اجتمع مسؤولون من أوروبا والولايات المتحدة وأوكرانيا في جنيف، الأحد، لمناقشة مسودة خطة قدمتها واشنطن لإنهاء الحرب في أوكرانيا، بعد أن عبرت كييف وحلفاؤها عن قلقهم إزاء ما عدوها تنازلات كبيرة لصالح روسيا.
وشارك في المحادثات مستشارو الأمن القومي من بريطانيا وفرنسا وألمانيا؛ جوناثان باول وإيمانويل بون وغونثر ساوتر، ومدير مكتب الرئيس الأوكراني أندريه يرماك، ووزيرا الخارجية الأميركي ماركو روبيو والجيش دانيال دريسكول، والمبعوث الرئاسي ستيف ويتكوف.
وأمهل الرئيس الأميركي دونالد ترمب نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي حتى يوم الخميس للموافقة على الخطة المكونة من 28 نقطة، التي تدعو كييف إلى التنازل عن أراضٍ، وقبول فرض قيود على جيشها، والتخلي عن طموحاتها في الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو). وبالنسبة لكثير من الأوكرانيين، فإن مثل هذه الشروط تعني الاستسلام بعد ما يقرب من أربع سنوات من القتال في أعنف صراع في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية.
خطّة بديلة
طرحت الدول الأوروبية خطّة معدّلة ترفض القيود المقترحة على القوات المسلحة الأوكرانية والتنازلات المرتبطة بالأراضي.
ونقلت وكالة «رويترز» عن وثيقة المقترح الأوروبي، التي أُعدّت للمحادثات بشأن الخطة في جنيف، أن يكون الحد الأقصى للقوات المسلحة الأوكرانية 800 ألف جندي «في وقت السلم»، بدلاً من الحد الأقصى الشامل البالغ 600 ألف الذي اقترحته الخطة الأميركية. وتنص الوثيقة أيضاً على أن «المفاوضات بشأن تبادل الأراضي ستبدأ من خط التماس»، بدلاً من التحديد المُسبق بضرورة الاعتراف بمناطق معينة «بحكم الأمر الواقع» كما تقترح الخطة الأميركية. كما تقترح الخطّة الأوروبية حصول أوكرانيا على ضمانة أمنية من الولايات المتحدة، على غرار بند المادة الخامسة من ميثاق حلف شمال الأطلسي.
وقال مصدر مطلع على الوثيقة إن القوى الأوروبية الثلاث، بريطانيا وفرنسا وألمانيا، هي صاحبة الاقتراح المقابل، الذي يتخذ من المقترح الأميركي أساساً.
من جانبه، قال الرئيس الفنلندي ألكسندر ستوب إن كثيراً من الخطط طُرحت، متضمنة أشكالاً مختلفة من المساهمات. وأضاف في تصريح لـ«رويترز»، من جوهانسبرغ في ختام أعمال «قمة العشرين»: «هذا يعني أن لدينا قدراً وافراً من المواد التي تتيح لنا بلورة خطة سلام تقود إلى سلام مستدام وعادل».
ولم يتّضح بعد ما إذا كانت كييف تدعم الخطّة الأوروبية البديلة. واكتفى المفاوض الأوكراني رستم عمروف، الأحد، بالقول إن المسوّدة الجديدة للخطة الأميركية لإنهاء الحرب في أوكرانيا تتضمّن معظم «الأولويات الأساسية» لكييف، وذلك بعد عقد بضع جولات تفاوض في جنيف. وتابع أن «النسخة الحالية من الوثيقة، رغم أنها ما زالت في مراحل الموافقة النهائية، تعكس بالفعل معظم الأولويات الأساسية لأوكرانيا». وإذ وصف التعاون مع الولايات المتحدة بأنه «بنّاء»، رحّب «بالاهتمام الذي تظهره بملاحظات» الأوكرانيين.
من جانبه، عبّر مسؤول أميركي عن أمل واشنطن في «تسوية التفاصيل النهائية… لصياغة اتفاق مفيد لهم (للأوكرانيين)»، مؤكّداً أنه لن يتم الاتفاق على أي شيء حتى يجتمع الرئيسان معاً، في إشارة إلى ترمب وزيلينسكي.
ارتباك أميركي
ساد ارتباك كبير منذ إعلان الخطة يتعلق بالجهات المشاركة في صياغتها، وقال حلفاء أوروبيون لأوكرانيا إنه لم تجر مشاورتهم.
