المنتخبات المتأهلة إلى «مونديال 2026» تتأهب للتعرف على مجموعاتها
قبل نحو 7 أشهر من انطلاق منافسات بطولة كأس العالم لكرة القدم، ستتجه الأنظار إلى العاصمة الأميركية واشنطن التي ستحتضن، الجمعة، حفل قرعة النسخة الكبرى بتاريخ «المونديال»، في «مركز جون كيندي للفنون الأدائية». وستتعرف المنتخبات الـ42 المتأهلة، بالإضافة إلى المنتخبات الـ6 التي سوف تتأهل من الملحقين الأوروبي والعالمي، على طريقها في البطولة التي ستقام لأول مرة في 3 دول؛ هي: أميركا وكندا والمكسيك.
ويشارك 16 منتخباً في الملحق الأوروبي، سيتأهل منها 4 منتخبات، فيما تشارك 6 منتخبات في الملحق العالمي؛ سيصعد منها منتخبان. ورغم أن البطولة لا تزال بعيدة نسبياً في روزنامة كرة القدم، فإن لحظة إجراء القرعة تعدّ نقطة التحول الفعلية التي تبدأ معها الحسابات الفنية والرقمية، سواء من جانب المنتخبات الكبرى، وتلك التي تخوض النهائيات لأول مرة. وحتى الآن، تأهل 42 منتخباً، من أصل 48، إلى «المونديال»، في انتظار 6 منتخبات ستتأهل من الملحقَين في مارس (آذار) المقبل.
وتحمل منتخبات أميركا اللاتينية تفوقاً كبيراً في منافسات بطولة كأس العالم، وذلك قبل إجراء قرعة النسخة رقم «23» التي تستضيفها الولايات المتحدة وكندا والمكسيك صيف العام المقبل. ولا تنسى منتخبات أميركا الجنوبية، التي قدمت كثيراً من المواهب والأساطير للكرة العالمية، أنها كانت مهد انطلاق كأس العالم، عندما استضافت أوروغواي النسخة الأولى من البطولة عام 1930، وهي التي فازت بلقبها أيضاً في حقبة ذهبية لهذا المنتخب. ويمثل حضور منتخبات أميركا اللاتينية في كأس العالم محوراً ثابتاً في تاريخ البطولة؛ إذ ارتبطت القارة دائماً بالمهارة العالية، والهوية الفنية الواضحة، والقدرة على فرض تأثير يتجاوز حدود النتائج، فقد كان هناك بعض البطولات التي لم يتوج فيها منتخب لاتيني باللقب، لكنها تركت انطباعاً رائعاً عن نجوم بارزين، مثل جيل منتخب البرازيل في 1982، الذي لم يحصد لقب البطولة التي أقيمت في إسبانيا، لكنه ترك انطباعاً رائعاً عن الكرة التي قدمها هذا المنتخب بقيادة زيكو وسقراطس.
ومنذ النسخة الأولى عام 1930، ظلت منتخبات الجنوب شريكاً أساسياً في رسم ملامح «المونديال»، سواء عبر التتويجات، والأجيال التي تركت بصمتها في ذاكرة اللعبة. وبمجموع 10 ألقاب مونديالية من أصل 22 لقباً، يظهر التأثير اللاتيني، الذي يطمح في النسخة الجديدة إلى الاقتراب من عرش أوروبا التي حصدت منتخباتها 12 لقباً عبر التاريخ، كان الأخير لفرنسا في 2018. وسيلعب عامل التقارب في الأجواء والمكان مع الولايات المتحدة والمكسيك دوراً في أن تكتسب المنتخبات اللاتينية جرأة أكبر للمنافسة على نيل اللقب.
وتتقدم البرازيل المشهد بوصفها البطل التاريخي الأول للبطولة، وصاحبة الرقم القياسي في عدد الألقاب برصيد 5 بطولات، وقد بنت حضورها العالمي عبر مسار طويل من الاستمرارية الفنية، بداية من «لقب 1958» الذي أطلق عصر المهارة المنظمة، مروراً بـ«بطولة 1970» التي مثلت ذروة الامتداد الهجومي المنسق داخل فريق واحد، وصولاً إلى «تتويج 2002» الذي أعاد البرازيل إلى قمة العالم بتركيبة تجمع الإيقاع السريع والفاعلية.
لكن منذ ذلك الحين يبقى المنتخب البرازيلي زعيم القارة فيما يتعلق بالألقاب المونديالية، بعيداً عن عرشه القديم، فمنذ آخر تتويج قبل نحو 23 عاماً، هيمنت أوروبا على 4 ألقاب، قبل أن تكسر الأرجنتين ذلك التفوق بالنسخة الماضية في قطر. وتمتاز مشاركات البرازيل في «المونديال» بأنها الأعلى ثباتاً؛ إذ لم تغب مطلقاً عن النهائيات، ووصلت إلى الأدوار المتقدمة في أغلب النسخ، محافظةً على هوية هجومية تعتمد على الإبداع الفردي داخل منظومة مدعومة بالتنظيم والضغط العالي.
لكن غياب الجيل ذي الشخصية القيادية ربما يكون العائق أمام تحقيق إنجاز جديد، فمنذ اعتزال جيل رونالدو ورونالدينيو وكاكا، لم يتسلم نيمار الراية بالشكل المناسب، ولا تزال صدمة السقوط بسباعية أمام ألمانيا في «نصف نهائي 2014» على ملعبها غصةً في حلق البرازيل.
الأرجنتين بدورها تعدّ من أهم أعمدة البطولة بـ3 ألقاب، آخرها في 2022، وقد أثبتت عبر تاريخها قدرتها على العودة إلى الواجهة في اللحظات الحاسمة. وتعتمد هويتها على المزج بين القوة الذهنية والمرونة التكتيكية؛ مما جعلها منافساً دائماً في الأدوار النهائية، حتى في الفترات التي شهدت تراجعاً في نتائجها.
أما أوروغواي، صاحبة أول لقبين في تاريخ المونديال، فكانت حجر الأساس في مشوار المنافسة العالمية، ويظل إنجازها في نسخة عام 1950 من كبرى لحظات البطولة تأثيراً، بالفوز على المضيف المنتخب البرازيلي في عقر داره. ورغم تراجع أدوارها في العقود الأخيرة، فإنها واصلت الحضور في مراحل متقدمة بنسخ مختلفة بفضل الاحتفاظ بهوية فنية مميزة، والشخصية ذات الطابع اللاتيني في المدارس التدريبية المتعاقبة أيضا، مثل أوسكار تاباريز ومارسيلو بييلسا.
وبعيداً من القوى الكبرى، قدمت منتخبات مثل تشيلي وكولومبيا وباراغواي وبيرو مشاركات لافتة أسهمت في ترسيخ حضور القارة، فجاء منتخب تشيلي في مركز ثالث العالم عام 1962، وظهرت كولومبيا بصبغة هجومية قوية خلال التسعينات، بينما حققت باراغواي أفضل إنجاز لها بوصولها إلى «ربع نهائي 2010»، واستمرت بيرو طوال عقود في تقديم أداء ممتع رغم محدودية الموارد…
بشكل عام، تمتلك أميركا اللاتينية 10 ألقاب في كأس العالم، إلى جانب عشرات المشاركات المتقدمة في نصف النهائي والنهائي؛ مما يجعلها من أهم المحاور المؤثرة في تاريخ البطولة. وتستمد هذه المنتخبات قوتها من تراكم الهوية الفنية وتنوع المدارس الكروية، لتبقى عنصراً أساسياً في تشكيل ملامح «المونديال» عبر كل العصور.

