تلغرام»، الأربعاء: «خلال تبادل الضربات خلال الليل بواسطة طائرات دون طيار بين الاتحاد الروسي وأوكرانيا، تعقبت بيلاروسيا ودمرت جزئياً الطائرات التي انحرفت عن مسارها». وأضاف أن هذا ساعد بولندا على الدفاع عن نفسها. ويشير البيان إلى «طائرات دون طيار مفقودة» من دون تحديد منشئها. ويقول الاتحاد الأوروبي إن هناك دلائل تشير إلى أن موسكو تصرفت عمداً.
ودعا مشرعون أميركيون من مختلف الاتجاهات إلى تعزيز دعم أوكرانيا بالسلاح، خاصة الدفاعات الجوية، لتفادي تكرار هذا الانتهاك. السيناتور ديك دوربين وصف الحادث بأنه «تحذير واضح من أن بوتين يختبر عزمنا على حماية بولندا ودول البلطيق». أما النائب جو ويلسون، فقد عدّه «عملاً حربياً» وشجّع الإدارة الأميركية على تزويد أوكرانيا بمزيد من القدرات الدفاعية.
ووفقاً للبيان العسكري الروسي فقد شنّ الجيش هجوماً واسع النطاق ليلاً على مؤسسات الصناعات الدفاعية الأوكرانية في مناطق إيفانو فرانكيفسك، وخميلنيتسكي، وجيتومير، وفينيتسا، ولفيف. وزاد أن «جميع الأهداف المحددة أصيبت بدقة». وأضافت الوزارة: «شنّت القوات الروسية هجوماً واسع النطاق باستخدام أسلحة دقيقة بعيدة المدى، من قواعد برية وبحرية وجوية، بالإضافة إلى طائرات مسيرة، على منشآت المجمع الصناعي العسكري الأوكراني في مناطق عدة وتم تدمير الأهداف بنجاح». وأضافت: «قامت هذه المنشآت التابعة للمجمع الصناعي العسكري الأوكراني بإنتاج وإصلاح معدات مدرعة وجوية للقوات المسلحة الأوكرانية، وتصنيع محركات ومكونات إلكترونية لها، بالإضافة إلى طائرات مسيّرة».
على صعيد آخر، نشرت وسائل إعلام حكومية روسية أن أوكرانيا ناقشت مع الاتحاد الأوروبي إمكانية تخصيص 6.6 مليار يورو من «الصندوق الأوروبي للسلام» لشراء أسلحة أميركية لصالح كييف. وقالت إن نقاشات تفصيلية حول الموضوع جرت خلال اجتماع مجموعة الاتصال حول الدعم العسكري لأوكرانيا، الذي انعقد الثلاثاء. وأعلن عن الاتفاق وزير الدفاع الأوكراني دينيس شميغال، مشيراً إلى أن «من بين أبرز الاتفاقات التي تم التوصل إليها، إمكانية تخصيص 6.6 مليار يورو من الصندوق الأوروبي للسلام لشراء أسلحة أميركية لتلبية احتياجات أوكرانيا»، وفق ما نشر على موقع وزارة الدفاع الأوكرانية. وأضاف شميغال أن الاتحاد الأوروبي سيرسل الشهر المقبل 4 مليارات دولار أميركي دعماً إضافياً لأوكرانيا.
كما أعلنت عدة دول عن مساهمات إضافية في إطار برنامج شراء الأسلحة الأميركية لأوكرانيا. ووفقاً للوزير فقد جاءت تعهدات الأطراف كالآتي: «ألمانيا تعهدت بتقديم 500 مليون يورو إضافية، ومثلها من كندا فيما قدمت ليتوانيا 30 مليون يورو وبلجيكا 100 مليون يورو ولاتفيا 5 ملايين يورو. إلى جانب ذلك، ستمول كندا وألمانيا والمملكة المتحدة برامج أوكرانية لإنتاج طائرات مسيّرة بعيدة المدى». كما أعلنت لاتفيا عن نيتها تسليم كييف في القريب العاجل دفعات من ناقلات الجنود المدرعة من طراز (باتريا) من دون الكشف عن الكميات المحتملة، فيما أكدت فرنسا أنها ستزود أوكرانيا بمزيد من مقاتلات «ميراج» أيضاً من دون الكشف عن عدد الطائرات.
أعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، الأربعاء، أن الاتحاد الأوروبي سيستخدم الفوائد على الأصول الروسية المجمدة لمنح «قرض تعويض» جديد لأوكرانيا، ولكن من دون المساس بالأصول نفسها. وقالت فون دير لاين في كلمة أمام البرلمان الأوروبي في ستراسبورغ: «نحن بحاجة إلى العمل بشكل عاجل لإيجاد حل جديد لتمويل مجهود أوكرانيا الحربي انطلاقاً من الأصول الروسية المجمّدة. وبفضل الأرصدة النقدية المرتبطة بهذه الأصول، يمكننا منح أوكرانيا قرض تعويضات»، مضيفة: «لن تُمسّ الأصول نفسها». وأضافت: «إنها حرب روسيا. لذا فإن روسيا هي التي يجب أن تدفع الثمن».