The peace proposal was authored by the U.S.It is offered as a strong framework for ongoing negotiationsIt is based on input from the Russian side. But it is also based on previous and ongoing input from Ukraine. https://t.co/JWbAQ04kcw
— Marco Rubio (@marcorubio) November 23, 2025
وقبل التوجه إلى جنيف، قال وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو في منشور على منصة «إكس» إن واشنطن هي من وضعت الخطة، وذلك عقب تصريحات من بعض أعضاء مجلس الشيوخ تشكك في ذلك. وقال السيناتور المستقل أنغوس كينغ، إن روبيو أبلغ أعضاء مجلس الشيوخ بأن الخطة لا تمثل موقف الإدارة الأميركية، بل إنها «تُشكّل عملياً قائمة الأمنيات الخاصة بالروس». واستدرك السيناتور الجمهوري مايك راوندز تشكيك زملائه، وقال في منشور على «إكس»: «أُقدّر للوزير روبيو إحاطته لنا في وقت سابق اليوم حول جهودهم لإحلال السلام بالاعتماد على مقترحات من كلٍّ من روسيا وأوكرانيا للتوصل إلى اتفاق نهائي».
I appreciate Secretary Rubio briefing us earlier today on their efforts to bring about peace by relying on input from both Russia and Ukraine to arrive at a final deal.
— Senator Mike Rounds (@SenatorRounds) November 23, 2025
وكتب روبيو على مواقع التواصل الاجتماعي في ساعة متأخرة السبت إن «خطة السلام صاغتها الولايات المتحدة»، مضيفاً أنها «تُقدم بوصفها إطار عمل لمفاوضات جارية، وهي تستند إلى إسهامات من الجانب الروسي، كما أنها تستند إلى إسهامات سابقة وأخرى مستمرة من أوكرانيا».
لحظة حرجة
تتضمن مسودة الخطة الأميركية كثيراً من مطالب روسيا الرئيسية، ولا تقدم لأوكرانيا سوى تطمينات «بضمانات أمنية قوية»، وذلك في خضم لحظة حرجة تمر بها البلاد. وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، الأحد، إنه لا يمكن تغيير حدود أوكرانيا بالقوة، ولا يمكن ترك جيشها عرضة للهجوم، مشيرة إلى ضرورة أن يكون للاتحاد الأوروبي دور محوري في أي اتفاق سلام في أوكرانيا. وقال مسؤولون غربيون وأوكرانيون إن روسيا حققت مكاسب على بعض جبهات القتال، وإن كان ذلك بوتيرة بطيئة، لكنهم أشاروا إلى أن هذه المكاسب جاءت بتكلفة بشرية باهظة للغاية.

وسيطرت القوات الروسية جزئياً على مركز النقل في بوكروفسك، فيما يقول القادة الأوكرانيون إنهم ليس لديهم ما يكفي من الجنود لوقف التوغلات المحدودة والمتواصلة. وتعرّضت منشآت الكهرباء والغاز في أوكرانيا لسلسلة من الهجمات بالطائرات المسيّرة والصواريخ، ما أدى إلى حرمان ملايين المواطنين من المياه والتدفئة والكهرباء لساعات يومياً. ويواجه زيلينسكي نفسه ضغوطاً داخلية بعد الكشف عن فضيحة فساد كبرى ضمت بعض الوزراء والأشخاص من الدائرة المقربة منه. واستمدت كييف دفعة معنوية خلال الأسابيع القليلة الماضية، بعد أن شدّدت الولايات المتحدة العقوبات على قطاع النفط الروسي، وهو المصدر الرئيسي لتمويل الحرب، بينما ألحقت هجماتها بالطائرات المسيّرة والصواريخ بعيدة المدى أضراراً كبيرة بقطاع الطاقة الروسي.

لكن مسودة خطة السلام تعيد الأفضلية الدبلوماسية إلى موسكو على ما يبدو. وقبل المحادثات، حذّر زيلينسكي من أن أوكرانيا تخاطر بفقدان كرامتها وحريتها أو خسارة دعم واشنطن بسبب الخطة. وتعتمد أوكرانيا بدرجة كبيرة على معلومات المخابرات والأسلحة الأميركية لمواصلة حربها ضد روسيا.
في المقابل، وصف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الخطة بأنها أساس لحل النزاع، لكن موسكو قد تعترض على بعض المقترحات الواردة في الخطة، التي تتطلب انسحاب قواتها من بعض المناطق التي سيطرت عليها.

